حين استخدمنا بعض تقنيات الاستجواب المبالغ فيها – تقنيات اعتبرها وينبغى على كل شخص نزيه أن يعتبرها بمثابة تعذيب - فإننا تجاوزنا خطأ ينبغى عدم تجاوزه. ربما لم تكن هذه التصريحات التى أدلى بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما مؤخرا، والتى أقر فيها بقيام وكالة الاستخبارات المركزية بتعذيب العديد من المعتقلين والمشتبه فيهم عقب أحداث 11 سبتمبر، مفاجأة للكثيرين، فالعالم أجمع يعلم حجم الانتهاكات التى قامت بها الوكالة فى تلك الفترة، ولكن أهمية هذه لتصريحات تنبع من كونها أول اعتراف رسمى من الرئيس الأمريكى بالتجاوزات التى قامت بها الوكالة. وعلى الرغم من إقرار أوباما بأن الولاياتالمتحدة قامت بأمور منافية لقيمها بعد اعتداءات 11 سبتمبر، إلا أنه رفض إصدار حكم أخلاقى على هذه المرحلة، قائلا: «أعتقد أننا حين ننظر إلى الماضى، من الأهمية أن نتذكر مدى خوف الناس بعد انهيار البرجين، لقد أصيب البنتاجون، وتحطمت طائرة فى بنسلفانيا» وأضاف «كان الناس يجهلون ما إذا كانت هناك هجمات أخرى وشيكة، كان هناك ضغط هائل على كاهل قوات الأمن لمواجهة هذا الوضع». وقد اهتمت العديد من الصحف ووكالات الأنباء بهذه التصريحات، وتساءلت عن سبب اختيار أوباما لهذا التوقيت لإعلان مسئولية بلاده عن تعذيب العديد من المعتقلين عقب أحداث سبتمبر، فذكرت صحيفة «داجينس نيتير» السويدية فى تقرير لها أن أوباما اعترف بأن الولاياتالمتحدة قامت بتعذيب السجناء فى أعقاب هجمات سبتمبر، مضيفة أن هذا الاعتراف يأتى قبل أيام قليلة من رفع السرية عن تقرير أعدته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ حول أساليب الاستجواب المبالغ فيها التى استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية بين عامى 2002 و2006 أثناء ولاية جورج بوش، وذكرت الصحيفة أن مسئولين أمريكيين اطلعوا على التقرير الضخم الذى يتكون من 700 صفحة، والذى أكد أن استخدام الوكالة أساليب التحقيق المشدد مثل الحرمان من النوم، والإيهام بالغرق، وتعرية المعتقل لم ينتج عنها أية معلومات قيمة على الإطلاق، كما خلص التقرير إلى أن الوكالة ضللت الأفرع التنفيذية الأخرى والكونجرس، بزعم أنها لم تكن لتحقق نجاحات فى مكافحة الإرهاب دون أساليب التحقيق القاسية. وعلى الرغم من عدم صدور التقرير بشكل رسمى، إلا أنه أثار موجة من الانتقادات ضد الوكالة ورئيسها «جون برينان»، ولم تكن الانتقادات ضد الوكالة بسبب قضايا التعذيب فقط، إذ تعرضت للهجوم أيضا بسبب قيام الوكالة بالتجسس على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بأعضاء فى اللجنة التى أصدرت التقرير الخاص بأساليب الاستجواب التى استخدمتها الوكالة بعد 11 سبتمبر. وعلى الرغم من الاعتذار الذى تقدم به «برينان» إلى أعضاء لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ، واعترافه بأن وكالته تجسست بشكل غير لائق على أجهزة الكمبيوتر المستخدمة من قبل موظفى مجلس الشيوخ، إلا أن ذلك لم يؤد لتوقف الهجوم عليه سواء من أعضاء مجلس الشيوخ أو الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية. ومن المنتظر أن يزداد الهجوم بعد الكشف عن ملخص التقرير الذى أعدته اللجنة، ويكشف بالتفاصيل عن عمليات التعذيب التى قامت بها الوكالة.