فيلم «جيران السعد « الذى كتبه أحمد عيسى وأخرجه تامر بسيونى يندرج تحت بند الأعمال المعلّقة فى الهواء، فلا تعرف بالضبط هل هى للكبار أم للأطفال. العمل هو البطولة الثالثة لسامح حسين الذى انطلق عالم بطولة المسلسلات والأفلام بعد نجاحه فى دور مساعد فى حلقات «راجل وست ستات» مع أشرف عبد الباقى. تجارب سامح متخبطة مثل تجارب كل ممثلى الكوميديا، هناك دوما نوايا حسنة، ولكن النتائج ليست جيدة فى معظم الأحوال، مشكلة «جيران السعد» هى نفس معضلة الأفلام المصرية التى حاولت تقليد أفلام ديزنى فلم تفلح، أتحدث مثلا عن أفلام مثل «سيب وانا اسيب» لعمرو واكد، و «الدادة دودى».. الخ هناك خلط واضح بين أن تصنع فيلما عن لعب العيال، وبين أن يكون الفيلم نفسه لعب عيال، عمل مصنوع بركاكة وباستخفاف، بل إنه لايفهم من سينما ديزنى سوى الشقلبة والمقالب على طريقة مهرجى السيرك، وكأنهم لا يشاهدون الأفلام التى تتوجه لأطفال القرن الحادى والعشرين، أولئك الذين تجاوزوا تلك العروض البسيطة الساذجة، صناعة فيلم لأطفال اليوم عمل صعب ومعقد وليس بسيطا كما اعتقد أصحاب «جيران السعد». فى فيلم سامح حسين خمسة أطفال فى عين العدو، ولكن المدهش والعجيب أن أبطال الفيلم الكبار جميعا أقرب فى تصرفاتهم إلى الأطفال، وهو أمر مزعج خصوصا إذا ارتبطت تلك الطفولية يالاستظراف، الحقيقة أن سامح حسين (رجل أعمال اسمه سعد السعد) يظهر فى أول مشاهده كرجل غريب الأطوار، شخصية مضطربة مسيطرة تضطهد الموظفين وتحاول إخافتهم، يطالبهم بأن يعملوا لمدة 25 ساعة فى اليوم، هناك خلط واضح فى أداء سامح بين أن تتصرف بطفولية، وبين أن تكون غريب الأطوار، وفى حاجة إلى علاج نفسى، يظهر سامح فى كل مشاهد الفيلم وذقنه نابته وكأنه يعانى من الاكتئاب، بل يبالغ الفيلم فيجعله مصرّا على العودة إلى العمل صباح يوم زفافه على الرقيقة ميريت (ميرنا المهندس) التى ستقول فيما بعد إنها أصرت على الزواج منه رغم تصرفاته الطفولية، بل إنها أحبت فيه أن بداخله طفلًا صغيرًا، وتفسر لنا تصرفاته «العبيطة» طوال الفيلم بأنه لم يعش طفولته فى الصغر، هناك خلط جديد بين الطفولية والتأخر العقلى! ميريت نفسها فى سلوكها لا تقل طفولية عن سعد السعد، أقرب ما تكون إلى فتاة مراهقة، مشاهد حجرة النوم بينها وبين عريسها المشغول دوما لا علاقة لها بفيلم يفترض أن جمهوره من الأطفال، أو هكذا يريد أن يكون، حالة من الاستظراف والمبالغة التى هبطت بإيقاع فيلم فقير فى أحداثه، لايمتلك سوى تكرار ثلاثة خطوط يعيد ويزيد فيها: رجل أعمال مضطرب يعتبرونه طفلا كبيرا، وعروس أكثر طفولية تريد الحصول على حقها كزوجة، ثم مغامرات سعد السعد المتتالية مع أطفال جيرانه الخمسة الشياطين الذين يكررون ما يفعله أطفال كل الأفلام، مقالب وعبارات جيل روش طحن وكثير من الفوضى التى تنتقل إلى الفيلم كله، والغريب أن والدى الأطفال الخمسة (سليمان عيد وبدرية طلبة) هما أيضا أقرب إلى الأطفال الكبار حتى فى ملابسهم: الأب ورث أموالا طائلة من خاله فى البرازيل، فاشترى فيلا فاخرة بجوار قصر سعد السعد