ربما لم تكن نتيجة استفتاء القرم مفاجأة للمتابعين للأزمة الأوكرانية منذ بدايتها، فالكل كان يعلم أن سكان شبه جزيرة القرم الأوكرانية سيختارون الانضمام لروسيا والانفصال عن أوكرانيا، ولكن يبقى التساؤل حول عواقب هذه النتيجة على الوضع الدولى..وبخاصة بعد أن جاء تنظيم هذا الاستفتاء، والنتيجة التى أسفر عنها، ليجدد الأزمة مرة أخرى بين روسيا من جانب، والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى من جانب آخر، حيث أعلنت الولاياتالمتحدة رفضها الاعتراف بنتيجة الاستفتاء، كما ألمحت إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو، وفى نفس الوقت أعلن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، ورئيس المجلس الأوروبى هيرمان فان رومبوى أن الاتحاد الأوروبى لن يعترف بنتيجة الاستفتاء. وبعد توقيع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على اتفاق انضمام شبه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتى ومدينة سيفاستوبول ذات الوضع الخاص إلى روسيا الاتحادية، يظل السؤال مطروحا حول خيارات الولاياتالمتحدة والغرب فى التعامل مع روسيا، إذ يبدو أن فرض عقوبات قاسية على روسيا سيكون الخطوة الأولى التى تتخذها تلك الدول، بعد أن أعلن البيت الأبيض أنه فى حالة عدم تراجع بوتين فى القرم، فسوف يواجه من الغرب بعقوبات موجعة للاقتصاد الروسى ستؤدى إلى إضعاف نفوذ روسيا العالمى، كما وضع الاتحاد الأوروبى قائمة عقوبات ستفرض على 21 سياسيا من القرم وروسيا، وقال وزير الخارجية الألمانى «فرانك شتاينماير» فى ختام اجتماع مجلس الشئون الدولية الذى تبنى قرار الاتحاد إن العقوبات ستشمل 8 أشخاص من جمهورية القرم و10 من نواب مجلس الدوما وأعضاء مجلس الاتحاد للبرلمان الروسى، إلى جانب ثلاثة من كبار العسكريين الروس، دون أن يكشف عن أسماء هؤلاء. وأضاف أن العقوبات تتضمن تجميد أى أصول تابعة للأشخاص المشمولين بالقائمة فى دول الاتحاد الأوروبى، وحظر سفرهم إليها. وفى سياق تحليل هذه الأزمة، اتفقت العديد من الصحف العالمية أن نتيجة استفتاء القرم شكل انتصارا لبوتين، وفى نفس الوقت تحدثت صحف أخرى حول رد الفعل الأمريكى والأوروبى، وما إذا كان كافيا للتعامل مع الرئيس الروسى، وفى هذا الإطار ذكر تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية أن الاستراتيجية التى يتبعها بوتين بشأن جزيرة القرم قد أدت لارتفاع شعبيته فى روسيا من 27% إلى 67%، فبعد سنوات من الذل، يرغب الجميع فى الانتصار فى حرب صغيرة تشكل انتقاما لتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، وقالت الصحيفة إن الأمر المفاجىء إنه حتى الشباب الروسى أصابته عدوى طموحات بوتين الإمبراطورية، وهو يتبنى شعاراته بأن القرم روسية. وفى نفس الاتجاه ذكرت صحيفة « نيزافيسيمايا جازيتا» الروسية فى تقرير بعنوان «لماذا لا تخيف العزلة بوتين» أن السياسيين الغربيين يهددون بفرض عقوبات على روسيا أولا، ومن ثم عزلها بهدف إجبار بوتين على التراجع عن موقفه فى مسألة شبه جزيرة القرم، ولكن على الرغم من تلك الضغوط، إلا أن بوتين لم يتراجع، وقالت الصحيفة إنه من الأمور المعروفة عن السلطات الروسية وخاصة بوتين أنها لا تتخذ أى قرارات أو تغيرها تحت ضغوط خارجية، مضيفة أن بوتين أسس سلطة قوية لا تنحنى أمام ضغوط الغرب، وبإمكانها مواجهة الولاياتالمتحدة وأوروبا، واتخاذ قرارات مستقلة، واستعادة العدالة التاريخية. واستمرارا لتحليل الموقف الروسى، ذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج» الألمانية أن روسيا بعد ما قامت به فى شبه جزيرة القرم ، تكشف عن نوايا مستقبلية تتمثل فى التخطيط لفتح جبهة أخرى فى أوكرانياالشرقية خلال أسابيع عبر الدفع بمزيد من العنف والفوضى فى هذا البلد، مشيرة إلى أنه فى شرق البلاد تقع حوادث عنف يومية تقريبا. أما صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية فاعتبرت أن اللعب بورقة الاستفتاء لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا يشكل منعطفا ضمن مخططات الهيمنة التى يعتمدها بوتين، مشيرة إلى أن سلطات شبه الجزيرة المسيرة عن بعد من قبل الكريملين بدأت بالفعل فى تنظيم إجراءات الالتحاق بروسيا. وتساءلت صحيفة «ستاندارد» البلجيكية عما يسعى إليه فلاديمير بوتين، قائلة هل سيكتفى مؤقتا، وبعد 60 سنة، باسترداد شبه الجزيرة أم أنه سيستشعر بالقوة للمضى قدما فى مواجهته مع الغرب؟ من ناحية أخرى، تناولت العديد من الصحف الموقف الأمريكى والغربى، فذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن موسكو تتجه نحو عزلة دولية، فى الوقت الذى أصبحت فيه لعبة شد الحبل بين الغرب وروسيا تزداد قوة فى أعقاب اندلاع أزمة القرم التى تعد الأكبر من نوعها من نهاية الحرب الباردة، وفى نفس الإطار ذكرت «لوسوار» الفرنسية أن الغربيين، أوروبيين وأمريكان، سيعاقبون موسكو لدعمها الانفصال فى شبه جزيرة القرم الموالية لروسيا، مشيرة إلى أن مسار العقوبات ضيق وخطر، لكن الرد هذه المرة لا مفر منه، كما كتبت صحيفة «لاترتبيون دو جنيف» السويسرية أنه طلاق بين روسيا والغرب، وأن أوروبا والولاياتالمتحدة يمكنهما أن يلوحا بعقوبات، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، مشيرة إلى أن الهوة بين روسيا والغرب باتت حقيقة بعد حقبة الحرب الباردة التى مضت، وأن الزمن الذى كان يعتقد فيه بوجود تقارب بين البلدين العدوين ولى ومضى.