نقطة الصفر الحقيقية للانطلاق فى التعليم تبدأ من السنة الأولى فى عمر الإنسان.. أما التعليم الذى يبدأ من سن السادسة فأشبه باللعب فى الوقت الضائع!.. هذا ما كشف عنه د. حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق فى الرسالة التى وجهها فى كتابه الجديد «رسالة من الزمن القادم» والذى وضع فيه كل خبراته ومعارفه وحصيلة سنوات عمره كسياسى وأستاذ جامعة وطبيب أطفال ووزير للتعليم لأكثر من 12 سنة، فضلًا عن ولعه بالخدمة العامة، حيث يرأس حاليًا جمعية طب الأطفال. ويؤكد د. بهاء الدين أن مستقبل مصر وقدرتها على المنافسة مستقبلًا يتوقف على استثمارها فى الطفولة والتعليم.. وأن التعليم المتميز له مردود اقتصادى كبير جدًا وليس كما يعتقد البعض أنه إهدار للثروات كما ثبت أيضًا أن الاستثمار فى الطفولة المبكرة هو أثرى أنواع الاستثمار إذ أن عائد الدولار الواحد فى التعليم وفقًا لدراسة للبنك الدولى هو 7.16 من الدولارات. ويشير بهاء الدين إلى أن التعليم فى مصر يعانى من مشكلتين رئيسيتين أولاهما.. أن الدولة تعتبره خدمة من الخدمات التى تقسم بينها الموارد حسب الأحوال وبالتالى فإن ما يخصص للتعليم فى إطار هذه النظرة لا يكفى بأية حال لتقديم تعليم جيد بدءًا من الحضانات ورياض الأطفال وانتهاءً بالجامعة مما يخلق سوقًا سوداء ترتب عليها انتشار الدروس الخصوصية ومحاولة شراء الامتحانات واحتكار الأغنياء للفرص الضئيلة من التعليم المقبول.. والمشكلة الثانية هى اعتبار المجتمع التعليم مجرد شهادة يسعى للحصول عليها بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة مما ترتب عليه فساد وقيم هابطة وسيئة بين المعلمين والطلبة على حد سواء. وعن عنوان الكتاب يقول وزير التعليم الأسبق إنه أطلق عليه «رسالة من الزمن القادم» لأن هذه الأمة لم تكن فى أى وقت من الأوقات أحوج ما تكون إلى «وخزة ألم» ولمحة أمل وبصيص من الضوء يجلى هذه الظلمة الحالكة مثلما هى عليه الآن! والكتاب الذى يعد خلاصة لتجربته وخبراته يتحدث فيه د. بهاء الدين عن الاستثمار فى الأطفال والتعليم باعتباره قضية أمن قومى، وأن مستقبل مصر وقدرتها على المنافسة مستقبلًا تتوقف على استثمارها فى الطفولة والتعليم، حيث يدور الكتاب فى أبوابه الثلاثة حول هذه القضية وهى كيف نؤهل مصر للمنافسة العالمية فى الزمن القادم.. وأن تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة وتصبح دولة عصرية؟! ويؤكد د. بهاء الدين أنه اكتشف من خلال معايشته - كوزير للتعليم وطبيب أطفال - أن أهم حقائق العصر التى ينبغى أن يعطيها المسئولون فى مصر هو أن الاستثمار فى الأطفال وتطوير التعليم واعتبارهما قضية أمن قومى.. ولعل عنوان هذا الكتاب يؤكد هذه الحقيقة.. وأنه بدون الاستثمار فى الأطفال وتطوير التعليم لا يمكن أن نصمد أمام المنافسة الضارية بين الدول. الأعمدة الثمانية ويتطرق الباب الثالث من الكتاب لأعمدة البنية الأساسية الثمانية للتقدم والتى يحددها فى التنمية المتكاملة للطفولة وتعظيم قوة العقل البشرى وتنمية الثروة البشرية والتعليم وإعادة توجيه الاقتصاد القومى والإدارة العلمية والمشاركة المجتمعية والتوازن بين التقدم والتراث والديمقراطية. ويستخدم د. بهاء خبراته المتنوعة كسياسى وأستاذ جامعى وطبيب أطفال فى معالجة أعمدة البنية الأساسية للتقدم من زاويا متعددة، مؤكدًا أن الدول لا تتقدم صدفة ولا تنمو فجأة، ولكن التقدم هو حركة شعب ودولة وتاريخ البشرية زاخر بالدروس والعظات.. وبقدر ما استطعنا أن نمد بصرنا إلى الماضى البعيد يكون مقدورنا أن تمتد بصيرتنا إلى المستقبل.. ومن لا يتعلم من التاريخ محتم عليه أن يعيده ثانية بأخطائه وعثراته. 