يعد الخبير الجيولوجى د.عبدالعال حسن رئيس مركز تكنولوجيا الصناعات التعدينية، أحد أضلاع مثلث الخبراء فى مشروع نهر الكونغو الذى يهدف لنقل 120 مليار متر مكعب من المياه سنويًا لتحقيق الأمن المائى لمصر وإنقاذ 90 مليون مصرى من العطش. وبعد أن تحدث كل من د.إبراهيم الفيومى ود. أحمد الشناوى فى ندوة «أكتوبر» الأسبوع الماضى عن تفاصيل هذا المشروع العملاق، نلتقى فى هذا العدد مع د.عبدالعال حسن والذى أزاح الستار كذلك عن العديد من الجوانب المتعلقة بمشروع نهر الكونغو، والمعوقات التى تقف فى طريق إتمامه، ولماذا يواجه المشروع كل هذا الهجوم، وفى ثنايا الحوار تفاصيل وافية.. * كيف بدأت فكرة مشروع نهر الكونغو؟ ** بدأت فكرة المشروع بالمصادفة عندما قصد المهندس إبراهيم الفيومى هيئة المساحة الجيولوجية التى كنت أعمل نائبًا لرئيس مجلس إدارتها، بغرض الحصول على الدعم الفنى لبعض المشروعات الاستثمارية التى يجريها فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، بصفتى مسئولًا عن قطاع المشروعات تم إجراء الدراسات اللازمة، فالكونغو بلد متواضع علميًا وليس لديه أية خرائط جيولوجية أو طبوغرافية وبالتالى لا يستطيع أن يقدم الدعم الفنى لمشروعات على أراضيه. وتم توقيع بروتوكول تعاون رسمى مع الهيئة فى عام 2009 لتكون الظهير الفنى لكل المستثمرين المصريين فى أفريقيا، ودعم هذه الشركات بكل المعلومات المتاحة لزيادة الدور المصرى فى أفريقيا والتوسع فى منطقة العمق الاستراتيجى.. خاصة أن الواقع السياسى أثبت أن الحيز الذى لن تشغله الدولة المصرية ستشغله دول أخرى. وتم عمل الدراسات على أساس المشروعات المطلوب تنفيذها من طرق وكبارى ومطارات وسكك حديدية، قابلنا عائق تكرر وهو كثرة المجارى المائية التى تصب فى نهر الكونغو، وجدنا شبه التصاق بين روافد النهرين، فالكونغو دولة من مجموعة حوض النيل وبها نهر مستقل، وهنا لاحت الفكرة وفرض السؤال نفسه.. هل يمكن توصيل النهرين؟ * وكيف واجهتم تغيير الاتجاهات البحثية من عمل دراس ات لمشروعات تنمية إلى نقل المياه؟ ** بالفعل أثر ذلك على طريقة وشكل الأداء والدراسات وبالعودة إلى د. مصطفى البحر رئيس مجلس الإدارة آنذاك فضل عدم التشعب والتركيز فى مشروعات التنمية، هنا تدخل المهندس إبراهيم الفيومى وطلب عمل دراسات أخرى للمجارى المائية واستكمال الفكرة على أساس تحقيق المصلحة للطرفين «المستثمرين - مصر» خاصة أنه نهر محلى 100% وأتحدى من يقول لى اسم رافد من روافده خارج الكونغو. وفى 10 يونيو 2011 تم عرض المشروع بعد تنفيذ الدراسات على مجموعة من المتخصصين فى مؤتمر جمعية المهندسين المصرية بنقابة المهندسين تحت إشراف د.رجاء الطحلاوى رئيس جامعة أسيوط الأسبق وخبير هندسة التعدين فى وجود مندوبين من وزارة الرى والموارد المائسة ومعهد بحوث المياه والجهات البحثية المتخصصة ونال تقدير وامتنان الجميع وحتى أن بعض المهندسين قالوا إننا فكرنا فى المشروع من قبل. * هل اكتفيت بالأقمار الاصطناعية كمصدر وحيد للمعلومات؟ ** فى حالة من السرية تم تطوير بالدراسات وتجميع البيانات باستخدام الأقمار الاصطناعية كأحد المصادر، بالإضافة إلى البيانات الرادارية والقطاعات والخرائط والتحليلات الجيولوجية للارتفاعات والمسارات ونوعية التربة، ولم نعلن عن المشروع إلا بعد تسليم كافة البيانات والدراسات إلى الجهة السيادية المنوط بها تنفيذ المشروع. * ما هو المسار المحدد لربط النهرين وكيف تم وضعه؟ ** بعد الدراسات الميدانية نفذنا 268 مسارًا بالخرائط الجيولوجية والمصارف المائية حتى وصلنا إلى 4 مسارات صحيحة يتم اختيار مسار واحد منهم.. وزودنا الكونغو بقاعدة بيانات كاملة حول طبيعة أراضيها والمجارى المائية. * هل تتقاضى مقابلًا لعملك فى هذا المشروع؟ ** لم أتقاض مليمًا واحدًا، وعملى تطوعى، دفعت 3 آلاف جنيه فاتورة طباعة 495 خريطة سلمت للجهات المختصة بمجهودنا فنحن نريد أن يكون لمصر شأن آخر فى أفريقيا، وأن نخرج من البئر الذى سقطت فيه بعد التخلى عن عمقها الاستراتيجى. * يواجه المشروع العديد من التحديات مثل الصخور النارية والارتفاعات ونسبة الميل عكس اتجاه المياه.. فكيف سيتم التغلب عليها؟ ** بالفعل نواجه تحديات ضخمة ولا يوجد مشروع لا يواجه هذه المشكلات الفنية.. ولكن كما تعلمنا علم الهندسة لا يعرف المستحيل، تلافينا الارتفاعات ونسبة الميل العكسى قدر المستطاع طبقًا للمسارات المدارية التى حددتها الأقمار الاصطناعية لنصل إلى أقل ارتفاع ممكن بين النهرين، ويصل إلى 200م، بحيث ينخفض نهر الكونغو عن نهر النيل، قسمنا هذا الارتفاع على مسافة طويلة تتحكم فى رفع المياه من خلال 5 محطات رفع لتجاوز حاجز ال 200م وهذا معمول به فى محطة توشكى التى ترفع المياه لمسافة 50م فوق سطح الأرض. وخريطة الغطاء الأرضى توضح السلسلة الجبلية الركامية التى تقف بين النهرين فى الكونغووجنوب السودان، وكذلك نوع التربة ومدى المسامية بها.. ويشاع أنها جبال خامية وهذا ليس صحيحًا.. لأن منطقة الكونغو استوائية وتنمو بها أشجار عملاقة يصل عرضها 6 أمتار وعمق 17 مترًا ولهما القدرة على تفتيت الصخور النارية.. وبغرض أنها صخور خامية - وهذا غير حقيقى - فإننا نستطيع حفر الجبل كما فعلنا فى السد العالى فى أسوان الذى يقام على جبل رخامى باختلاف معدات 2014 عن معدات الستينات.. وأقول لمن ذهب إلى السعودية وأدى المناسك فى منى ومزدلفة أنه رأى الأنفاق فى قلب الجبال النارية، على سبيل المثال، فلماذا إذن نجد من يعوق المشروع.. والإنسان قد وصل المريخ ووضع قدمه على القمر.. ولا ننسى من شككوا فى مشروع السد العالى. * كم تبلغ تكلفة المشروع؟ وما المصادر المقترحة للتمويل؟ ** تكلفة المشروع مؤمنة وموجودة بالفعل، وهى تكلفة حفر 438 كم ولشق قناة توصيل الرافدين، عمل 5 محطات رفع لتعويض فرق ارتفاع 200م، توسيع مناطق ضيقة فى مجرى النيل الأبيض وعمل مسارات موازية حتى دخول المياه فى الصحراء الشرقية. ومصدر التمويل سرى لا يمكن الإفصاح عنه حتى لا يتم فرض حصار اقتصادى على الدول الممولة، لأنه بمجرد إعلان جنوب السودان موافقتها على المشروع حدث فيها محاولة انقلاب عسكرى وتبعتها محاولة أخرى فى الكونغو. * وماذا عن التهديدات الخارجية التى تواجة المشروع؟ ** نحن فى سباق حقيقى مع فرنسا، ولو اتفقت مع الكونغو وأخذت المياه من النهر فلن يتبقى لنا شىء، خاصة أن فرنسا تسعى لتحويل جزء من النهر إلى دولة تشاد - إحدى الدول الفرانكفونية - لتأمين مصالحها هناك من محاصيل زراعية ورؤوس ماشية وبخاصة أن تشاد تعانى من التصحر لانخفاض المياه فى البحيرة بمعدل 43 مترًا وتستخدم فى ذلك منظمة اليونيسكو وبحجة أن البيئة مهددة بخطر الانقراض - وتسعى المعامل البحثية الفرنسية الآن لإيجاد مسار من نهر الكونغو إلى تشاد. * برأيك.. لماذا الهجوم على المشروع؟ ** بالفعل فوجئنا بهجمة شرسة، والعالم يكفيه دليل والمغرض لا يكفيه ألف دليل، والمغرضون كثيرون، قام أحدهم بالهجوم على المشروع مدعيًا أننا نعمل بدون شكل رسمى ونسخّر مؤسسات الدولة للعمل الخاص، وأننا غير متخصصين، وهيئة المساحة الجيولوجية غير مختصة، هناك فرق ارتفاع ولا يمكن رفع المياه، وآخر قال إن اتصال النهرين سينتج عنه انجراف نهر النيل إلى المحيط الأطلسى طبقا لظاهرة الأسر النهرى، واتهمنا بالعمالة لإسرائيل. وقد تم الرد على هذه الافتراءات فى مؤتمر المجمع العلمى، وتشكلت لجنة من الأستاذ الدكتور عاطف شريف رئيس هيئة الاستشعار عن بُعد السابق والأستاذ الدكتور حافظ شمس الدين بجامعة عين شمس والأستاذ الدكتور مدحت مختار رئيس هيئة الاستشعار عن بُعد أكدوا أنه لا شك فى نجاح المشروع وأنه واقعى وعلمى وهم من كبار علماء الجيولوجية فى مصر. * هناك من يطرح وجود بدائل مثل تحلية مياه البحر وقناة جونجلى، وتغيير أنظمة الرى والمياه الجوفية؟ ** الوضع الحالى لمصر يجعلها فى درجة الشح المائى وصل عدد السكان 92 مليون نسمة وإيراد النيل 55.5 مليار متر مكعب نصيب الفرد 700 متر مكعب سنويًا.. حد الفقر المائى 1000 متر مكعب للفرد.. أى تحتاج 60 مليار متر مكعب كإجمالى استهلاك الدولة. البديل الأول: تحلية مياه البحر، هناك 3 أنواع من التكنولوجيا لعمل التقنية اللازمة، الأولى التكنولوجية الأمريكية بمعدل 98 سنتًا للمتر المكعب، الثانية التكنولوجية الإسرائيلية بمعدل 52 سنتًا للمتر المكعب، الثالثة التكنولوجية السنغافورية بمعدل 49 سنتًا للمتر المكعب، بتكلفة 30 مليار دولار سنويًا فى حالة ثبوت الاستهلاك - هذا مستحيل- وثبوت سعر التكلفة وظهور مشكلة بيئية نتيجة تراكم الملح الناتج من عمليات التحلية. البديل الثانى: تغيير نظم الرى، لن يحقق الفائض المطلوب، بالفعل سوف يقلل من الاستهلاك، والمياه المعاد استخدامها تسبب أمراض الفشل الكلوى كما فى ترعة السلام فى سيناء وفى محافظات الدلتا. البديل الثالث: المياه الجوفية، خزان الحجر الرملى النوبى الممتد بين مصر وليبيا والسودان وتشاد.. معظم الدراسات حوله مأخوذة من صور الأقمار الاصطناعية التى تحدد المسار فقط ولا تحدد مدى ملوحتها أو عمقها أو معدل تجديدها، لذلك أحذر من قيام مشروع ممر التنمية على مياه الخزان الجوفى لأنه لن تكفيه لأكثر من 7 سنوات، والخزان إرث للأجيال القادمة. البديل الرابع: قناة جونجلى أقصى تقدير تعطيه هذه القناة بعد تحسين الكفاءة 15 مليار متر مكعب سنويًا.. طولها يبلغ 360كم، حفرنا نصفها وتوقف المشروع نتيجة أخطاء جيولوجية، وبتعديل المسار ورفع المستوى من 12 إلى 20 مترًا تزداد سرعة سريان المياه ونقل المياه إلى النيل بدلًا من وقوفها مكونة مستنقعات سبب إضرار بيئة. د . عبد العال حسن عطية عمل لمدة 40 سنة فى هيئة المساحة الجيولوجية أو «هيئة الثروة المعدنية» منها 8 سنوات نائبًا لرئيس مجلس الإدارة. - رئيس فريق بحثى متخصص فى الجيولوجيا فى منظمة اليونسكو؟ - 8 سنوات مشرفًا لقواعد بيانات دول حوض النيل. - صاحب مشروع ممر التنمية الشرقى. - واضع الخريطة الصناعية التعدينية لمصر. - رئيس مركز تكنولوجيا الصناعات التعدينية ومستشار وزير الصناعة.