أحد عناصر القوة الذاتية لمصر، هى المصريون بالخارج، وللأسف لم نفكر حتى الآن فى الوضع الأمثل للاستفادة من طاقات المصريين خارج مصر، رغم أن لديهم الاستعداد والقدرات ووطنية خالصة لمساعدة مصر بكل إمكانياتهم العلمية والاقتصادية. و للأسف ومنذ أن خرج علينا الدستور الجديد بنص يعطى المصريين فى الخارج حق التمثيل فى البرلمان القادم، وبدأت أعراض التفكك والانقسام والاتهامات من مجموعات متناثرة فى بعض الدول وخاصة من المتواجدين فى الدول العربية وكأن العدوى وصلت إليهم أيضا، ولم تقتصر على القوى السياسية الموجودة داخل مصر. ولكن قضية المصريين بالخارج أكبر من أن تحصر فى موضوع التمثيل فى البرلمان، وقد يكون حقهم الدستورى فى أن يكون لهم نواب فى البرلمان، ولكن لا أعتقد أن ذلك الأسلوب الصحيح فى الاستفادة من هذه القوة الناعمة لمصر. سيدخلون فى غياهب السياسة الداخلية فى مرحلة مهمة ودقيقة يمر بها الوطن. و كان من الأجدر أن يكون لهم كيان خاص بهم يمثلهم ويضعهم فى قلب هموم الوطن، وهنا لا زلت أقترح أن المفوضية العليا للمصريين فى الخارج هى المحفل الأهم لهذه المجموعات الرائعة من أبناء مصر. والسبب أن هناك كيانات مختلفة فى الخارج تحاول كجميع قوى المصريين، ولكنها فشلت حتى الآن فى أن تجتمع تحت كيان واحد داخل كل دولة. بل قد وصل الأمر إلى حد التناحر والتربص ببعضهم البعض، ووقفت السفارات والقنصليات عاجزة عن لم الشمل خاصة وأن السياسة الأفضل للعلاقة بين السفارات وتجمعات الجالية المصرية، أن لا وصاية على هذه التجمعات من السفارة ولا وصاية من تجمعات الجالية على السفارة. هذه الطاقات الوطنية زاخرة بإمكانيات علمية واقتصادية، وعلماء مصر فى الخارج لا نحتاج إلى الحديث عنهم، فهم علامات مضيئة يفخر بها الوطن، أيضا نعيد إلى الأذهان أن تحويلات المصريين بالخارج وصلت إلى 20 مليار دولار العام الماضى. و قد تكون هناك بعض السلبيات فى تعامل الدولة مع هذا الموضوع المهم، لأننى أعتقد أن وزارة القوى العاملة والهجرة – مع تقديرى الكامل لدورها – لا تستطيع أن تتفاعل يوميا مع مشاكل وأفكار المصريين بالخارج. وَجَدَّت أفكار إيجابية من الجالية فى النمسا تتعلق بدعم الاقتصاد المصرى وأنهم لا يحتاجون إلى قوانين تفرض عليهم ضرائب أو ما شابه، ولكنهم على استعداد للوقوف بجانب بلدهم. ويكفى أن نتذكر أن هناك فكرة فى طريقها للتنفيذ وهى إنشاء شركة مساهمة مصرية يساهم فيها المصريين وتخرج الأمور من دائرة التبرع إلى دائرة المساهمة فى شركة يكون لهم عائد منها إذا نجحت فى تولى مجموعة من المشروعات الوطنية التى تحتاج إلى تمويل، أو إعادة بعض المصانع إلى العمل مرة أخرى. أعتقد أن الأهم هو توجيه طاقات أبناء مصر فى الخارج إلى العمل والإنتاج بدلا من التزاحم والتنافس على مقاعد البرلمان التى لن يكون لها مردودا إيجابيا على الاقتصاد المصرى، إنما الإسهام فى عمل سياسى مهم بالقطع، ولكن طاقات المصريين كلها فى الداخل والخارج يجب أن توجه إلى العمل والإنتاج لأن ذلك يحدد مصير الدولة أكثر من العمل السياسى الذى له أهميته بالطبع ولا مناقشة فى ذلك. قد يفهم البعض أننى ضد حقيقة تمثيل المصريين فى الخارج فى البرلمان القادم، هذا غير صحيح ولكننى أشعر بما أصابهم من توتر وتصارع، وهذا يؤثر على تماسكهم الذى كان أحد مزاياهم حتى وقت قريب. المجلس النيابى القادم بالرغم من أهميته التى يعترف بها الجميع، لا زال مشكلة يصعب التنبؤ به ولكن معظم التوقعات تقضى بأنه سيكون هشا ومفككا. من هنا يجب توجيه طاقات المصريين بالخارج إلى محفل عملى موازى يساهم فى دفع الاقتصاد الوطنى، وعدم الوقوف أمام التمثيل فى البرلمان، وكأنه آخر المطاف. وأعيد التأكيد على أننى لا أنكر حق المصريين فى الخارج للتمثيل فى البرلمان، ولكن على الدولة الاهتمام بالاستفادة منهم فى كل مقتضيات تقدم هذا الوطن.