متابعة الأخبار والأنشطة عبر وسائل الإعلام أمر غير كاف بالمرة للحكم على أداء الصندوق الاجتماعى للتنمية، فما ينشر من بيانات صحفية منمقة تختلف جملة تفصيلًا عن الحاصل على أرض الواقع، فمتابعة هذه البيانات الصحفية تأخذ متابعيها إلى أن «الاجتماعى للتنمية» ما هو إلا صندوق سحرى يوفر الحلول الناجزة لجميع المشكلات?، لكن تحسس أنشطة هذا الصندوق السحرى بعيدا عن ضجيج الإعلام يدلل على أن الأمر مختلف جملة وتفصيلًا، فلا الصندوق سحريا ولا الحلول ناجزة، بل بات بوابة الفقراء إلى غياهب السجون، بما دعا البعض للقول بأنه قد حان الوقت لقراءة الفاتحة على روح هذا الصندوق. وترجع نشأة الصندوق الاجتماعى للتنمية، بحسب د. مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إلى العام 1991 عندما صدر القرار الجمهورى رقم 40، الذى إنشائه الصندوق الاجتماعى للتنمية كشبكة أمان اجتماعى واقتصادى، بحيث تمثلت أهدافه فى تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتحسين مستويات معيشة الفقراء والتخفيف من حدة الفقر، وخلق فرص عمل للحد من البطالة، التى بلغت معدلات قياسية فى أعقاب الحرب العراقية – الكويتية وزيادة عمليات الخصخصة. أهداف الصندوق وتتحقق هذه الأهداف التى قام من أجلها الصندوق، كما ينص القرار الجمهورى، من خلال العمل على تعبئة الموارد الفنية والمالية المحلية والدولية لتحقيق التنمية، وتقديم الخدمات المالية وغير المالية المتطورة لدعم المشروعات الصغيرة، وتمويل المشروعات، التى تتيح فرص العمل وتحسن البنية الأساسية والمجتمعية، وأخيرا، تشجيع نشر فكر العمل الحر وربط الصناعات الكبيرة بالمشروعات والصناعات الصغيرة. وبالتالى، كما أوضح د. الشريف، فإنه عندما صدر قانون تنمية المشروعات الصغيرة رقم 141 لسنة 2003 كلف الصندوق الاجتماعى بمساندة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وبتقديم حزمة متكاملة من الخدمات المالية وغير المالية لها وبالتنسيق مع كل الأطراف المعنية بهذه المشروعات بهدف تبنى السياسات والتشريعات اللازمة لتطويرها. فالغرض من الصندوق، ببساطة، مساعدة الشباب فى إيجاد فرص عمل بديلة عن الوظيفة الحكومية بغرض الحد من البطالة خاصة مع انحصار دور الدولة فى الاقتصاد، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها عماد الاقتصاد القومى، ولدورها الكبير فى توفير فرص العمل حال كونها مشروعات كثيفة العمالة، على أن يتم التمويل من خلال المنح والمعونات والقروض، التى تقدمها الدول المانحة والمؤسسات المالية، لكن الحاصل هو عجز واضح عن أداء المهام، بل أصبحت أحد أسباب دخول الشباب إلى السجون. بالفعل، وفقا ل «د. الشريف»، تزدحم عنابر السجون بالمتعثرين من عملاء الصندوق الاجتماعى، الذين حصلوا على قروض لتمويل مشروعات تقيهم شر السؤال، وتوفر لهم فرصة عمل مناسبة، لكن تأتى شروط الاقراض المجحفة لتفقد العميل صوابه، فالفوائد تصل إلى 16% والضمانات مبالغ فيها ومدد السماح غير مناسبة، وبالتالى فإن أحلام الكثيرين تتبخر أمام هذه الشروط وتعجز عن توفير الضمانات، فيما يسلك آخرون كل المسالك للحصول على القرض، وبالفعل يتحقق له المراد، لكنه يعجز عن سداد القرض، لفشل المشروع أو لعدم وجود مشروع بالأساس، فيلجأ الصندوق إلى المحاكم ويسلم العميل بالأمر الواقع ويرضخ لحكم القاضى بالسجن. بنك الفقراء أى جهة تمويل، بحسب د. مصطفى النشرتى، أستاذ التمويل والاستثمار بكلية الادارة جامعة مصر الدولية، تواجه تقصير عملائها وتعسرهم وعدم قدرتهم على سداد ما هو مستحق فى موعده، لأنه لا يمكن أن تقف جهة التمويل مكتوفى الأيدى أمام المتعثرين من العملاء، لما فى ذلك من ضياع لحقوق المودعين، وكذلك يفعل الصندوق الاجتماعى حيال المتعثرين فهو يقوم بتفعيل القانون وهو مجبر على ذلك، فالصندوق لا يرغب أبدا فى أن يكون سببًا فى دخول العملاء إلى السجن بل حرصه على حماية حقوقه حيال الأطراف هو المحرك. ويدلل على ان الصندوق لا يسعى لإنزال