فى أقصى جنوب جزيرة الروضة يقع قصر المانسترلى الأثرى الذى يواجه الآن خطر الانهيار بعد سقوط أجزاء من الأسقف المزخرفة ، مما أدى إلى إيقاف جميع الأنشطة الثقافية والفنية وإغلاق القصر. وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إغلاقه بهدف الترميم مازال الوضع على ما هو عليه داخل القصر الأثرى حيث لم تبدأ أعمال الترميم بعد، والوضع يزداد سوءا كلما تعرض القصر لتغيرات جوية أو أمطار.. فإلى متى يصمد قصر المانسترلى أمام طوفان الإهمال الذى يهدد بانهياره ؟! ويعد قصر المانسترلى من القصور الأثرية القليلة الباقية التى ترجع إلى القرن التاسع عشر ويقع القصر فى جزيرة الروضة بالقاهرة فى مكان رائع يطل على نهر النيل الخالد ويتميز بطرازه المعمارى النادر وزخارفه الرائعة التى تغطى الأسقف والجدران بأشكال نباتية وهندسية ملونة بألوان عديدة منها الأحمر والأزرق والأخضر والذهبى. أما قاعاته وشرفاته فقد كانت شاهدا على كثير من الأحداث التاريخية. هذا الفقير يواجه خطر الانهيار والضياع فقد تسببت الأمطار الغزيرة التى تعرضت لها البلاد فى منتصف شهر ديسمبر الماضى إلى سقوط أجزاء من السقف المزخرف وبالتحديد فى الحجرة التى كانت تشغلها مدير عام المنطقة والتى تم إغلاقها على الفور كما صدر قرار بوقف جميع الأنشطة الثقافية والفنية التى كانت تقام داخل القصر الذى أغلق أيضًا خوفًا من سقوط أجزاء أخرى من السقف أو تسرب المياه إلى أسلاك الكهرباء فتحدث الكارثة خاصة أن الأسقف من الخشب ولهذا فقد تم فصل الكهرباء عن المكان وبالرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على هذا فإن عملية الإنقاذ والترميم لم تبدأ بعد ومازالت الحجرة مغلقة «بالضبة والمفتاح» والأنشطة متوقفة والقصر مظلما. وفى زيارة ل «أكتوبر» لهذا المكان دخلنا من بوابه حديدية إلى حديقة جميلة يقع فى نهايتها قصر المانسترلى الذى يرجع تاريخه لعام 1850م وصاحبه هو حسن فؤاد باشا المانسترلى الذى ترجع أصوله إلى «مانستر» بمقدونيا وقد تقلد العديد من المناصب منها «كتخدا مصر» فى عهد عباس حلمى الأول «وناظر الداخلية» فى عهد سعيد باشا وتذكر كتب التاريخ أنه كان عظيم الشأن والشهرة ولديه أملاك كثيرة فى الجيزة وجزيرة الروضة منها هذا القصر الذى كان ضمن مجموعة من الأبنية يطلق عليها «القصر الأحمر» الذى صادرته الحكومة المصرية عام 1954م باعتباره أثرًا تاريخيًا كان سيتم إصلاحه ضمن برنامج لجنة القصور الملكية ولكن للأسف الشديد فقد تم هدم معظم مبانى القصر ومنها «الحرملك» وهو قصر السكن الخاص بعائلة المانسترلى والحديقة الملحقة به ليقام مكانه محطة المياه الحالية ولم يبق سوى المبنى الحالى وهو قصر الاستقبال أو «السلاملك» الذى كان يقابل فيه المانسترلى زواره ويمكن من خلال هذا المبنى الرائع أن تتصور كيف كان شكل مبانى القصر التى أصبحت فى خبر كان. وتبلغ مساحة القصر الحالى ألف متر مربع وهو يتكون من صالة رئيسية تحيط بها ثلاث حجرات وقاعة للموسيقى وحمام ذو سقف معشق بالزجاج الملون يعكس الإضاءة بأشكال وألوان رائعة، وهذا المكان يطل على النيل من الجهتين الجنوبية والغربية من خلال شرفتين ذات عقود إسلامية نصف دائرية ترتكز على أعمدة يغطيها سقف خشبى تزينه زخارف نباتية، أما الجهتين الشمالية والشرقية فيطلان على الحديقة ومقياس النيل الذى يقع بالقرب منه، ولجمال القصر وموقعه الرائع تم اختياره ليكون مقرًا للمركز الدولى للموسيقى منذ عام 2002م من خلال صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة حيث كانت تقام الحفلات الموسيقية والغنائية من خلال برنامج