12 نوعًا للذكاء ويوضح أن حشد وتعبئة وإعداد القوة البشرية القادرة على التعامل مع عصر جديد يستلزم بالضرورة إعادة دعم الهوية وترسيخ الوطنية وزرع قيم الولاء والانتماء للوطن، فضلًا عن مسألة يراها بالغة الأهمية بالنسبة لهذا المستقبل وهى تعظيم قوة العقل البشرى، خاصة أن الميزة التنافسية الآن ولوقت طويل قادم ستكون فى إطار الإنتاج الكثيف للمعرفة، حيث ثبت أن تنمية قدرات الطفولة المبكرة هى مفتاح الكنز الجديد الذى يفتح أمام البشرية ينهل منه من استوعب مستجدات العصر ونتائج البحث العلمى، وترتبط قدرات الإنسان بما تعارف عليه المفكرون بالذكاء الذى يضم مبدئيًا 12 نوعًا من الذكاء وهى: الذكاء المنطقى والحسابى واللغوى والعاطفى والموسوعى والتصورى والرياضى والعلمى والاجتماعى والموسيقى والبصرى والإلهامى والذكاء التوافقى الحركى. كما يؤكد بهاء الدين فى كتابه أن الحقائق العلمية أثبتت أن من 90% إلى 95% من الأطفال يستطيعون الوصول إلى مرحلة الامتياز إذا ما اعطوا الوقت الكافى وتوفر لهم التعليم المتميز المناسب.. واستند إلى ما قاله «توماس أديسون» العالم المخترع عندما قال إن العبقرية 1% وأن 99% عرق وعمل.. ومن هنا فقد اتجهت الدول المتقدمة إلى الاستثمار فى مجال الطفولة المبكرة. العائد الاقتصادى للتعليم ويحتل التعليم مساحة كبيرة من الكتاب تحت عنوان «تنمية الثروة البشرية والتعليم والتدريب» يعالج فيها المردود الاقتصادى للتعليم وأهدافه ومدته ونوعيته ومناهجه وطرق التدريس وإعداد المعلم واستخدام المخ بأكمله فى عملية التعليم، حيث أكد على أهمية توسيع دائرة الاختيار أمام الطلاب بما يوفر لهم دراسة المجالات التى تتفق مع ميولهم وأنواع ذكائهم ومواهبهم مع ضرورة التكامل لكل طالب بين الدراسة العلمية والأدبية، لأن الأبحاث أثبتت أن الطلاب الذين يقتصر تعليمهم على العلوم الأدبية فقط يصعب عليهم التفاعل والتعايش مع التكنولوجيا الحديثة وأيضًا الطلاب الذين يقتصرون على المواد العلمية فقط يصعب عليهم التعامل مع المجتمع والقدرة على التواصل مع الآخرين. وأشار المؤلف إلى ضرورة التركيز على علوم المستقبل بما فيها الرياضيات والعلوم والكمبيوتر واللغة الأجنبية بجانب اللغة العربية مع الاهتمام بدراسة التاريخ كتجربة إنسانية تخضع دائمًا للتحليل.. وتحليل النتائج والعبر فى كل مرحلة والدروس المستفادة والنماذج الرائدة التى تقوى دعائم الانتماء والولاء وترسيخ الهوية.. مع التركيز على مفاتيح المعرفة وليس كم المعرفة وارتباط المناهج بمتطلبات الإنتاج. فرصة للانطلاق ويبدى د. حسين كامل بهاء الدين اهتمامًا خاصًا بالديمقراطية باعتبارها أحد أهم أعمدة البنية الأساسية للمستقبل عندما يرصد أسباب انهيار الامبراطوريات وهى الفساد وعدم المساواة وانهيار الأخلاق وعجز الاقتصاد عن مواجهة التزامات الدولة.. ويطرح الديمقراطية كنظام سياسى قادر على تلافى هذه العيوب، ويؤكد أن الديمقراطية هى فى الجوهر نظام سياسى يكفل الحريات بأنواعها فى ظل ضوابط محددة تقوم عليها دولة تطبق قانونًا عادلًا تحترمه وتلتزم به.. ولكى تقوم الديمقراطية وتزدهر وتستمر فلابد من وجود ضمانات وآليات تحميها. ويؤكد أن الفرصة مهيأة أمام مصر للانطلاق نحو آفاق رحبة تستطيع من خلالها أن تستعيد مكانتها الإقليمية الرائدة ودورها فى التواصل مع الدول التى تتطلع إلى الخلاص من آثار العهود الاستعمارية الطويلة التى نهبت ثرواتها وحرمتها فرص التطور والتقدم التى كانت على وشك الإمساك بها أكثر من مرة. الكتاب يؤكد أن مصر على أعتاب عصر جديد بعد سقوط عدد من رموز النظام الذين تسببوا فى الفساد فى المرحلة الأخيرة. *** هذا الكتاب على قدر كبير من الأهمية، حيث ما احتواه يصلح أساسًا لمشروع قومى للتعليم والتقدم ويعد أساسًا راسخًا للانطلاق للأمام، فهو يناقش مستقبل مصر فى ظل التطورات العالمية المتلاحقة والعاصفة وكيف تجد لنفسها مكانًا لائقًا فى العالم المعاصر. نتمنى كما يتمنى المؤلف أن تجد رسالته طريقها للعنوان الصحيح.