عقوبة السجن بعملاءه، الأهداف السامية التى يقوم على ادراكها منذ قرار انساءه قبل أكثر من عقدين، عندما قررت الحكومة استحداث هذا الكيان ليكون أداة الحكومة فى مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التوسع فى تنفيذ برنامج الخصخصة، الذى طبقه نظام مبارك البائد، بحيث نشأ الصندوق لمساعدة العمالة، التى تحال لمعاشات مبكرة لاقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، لخلق المزيد من فرص العمل للمتعطلين. وكانت هذه الأداة الحكومية، وفقا ل «د. النشرتى»، من بنات أقكار صندوق النقد الدولى، الذى اقترح فكرة الصندوق الاجتماعى للتنمية على غرار بنك الفقراء فى بنجلاديش، إلا أن أخطر ما فى هذا الأمر، هو عدم خضوع الصندوق لرقابة البنك المركزى، المنوط به مراقبة كل أشكال التمويل وتقديم القروض ذى الفوائد، ولو كانت بسيطة ومدعمة فغياب دور البنك المركزى عن الصندوق وغيره من الصناديق الاجتماعية التمويلية والبنوك المشابهة كصندوق التمويل العقارى والبنك الزراعى وغيره خطأ جسيم. دور الصندوق معيب، وأن ثبت له شيئا من النجاح والتواجد فى عالم إقامة المشروعات الصغيرة وتقديم أشكال الدعم المختلفة لها ماديا وعلميا وتكنلوجيا وتسهيلات، وأن قيام الصندوق بمنح بعض الجمعيات الأهلية قروض أو منح عبر تمويلات محلية أو أجنبية، أمر يخرج تماما عن الإطار المحدد للصندوق الاجتماعى، الذى من المفترض أن يتعاون مع الأفراد، فيما يحدد القانون طرق أخرى على الجمعيات أن تسلكها للمساهمة فى تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. محاربة البطالة كانت فكرة الصندوق، فى رأى د. صلاح جودة، الخبير الاقتصادى، تستهدف توفير التمويل للشباب، لمحاربة البطالة بتدبير تمويل بأسعار اجتماعية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى القطاع الزراعى والصناعى والتجارى، وبالفعل بدأ الصندوق الاجتماعى بمكتب صغير تابع لرئاسة مجلس الوزراء، حتى يكون التنفيذ بأقل قدر من العوائق القانونية والإدارية. وفى دراسة له بعنوان «الصندوق الاجتماعى وعنبر السجون»، قال د. جودة إن هذه الفكرة لاقت قبولا واسعا عند طرحها أوئل التسعينيات من القرن الماضى، وكثر الحديث عن أنه لا بطالة بعد إنشاء الصندوق، لأن المشروعات الصغيرة كفيلة بتوفير ما يكفى العاطلين من فرص عمل فى حال توافر التمويل، وكان الأمر وكأن خريجى كليات الزراعة سيقومون باستصلاح الأراضى، وأن جميع الخريجين والحرفين سيجدون التمويل اللازم لأفكارهم. وأضاف أن الفكرة كانت «ممتازة»، لكن بمجرد أن تم الإعلان رسميا عن الصندوق، لكن البيروقراطية افقدته القدرة على الحركة والمناورة، فالتضخم الإدارى الذى أصبح عليه الصندوق أعجزه عن الحركة والفاعلية، على الرغم من أن معظم الدول الأوروبية واليابان وكندا قاموا بإعطاء منح كثيرة لتمويل الصندوق الاجتماعى، وقامت دول أخرى بإعطاء قروض للصندوق مدة تترواح ما بين 10 سنوات وخمس عشرة سنة بدون فوائد. ومن منطلق الحرص على هذه الأموال، كما أشار د. جودة، تم الإعلان عن أن الاقتراض سيكون بفائدة سنوية بسيطة 6% مقارنة بسعر فائدة بنكى سائد يتراوح بين 10.5 و12%، لكن بمرور الوقت تحولت الفائدة من بسيطة إلى مركبة، وتقلصت فترة السماح من دوره كاملة من الإنتاج ليتم احتساب القرض من أول يوم للمشروع، وأن يكون أول قسط للسداد بعد 6 شهور من الحصول على القرض، ثم بدأ الحديث مصروفات إدارية ومصاريف متابعة القرض وخلافه تصل إلى نحو 5%، لتكون الفائدة الإجمالية 11%، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل زاد الطين بلة الضمانات المبالغ فيها التى تعجز طالبوا القروض. وتتمثل هذه الضمانات فى رهن كامل للمشروع للصندوق الاجتماعى او البنك الذى يقول عليه الصندوق الاجتماعى، وقيام الشاب بكتابة شيكات بقيمة القرض على نفسه، والتوقيع على شيكات على بياض لصالح البنك أو الصندوق الاجتماعى، علاوة على وجود ضامن من الدرجة الأولى، للتوقيع كضامن على شيكات بقيمة