كلثوميات إلى جانب الأنشطة الأخرى من تصوير إعلانات وأعمال درامية وعقد ندوات. عملية إنقاذ سريعة وداخل إحدى حجرات القصر التقت «أكتوبر» مع سهير قنصوة مدير عام آثار المنيل التى بدأت حديثها قائله إن د. محمد إبراهيم وزير الآثار زار القصر فور وقوع أجزاء من السقف وأكد أنه سيوفر الموارد المالية بأقصى سرعة لترميم القصر الذى يعانى من تدهور زخارفه منذ سنوات، ففى عام 2009م تم إغلاق القصر لتنفيذ مشروع ترميم كبير ولكن حدثت مشاكل إدارية ومادية بين الآثار والشركة المنفذة فتوقف المشروع وتم فك الصلبات ومع الظروف المستجدة والصعبة بعد ثورة يناير 2011م تم تأجيل المشروع كله لحين توفر الاعتمادات المالية ولكن نظرًا للحالة السيئة للزخارف الجدراية التى بدأت فى التساقط بفعل الرطوبة لقرب المكان من نهر النيل تم تنفيذ عملية إنقاذ سريع أو «درء خطورة» كما يطلق عليها من خلال إجراءات مؤقتة لحماية المكان فى حدود الإمكانيات المادية المتاحة حيث تم ترميم الزخارف الجدارية فى حجرة الموسيقى والصالة الرئيسية وعادت الأنشطة الثقافية والفنية للمكان فى النصف الثانى من عام 2012م. وكان من المفترض أن تشمل عملية الترميم عزلا كاملا للأسقف لمنع تسرب مياه الأمطار إلى الزخارف الملونة ولكن هذا لم يتم بسبب قلة الموارد المالية سواء فى وزارة الآثار أو صندوق التنمية الثقافية الذى يتعاون معنا فى عملية الترميم، وفى منتصف شهر ديسمبر الماضى تعرضت البلاد إلى موجة شديدة من الأمطار وتجمعت المياه أعلى السقف الخشبى الذى لم يتحمل ثقلها فسقطت أجزاء من السقف والزخارف الجصية فى الحجرة المجاورة للبهو الرئيسى بجانب حجرة الموسيقى وعلى الفور تم اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على باقى أجزاء السقف حيث تم وضع صلبات حديد عليها كونتر وفوقها طبقة من الإسفنج لحماية السقف والزخارف من السقوط على الأرض ونظرًا لخطورة الوضع داخل القصر فقد تم وقف جميع الأنشطة كما تم فصل الكهرباء عن المكان. ثروة أثرية وثقافية وتضيف سهير قنصوة أنه فى حالة توفر الاعتمادات المالية فسنبدأ أولًا بعزل السقف بطبقة خفيفة لأن السقف الخشبى لا يستطيع تحمل أى أثقال ولابد أن تكون مادة العزل فعالة تمنع تسرب المياه إلى الزخارف ثم نبدأ بعد ذلك فى أعمال الترميم الدقيق لجميع الزخارف سواء فى السقف الخشبى أو على الجدران كما سيتم عمل صيانة لشبكة الكهرباء بعدها سيتم إعادة افتتاح القصر لجميع الأنشطة فهو ثروة أثرية وفنية وثقافية ومصدر دخل لوزارة الآثار من خلال الأنشطة والحفلات التى تقام فيه مثل حفلات السفارات والمنظمات الدولية فالحفلة الواحدة تصل رسومها ل 15 ألف جنيه حتى 200 فرد وأى زيادة فى العدد يقابلها فى الرسوم إلى جانب تصوير الإعلانات والأعمال الدرامية سواء مثل «الفيل الأزرق» أو المسلسلات مثل مسلسل «فرح ليلى». وقد تجولنا داخل القصر الذى شهد أحداثًا مهمة سجلها التاريخ ومنها تأسيس جامعة الدول العربية عام 1947م فقد كان الملك فاروق والملك يعقد لقاءاته مع القادة العرب فى هذا المكان وتوجد صورة للملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود وبينهما عزام باشا وهم يتبادلون الحديث فى تراس القصر المطل على النيل. وفى نهاية الزيارة وقفت أمام ضريح حسن باشا المانسترلى صاحب القصر والذى يقع داخل المسجد الموجود فى الحديقة لأقرأ له الفاتحة فقد شيد قصرًا رائعًا هدمنا معظم مبانيه من أجل إقامة محطة المياه ولم يبق سوى مبنى واحد شاهد على جمال و روعة مبانى الماضى الجميل فهل سيتم إنقاذه والحفاظ عليه أم سنتركه يواجة خطر الإنهيار والضياع؟