مسيحيو الشرق الأوسط يشاطرون إخوانهم المسلمين ضريبة الدم التى فرضها المشروع الصهيونى فى المنطقة، ليس فى غزة فقط ولكن فى موصل العراق الداعشية وبعض المناطق السورية، وربما فى ليبيا التى لانتابع فيها - عن كثب - أخبار الذبح على الهوية ..هذه حقيقة أدركناها بأفهامنا وأدركتنا هى بمصائبها التى صبتها فوق رؤوسنا من قتل وجرح وسحل وتهجير وتفتيت للأوطان مرة باسم الحرية والديموقراطية ومرة باسم الله ورسوله جل اسميهما وتقدسا عن ذنوب البشر وخطاياهم. داعش وأشباهها من الجماعات التكفيرية دخلت مدينة الموصل فقتلت وسرقت المسلمين وقتلت وفرضت الجزية على المسيحيين وهدمت بعضا من دور العبادة التى تخصهم ..هل هذا من الإسلام فى شىء؟!.. (1) والخطأ الذى لا يغتفر أن نناقش داعش وأشباهها على أرضية دينية.. بينما على أرضية سياسية هناك تفسيرات وتأويلات كثيرة لظاهرة داعش وجبهة النصرة ومن قبلهما تنظيم القاعدة وانتماءات وعمل هذه التنظيمات، على سبيل المثال هناك تفسير يرى أن داعش موجهة نحو إيران صاحبة المشروع النووى الذى يقلق كثيرا الغرب وإسرائيل، إذن فداعش صنيعة أمريكية، وفى تفسير آخر داعش موجهة ضد الوجود الشيعى فى العراق والشام فهى ممولة من الدول السنية الكبيرة فى المنطقة التى تخشى من المد الشيعى، وباتت تدرك فى نفس الوقت أن هناك خطرًا آخر قادمًا من ناحية الغرب يساند الشيعة فى منطقة الخليج ليستخدمهم فى تنفيذ مخططات الفوضى فى هذه المنطقة، وليس بعيدًا عما يحدث هذا الدور الذى تلعبه قطر ذيل أمريكا وربيبة إسرائيل الموعودة بمكافأة اعتلاء دولة الخلافة الموعودة، وليس بعيدًا هناك حلم عودة الإمبراطورية العثمانية الذى رأت تركيا أنه قريب منها فى تحركات الإسلاميين من إخوان وسلفيين بعد الربيع العربى، وأذكركم أن إيران أيضا لديها حلم إحياء الإمبراطورية الفارسية.. الكل يلعب سياسة، وتم تطعيم اللعبة بخلفية دينية كانت مطلوبة من الخارج بشدة وانخرط فيها بعض الدراويش المغيبين عن غفلة أو جهل، والمستفيد الأول من هذه الاشتباكات المعقدة فى المشهد هم الصهاينة الذين يحكمون أمريكا بدماغ تل أبيب.. شىء مؤسف ومخز للمسلمين والعرب الذين يبدون الآن وكأنهم فقدوا عقولهم. (2) أعود لسؤالى الأول هل يمكن أن نناقش ما وقع على مسيحيى الموصل على خلفية دينية إسلامية؟! وأرجو ألا يزعج السؤال أحدًا، وقد حاولت أن أجيب عنه بنفسى من خلال أسانيد الكتاب والسنة المحمدية وفقه المعاملات الإسلامية، كان هذا قبل أن أتذكر لقائى مع هذا الدكتور الأكاديمى المصرى المسيحى الذى قابلته قبل 10 سنوات وأعود إليه وإلى رسالة الدكتوارة التى أنجزها وحصل بها على الدرجة العلمية لسادس مرة حتى لقبه البعض ب «الدكاترة فلان» وكان عنوان رسالته تلك : «حقوق وواجبات غير المسلمين فى الدولة الإسلامية وأثر ذلك على الأمن القومى»، وأراد الباحث أن يقول من عنوان ومقدمة بحثه إنه «لا يكفى فقط أن نظهر الحقيقة أو المثال فى العلاقة ما بين أبناء الأمة من المسلمين والأقباط، ولكن لابد أن ندرك أيضا أهمية ذلك فى الدفاع عن وجودنا ذاته وعدم تشرذمنا فالهجمة القادمة من الغرب هذه المرة هجمة شرسة لن تفرق ما بين مسلم مصرى أو مسيحى مصرى ولن تسأل واحدا منهم قبل أن تغمد خنجرها فى قلبه أنت مسلم أم مسيحى؟!».. ولاحظ أننى كتبت هذا عن رسالة الدكتوراة وصاحبها قبل 10 سنوات وعدت إلى ما كتبته اليوم وقلت حسنا هذا المسيحى أجدر بالرد على المتشككين، على الأقل لن يتهم بالانحياز للشريعة الإسلامية، وقد انحاز ضدها من قبل كثير ممن يطلق عليهم المستشرقون وهم محسوبون على مسيحيى الغرب. (3) كيف رأى هذا الباحث الشريعة الإسلامية فى تعاملها مع غير المسيحيين؟.. تطرق الباحث فى البداية إلى الإجابة عن سؤال من هم غير المسلمين؟ وما هو عقد الذمة؟ فقال إن عقد الذمة الآن هو شىء فى ذمة التاريخ بعد أن تحولت الذمة إلى المواطنة والجنسية وبعدما سمح الخديو سعيد عام 1806 للمسيحيين (فى مصر) بالدخول فى سلك الجندية للدفاع عن الوطن وبالتالى سقطت الجزية وأصبح لهم حق المواطنة وعليهم سداد الضرائب مثلهم مثل المسلمين. وتطرق الباحث أيضا إلى الحقوق المتعلقة بعقائد غير المسلمين واستشهد بما ورد فى سيرة ابن هشام عن قصة وفد نصارى نجران الذين دعاهم الرسول صلى الله عليه سلم للقاء فى المسجد لعدم توافر مكان آخر للقائهم، ولما حان وقت صلاة هؤلاء المسيحيين سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامة صلواتهم داخل المسجد على الرغم من رفض بعض الصحابة لذلك أو تردديهم لكلام لا يوافق عليه الإسلام، ورسوله الذى قال: (من آذى ذميا فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله) وقال أيضا: (من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة) وقال ثالثا: (من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة). ويقول الباحث أيضا إنه لا يوجد سقف لحرية العقيدة لغير المسلمين فى الإسلام لكن فى التطبيق العملى تحدث تجاوزات، هذه التجاوزات لا يتحملها الإسلام ولكن يتحملها مرتكبوها ويتحملون وزرها والإسلام حجة على تابعيه وليس العكس. ومن الوقائع التاريخية إلى وقائع الحاضر تناول الباحث بعض المشاكل المتعلقة ببناء وترميم الكنائس، وهى مسألة تشغل بال كثير من المسيحيين وكان بعض الجهلة والمغرضين من الجانبين (مسيحيين ومسلمين) يحيلها إلى القانون المعروف ب «الخط الهمايونى» وهو القانون الذى يحدد بناء الكنائس وترميمها، وعنه قال الباحث إن هذا الخط لا وجود له فى مصر الآن، وتاريخيا هذا القانون كان يخص كافة الدول التى تتبع الامبراطورية العثمانية، وهو قرار إدارى صادر عن السلطان الأعظم كان يشمل بالإضافة إلى الكنائس بناء وترميم المستشفيات والمدارس والمحلات والأديرة والمقابر وخدمة أهل الذمة بالجيش وعملهم الميدانى، وهذا القانون انتهى بإعلان انجلترا الحماية على مصر عام 1914 وأن هذه المشكلة تم حلها فى عهد الرئيس مبارك بإصداره للقرار الجمهورى سنة 1999 بنقل اختصاص ترميم الكنائس والمعابد والمساجد إلى المحليات. انتقد الباحث أيضا قانون الأحوال الشخصية المطبق على غير المسلمين وقال بعدم دستورية هذا الأمر الذى يسبب معاناة ظهرت صورتها فى أكثر من 200 ألف حالة. بينما هناك قاعدة إسلامية تقرر بالنسبة لغير المسلمين: (اتركهم لما يدينون) بمعنى أن نترك مسائل الأحوال الشخصية من أمور الزواج والطلاق للإنجيل، وقال أيضا فى هذه الجزئية إن الطوائف الثلاث الرئيسية للمسيحيين فى مصر اتفقوا على قانون موجود بالفعل للأحوال الشخصية للمسيحيين وهذا القانون يتفق مع تعاليم الإنجيل وبالتالى فلن يعترض عليه أحد والمطلوب أن يدرس هذا الموضوع، أكرر كان هذا قبل 10 سنوات ولم يصدر حتى الآن قانون ينظم الأحوال الشخصية للمسيحيين. وليست رسالة الدكتوراة هذه فقط هى جل إنجازات هذا الباحث فقد صدرت له كتب أخرى رد فيها الافتراءات على الإسلام منها كتاب (انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء) ونال عنه الباحث جائزة مهرجان الجنادرية الذى تقيمه المملكة العربية السعودية، وكتاب (الإرهاب صناعة غير إسلامية) ورد فيه على فرية إلصاق الإرهاب بالإسلام، هذا غير كتابه: (زوجات الرسول والحقيقة والافتراء فى سيرته) وكتاب: (الوحدة الوطنية فى مصر) الصادر باللغة الإنجليزية. (4) والباحث المطلع المحب للبحث قال لى وسجلت له قوله إنه لكى يضع رسالته الأخيرة ويرد على خصوم الإسلام قرأ العشرات من كتب المكتبة الإسلامية فى موضوعات القرآن وتفسيره والتاريخ الإسلامى والفقه والناسخ والمنسوخ والسّنة القولية والفعلية. بقى أن تعرف أن هذا الباحث هو د. نبيل لوقا بباوى الذى بدأ حياته العملية ضابطا فى الشرطة قبل أن يتركها ويشتهر كرجل أعمال ويزيد من شهرته نشاطه السياسى كأحد كوادر الحزب الوطنى المنافحين عنه وعن نظام مبارك بشدة ليظلم نبيل لوقا السياسى نبيل لوقا الباحث والكاتب، الذى صدقت إنصافه وعدله ونياته لأنه ليس له مصلحة فى أن ينصف ويعدل فى هذا الجانب، على العكس كان غيره يكسب من مهاجمة الإسلام والعقيدة الإسلامية هذه البضاعة التى كانت ومازالت مطلوبة فى الشرق قبل الغرب.