وعروسه، لا يتوقف سليمان الذى يظهر بملابس غريبة مزركشة عن ممارسة كرة السلة التى يعمل مدربا لها، كما يلقى نكاتا سخيفة من طراز : «ليه ما يضمّوش كلية الألسن على كلية طب الأسنان ويسموها كلية البُقّ»، ولاتستحسن نكاته بالطبع سوى زوجته التى تصف زوجها بأنه «بونبوناية»، حتى خادمة سعد السعد البدينة التى لا تتوقف عن الاستظراف طوال الفيلم أقرب ما تكون إلى الطفلة الضخمة، تماما مثل الموظف الذى يعمل مع سعد، والذى يلعب دوره ياسر الطوبجى، حيث نراه فى مشهد وهو يرتدى ملابس البحر داخل مكتب سعد أثناء غيابه فى شهر العسل. من الصعب أن تبتلع أن يكون الفيلم كله أطفال كبارا وصغارا، وقد انعكس ذلك فى النهاية على هذا الصخب المتواصل، تقريبا لن يحدث شىء فى معظم زمن الفيلم سوى مقالب متبادلة بين سعد السعد وأطفال جيرانه، ورغم أن المنزلين متباعدين، إلا أن الفيلم يصر على أن ضجة الجيران تزعج سعد، ولأنه أصلا «عيّل»، فإنه ينطلق فى مباراة معهم تتضمن مقالب من زمن الأبيض والأسود، وتذكرك أحيانا بأجواء سلسلة « وحدى فى المنزل»، طبعا مع الفارق الشاسع، هناك فقر واضح فى الخيال، ناهيك بالطبع عن ثقل الظل المشهود، باستثناء مشهد واحد يقوم فيه سعد السعد بعرض مهازله داخل البيت فى شريط فيديو على عميل أجنبى باعتبارها مشروعا جديدا يود تنفيذه. ومثلما تسير الأحداث كيفما اتفق، يقيم الأطفال بقيادة منّة عرفة حفلات غنائية لمجرد أن يقدم الثنانى فيفيتى والسادات أغنيتين مع الأولاد، وكان سعد الصغير قد قدم أغنية فرح سعد وميريت فى بداية الفيلم، المدهش أن الأولاد سيقهرون سعد السعد، وسيدمرون حياته الخاصة والعملية، فلايجد سوى أن يذهب إليهم شاكيا، هنا فقط يشعر الأطفال بالذنب، فيقررون أن يصلحوا ما أفسدوه فى حياة جارهم الطفل الكبير الذى تركته زوجته غاضبة، بل إنهم يعيدون الحياة إلى مجراها بين الزوجين، ينتهى الفيلم الهزيل نهاية تقليدية. مشكلة «جيران السعد» الأساسية فى رأيى فى هذه التقليدية التى تجعلك تتوقع كل شىء، بل إنك ستشعر بالملل بسبب استمرار المقالب لوقت طويل، هناك عناصر جيدة كالديكور والملابس والمونتاج والموسيقى، كما أن تامر بسيونى مخرج لافت، لديه عين جيدة تستطيع أن تخلق صورة لامعة وملونة ، ولكن كل ذلك لم يستطع أن ينقذ الموقف، سامح حسين بدا حائرا فى تقديم شخصية معلّقة بين الاضطراب النفسى والمبالغة المزعجة، وبين الروح الطفولية، الفارق شاسع وكبير جدا، لاشك أن هذا التخبط الذى ظهرت به شخصية سعد السعد مسئولية كاتب السيناريو والمخرج وسامح حسين معا . ميرنا المهندس لطيفة ورقيقة ولا أعرف لماذا تظهرقليلا ثم تختفى طويلا فى أفلام السينما، أما سليمان عيد وبدرية طلبة فقد قدما المطلوب، شوية استظراف ودمتم، يبقى الأطفال الذين غلب على أدائهم الصنعة والافتعال، حتى منّة عرفة التى كبرت الآن افتقد المتفرج حضورها وتلقائيتها وهى فى سن أصغر، وزاد الطين بلة محاولة طفلة صغيرة تقليد شخصية ريّا فى الفيلم الشهير، وبنفس ملابسها، وبنفس جمل حوارها، إيه السماجه دى؟! فعلا فيلم لعب عيال.