القرض، وكذا وشيكات على بياض. صعوبة الشروط زيادة معدلات التعثر فى القروض الممنوحة عن طريق الصندوق الاجتماعى، وفقا ل «د. محمد معيط، نائب رئيس هيئة الرقابة والمالية»، ربما تعود إلى صعوبة الشروط التى يضعها الصندوق رغبة منه فى تأمين هذه الأموال، التى من المفترض أنها تأتى للصندوق بتمويل خارجى أو من خلال القروض البنكية المدعمة، وبالتالى، من الطبيعى أن توضع تلك الاشتراطات والفوائد لتأمين الحصول على تلك الأموال مرة أخرى حتى لا تتوقف العجلة المالية عن الدوران وحتى تتمكن البنوك من إقامة أعمالها. لذلك من المفروض مسبقا عند أقراض تلك الأموال من خلال مشروعات أو غيرها من الطرق أن يوجد تأمينات لدى المقترض لضمان الحصول، على الأموال وعلى الرغم من تمويل الصندوق من خلال مساعدات ومنح، إلا أن لها ضوابط الزامية يجب الحفاظ عليها من فوائد واقساط سداد واشتراطات للتمويل إلى جانب الوضع فى الاعتبار الهدف الأول من مشروع الصندوق وهو مساعدة الفقراء والبسطاء على إقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر للحد من مشاكل البطالة واستغلال تلك المشروعات فى تدوير عجلة التنمية بصورة قومية. واستبعد د. معيط أن يتولى الصندوق الاجتماعى دور الوسيط أو القناة التى يتم من خلالها منح الجمعيات الأهلية المساعدات والمنح الأجنبية، لأن ذلك ضد الهدف الرئيسى للصندوق، وهو إقامة المشروعات وتقديم المساعدات التنموية من الدولة للأفراد، وبالتالى فإن دور الصندوق هو التعاون مع تلك الجمعيات واعطائها الأموال الممنوحة من الخارج، وتسهيل الحصول عليها لتنفيذ مشروعات محددة تتقدم بها تلك الجمعيات، ويشرف الصندوق على التنفيذ، لأن إقامة المشروعات هو العمل المنوط بالصندوق، وليس إدارة أموال المنح، ويرجع ذلك لدور الجمعيات الأضهلية المعروف أنه من انجح وسائل الوصول إلى الأفراد بشكل أكثر فاعلية ومساعدتهم وتمويل مشروعاتهم ومتابعتها عن قرب. هذا وقد اتاح الصندوق الاجتماعى، خلال النصف الأول من العام الماضى، تمويل للمشروعات الصغيرة قدره 839.6 مليون جنيه، وذلك من خلال البنوك والجمعيات الأهلية والاقراض المباشر من مكاتب الصندوق، وذلك لإقامة وتطوير 7663 مشروعًا صغيرًا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتاح الصندوق، وفقا لبيان رسمى، تمويل للمشروعات متناهية الصغر قدره 457.4 مليون جنيه من خلال الجمعيات الأهلية وبنكى مصر والقاهرة وجمعيات تنمية المجتمع، وذلك لإقامة 92922 مشروعًا، مما وفر عشرات الآلاف من فرص العمل، فضلا عن الخدمات غير المالية التى تتمثل فى تدريب العملاء على إدارة المشروعات، وتنظيم المعارض، وإصدار التراخيص. قدرات كبيرة ف»المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر»، وفقا ل «منير فخرى عبد النور»، وزير الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشرف على أعمال الصندوق الاجتماعى للتنمية»، أحد الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية بما يمتلكه هذا القطاع من إمكانات وقدرات كبيرة تؤهله أن يلعب دور مهماً فى توفير المزيد من فرص العمل والتصدى لمشكلة البطالة، لافتاً إلى أن الوزارة حريصة على تقديم المساندة الكاملة لهذه المشروعات خلال المرحلة المقبلة لتنميتها وزيادة قدرتها التنافسية. وقال عبدالنور، خلال حفل توقيع 4 عقود لمشروعات بنية أساسية كثيفة العمالة ينفذها الصندوق الاجتماعى للتنمية فى أسوان والبحيرة والجيزة والوادى الجديد بتمويل 25.5 مليون جنيه من الحكومة اليابانية والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، إنه يجرى حاليا تطوير التشريعات المنظمة لنشاط المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وذلك بهدف تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام صغار المستثمرين إلى جانب جذب القطاع غير المنظم للدخول فى منظومة الاقتصاد الرسمى، ومن ثم زيادة معدلات النمو الاقتصادى واتاحة الآلاف من فرص العمل أمام الشباب.