لم يكن لمصر نائب رئيس جمهورية على مدى 30 عاما منذ 6 أكتوبر عام 1981 وحتى 25 يناير عام 2011.. وهذه ظاهرة غير طبيعية لم تحدث فى أى بلد من بلدان العالم المتقدم والنامى. مصر طوال 30 عامًا لم تحكمها المؤسسات وإنما تولتها الأسرة الحاكمة وأتابعها وكان حول الرئيس 10 رجال والذين سموا بالحرس القديم، وذلك قبل أن يبزغ نجم جمال مبارك عام 2000. وقد توفى أحد هؤلاء الرجال وكان يشغل منصب أمين التنظيم وله تاريخ حافل بالأحداث، فالرجل كان فى التنظيم السياسى منذ ستينيات القرن الماضى، وهو الذى قاد معركة الهجوم على إحدى العائلات فى بلدته، والذى كان متهمًا أحد أفرادها بقتل رجل مقرب للسلطات.. فبدلًا من تطبيق القانون على الجانى المتهم وحده نال العقاب كافة أفراد الأسرة فقبضوا على رجالها وطافوا بهم شوارع البلدة مكبلين وأوسعوهم ضربًا وركلًا وحلقوا شواربهم وأهانوهم - وتم كل ذلك فى وضح النهار كأننا لسنا فى دولة يحكمها القانون. وفى عصر مبارك زاد نفوذ الرجل وهيمن على الحزب الوطنى الحاكم، وكان فى قبضة يده اختيار النواب من أقصى البلاد إلى أقصاها مما ضمن له السيطرة التامة على البرلمان، وقام بإجراء الاتفاقات والتفاهمات مع أقطاب المعارضة المصنوعة حتى يكون لهم نصيب ضئيل من كعكة الحكم.. ويحتفظ الرجل بأسرار لم تنشر بعد عن فترة حكم مبارك، وهذه المذكرات الآن فى حوزة ورثته من أبنائه. وقد أصر الرئيس الأسبق مبارك على عدم وجود نائب له بالرغم من أنه جاء خلفًا للرئيس أنور السادات كونه نائبًا للرئيس. وقد ظهر جليا أن منصب نائب الرئيس ظل شاغرًا لغرض فى نفس مبارك، وتأكد ذلك فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بعد ظهور نجله جمال ومنحه سلطات واسعة على المستويات السياسية والحزبية والتنفيذية حيث عينه مبارك مساعدًا لرئيس الحزب الوطنى ورئيس لجنة السياسيات بالحزب. وبالرغم من تعديل قانون الانتخابات الرئاسية بالانتقال من نظام الاستنفار إلى التعددية فى انتخاب الرئيس. لم يعين مبارك نائبًا له، وأصبح جمال مبارك يدير شئون البلاد وكان الشخصية الثانية التى يخشاها الجميع.. واستمر نفوذ رجال الرئيس، لكنه خفت بعد ظهور جمال مبارك ورجاله من لجنة السياسات والوزراء فيما سمى بالحرس الجديد. وأصبح جمال مبارك على رأس الحزب الحاكم مستغلًا نفوذ والده وبدأت خطوات التوريث، ووصلت إشارات للنخبة الحاكمة للاستعداد لخلافة جمال لوالده مبارك، وقد خاب أملهم باندلاع ثورة 25 يناير.. وأحيل جمال وأخوه علاء ووالدهم مبارك إلى المحاكمة فى عدة قضايا ينظرها القضاء الآن، وقد أدينوا فى عدة قضايا وعوقبوا بالحبس والغرامة، وما زالت قضاياهم متواصلة، وهكذا سقط الحاكم الديكتاتورى التسلطى مثل كل أنظمة الحكم المماثلة له والتى نالت نفس الجزاء. وكان القطب الأكبر لرجال جمال مبارك المهندس أحمد عز الذى شغل أمين التنظيم وهو أحد تلاميذ كمال الشاذلى الذى انقلب عليه وأزاحه من مقر الحكم والنفوذ.. وبدأ عز عهده بالبطش بولى نعمته كمال الشاذلى، ثم اتجه إلى السيطرة البرلمانية والرأسمالية على مقدرات البلاد، والذى اشترى بالأمر المباشر شركة حديد الدخيلة المملوكة للدولة واحتكر بذلك 66% من إنتاج الحديد والصلب وحقق آلاف الملايين من الجنيهات فى فترة لا تتجاوز 6 سنوات وقد ارتفعت أسعار الحديد من 2800 جنيه للطن إلى 10آلاف جنيه. وكان أحمد عز بوصفه أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل هو مهندس الانتخابات البرلمانية التى أجريت عام 2010 والتى حققت 95% لصالح أعضاء البرلمان من الحزب الوطنى، وبذلك تمكن عز من سحق المعارضة المستأنسة والتى كانت تجمل نظام حكم مبارك، مما مهد الطريق لقيام الثورة، وكانت هذه الانتخابات هى المسمار الأخير الذى تم دقه فى نعش حكم مبارك. وكان نظام حكم مبارك يدعى الديمقراطية، لكن النظم الديمقراطية لا يصدر عنها القرار من خلال أفراد محددين ممثلين فى شخص الرئيس أو نائبه أو مستشاريه وإنما يشمل كل كوادر السلطة التنفيذية التى تشمل مؤسسة الرئاسة والحكومة وباقى مؤسسات الدولة كل فيما يشمل تخصصه.. ولا نقصد بهذه السطور تسويد مساحة المقال بحكايات من دهاليز حكام مصر الغابرين.. إنما نقصد إنقاذ الوطن من براثن حكم مبارك وحكم الإخوان.. ونحذر من تسرب كوادرهم إلى الحكم الجديد.. والكل يتخوف من أن هؤلاء يتربصون وجاهزون لضرب الثورة، والكيد لمصالح الشعب والوطن.. ونطالب الحكومة بالكشف عن أسرار الفساد، لأن هناك ملفات كثيرة لم يعرفها الشعب حتى الآن.