فى ظل التوترات المتصاعدة منذ بداية العام الحالى بين الصين وكل من فيتنام والفلبين وماليزيا بشأن السيادة على بحر الصين الجنوبى الغنى بالموارد السمكية والنفطية، يتعرض هذا الممر البحرى العالمى لموجة متصاعدة من القرصنة والتى تهدد بتأجيج التوترات بين دول المنطقة وتثير المخاوف من خروج الأمر عن السيطرة كما حدث قبالة السواحل الصومالية خلال السنوات الماضية. ومنذ ابريل الماضى يشهد بحر الصين الجنوبى هجمات قرصنة متكررة على ناقلات النفط، حيث تقوم عصابات مسلحة من الرجال بالهجوم على السفن واعتلاء سطحها وإتلاف معدات الاتصال بها ثم تحويل حمولتها من الديزل والبنزين على متن مراكب أو ناقلات أخرى ثم يفرون فى ظلام الليل. وحتى الآن يستهدف القراصنة على وجه التحديد ناقلات الوقود صغيرة الحجم ويتجنبون الناقلات العملاقة حيث تشير صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى أن الناقلات التى تعرضت للهجوم لم تكن أى منها من نوعية السفن الكبيرة التى تحمل النفط الخام والذى من شأنه أن يستغرق وقتا طويلا لنقله إلى سفينة أخرى ويكون من الصعب بيعه. كما أن اثنين من الناقلات التى تعرضت للهجوم لم يقم القراصنة بسرقة حمولاتهما بعد اكتشافهم أنهما كانتا تحملان مواد كيميائية ليست قابلة للبيع بسهولة. وتضيف «نيويورك تايمز» أنه على النقيض من الهجمات المسلحة بالبنادق التى تقع فى بعض الأحيان من قبل القراصنة قبالة سواحل الصومال ونيجيريا، فإن القراصنة فى بحر الصين الجنوبى لا يتسلحون إلا بالمسدسات أو حتى المناجل، لكن خبراء يحذرون من أن عمليات القرصنة التى يشهدها بحر الصين الجنوبى معقدة ومخطط لها مسبقا ولابد أن يكون مرتكبوها من العصابات المحترفة. ويلفتون إلى أن عملية نقل الحمولات المسروقة من سفينة إلى أخرى ليست بالمهمة السهلة فهى لا تتطلب فقط أن تقوم ناقلة القراصنة بمقابلة الناقلة المخطوفة فى مكان ووقت محددين سلفا، ولكنها تتطلب أيضا طاقما مدربا جيدا على عملية التحويل وهو ما لا يستطيع القيام به إلا مهندسون خبراء أو أطقم بحرية يتمتعون بخبرة فى هذا المجال. وكانت القرصنة البحرية تمثل مشكلة كبيرة فى مضيق ملقا المجاور لبحر الصين الجنوبى حتى عام 2006، لكن منذ ذلك الحين وحتى ابريل الماضى لم تكن حوادث القرصنة على ناقلات النفط فى المضيق أو فى بحر الصين الجنوبى المجاور تتجاوز واحدة أو اثنين سنويا. ومن جانبه، أصدر مكتب الملاحة الدولية تحذيرا الشهر الماضى للناقلات الصغيرة حثهم فيه على اتباع تدابير صارمة للحماية من التعرض للقرصنة فى بحر الصين الجنوبى. ووفقا ل «نويل تشونج»، رئيس مركز الإبلاغ عن أعمال القرصنة التابع لمكتب الملاحة الدولية ومقره كوالالمبور، فإن الإنتربول ووكالات الاستخبارات والقوات العسكرية يجرون حاليا تحقيقات بشأن الهجمات بالرغم من أنه لم يتم حتى الآن القبض على أى من مرتكبيها. ومن بين ما تهدف إليه التحقيقات الجارية هو تحديد ما إذا كانت المسروقات من حمولات الديزل والبنزين يتم بيعها من قبل المجرمين فى السوق السوداء من أجل التربح أو يتم استخدامها لتمويل أنشطة سياسية وربما حتى عمليات إرهابية. ويأتى تصاعد هجمات القرصنة فى بحر الصين الجنوبى فى وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن تجنيد الجهاديين فى ماليزيا حيث اعتقلت السلطات الماليزية الشهر الماضى أكثر من اثنى عشر شخصا، من بينهم ضابط بالبحرية الماليزية، وذلك ضمن التحقيقات بشأن عمليات تجنيد وأنشطة أخرى لدعم تنظيم داعش فى العراق وسوريا. لكن أكثر ما يثير المخاوف، بحسب تشونج، أنه إذا ما لم يتم التصدى لهذه الظاهرة وأصبحت الناقلات أهدافا سهلة للهجوم، فمن الممكن أن تنتشر القرصنة فى بحر الصين الجنوبى كما حدث قبالة سواحل الصومال على مدى السنوات القليلة الماضية. وتشير «نيويورك تايمز» إلى أن القرصنة قبالة السواحل الصومالية انخفضت بشكل حاد بعد أن بدأت شركات الشحن فى استئجار حراس مسلحين على متن السفن، ولكن ما يزيد المشكلة فى حالة بحر الصين الجنوبى أن أندونيسياوماليزيا تفرضان منذ فترة طويلة حظرا على وجود أى حراسة خاصة مسلحة على متن السفن، بينما تحتفظ بحق حمل السلاح لقوات الجيش والشرطة النظامية.