هل تغرق قلعة قايتباى - إحدى أشهر المعالم الأثرية بالإسكندرية - وتنهار تحت مياه البحر؟هل يكون مصيرها مثل مصير منارة الإسكندرية الشهيرة والتى بنيت القلعة على أنقاضها؟ماذا يحدث فى قلعة السلطان الأشرف أبو النصر قايتباى والتى بنيت عام 882 ه والتى كانت من أهم القلاع على ساحل البحر المتوسط والتى اهتم بها سلاطين وحكام مصر على مر العصور التاريخية؟ لماذا أهملت لسنوات طويلة حتى وصلت الى الحال المزرى التى وصلت اليه بتراكم المياه بين مبانيها نتيجة التجاويف التى احدثتها الامواج والامطار وعوامل النحر مما يهدد بانهيارها؟ وأين مدير عام آثار غرب الدلتا مما يحدث؟ كل هذه التساؤلات صارت لسان حال الاسكندرانية دون إجابة. تعد القلعة من أشهر المعالم الاثرية والسياحية بالإسكندرية نظرًا للأهمية التاريخية التى تحظى بها كمنشأة أثرية تمثل نموذجًا فريدًا للعمارة الحربية الإسلامية خلال حقبة تاريخية مهمة، بالإضافة إلى موضعها التراثى الاستثنائى كونها تقع فى موقع الفنار المغمور بمدخل الميناء الشرقى بالإسكندرية وما يضمه هذا الموقع المتميز من قطع أثرية يتراوح عددها من 2500 إلى 3000 قطعة أثرية فى حيز تصل مساحته الى 25000 متر مربع. وفى الآونة الأخيرة أثير الكثير من الجدل حول القلعة وما تتعرض له من النحر المائى والهوائى والأخطاء التى حدثت فى عملية الحماية البحرية لها فما حقيقة ما حدث؟ البداية كانت عام 1992 حينما اتضح تعرض قاعدة القلعة بصفة مستمرة للنحر المائى والهوائى، فقامت هيئة الآثار بالتعاون مع هيئة حماية الشواطئ بوضع حوالى 180 كتلة خرسانية يتراوح وزن كل منها بين سبعة أطنان الى 20 طنا على مسافة 30 مترا داخل البحر فى الجزء المتضرر، وأعقب ذلك حماية متدرجة فى مستويات من الصبات الخرسانية فى الجهة الشرقية، بينما اقتصرت على حماية خرسانية مقعرة فى الجهة الشمالية لتشكل حاجزا مغمورا ضد الأمواج، إلا أنه مع الأسف وضعت تلك الكتل مباشرة على حافة موضع الآثار التى عثر عليها على امتداد حدود موقع فاروس المغمور بالمياه مما تسبب فى إيقاف الأعمال. ثم تم عمل ترميم عاجل للحاجز بصفة مؤقتة فى عام 1994، وعلى الرغم من وجود تلك الحماية تعرضت القلعة لعوامل النحر والتآكل من ثلاث جهات، لذا قامت الادارة العامة للآثار الغارقة فى عام 1999 بعمل مسح «تحتمائى» للجهات التى تتعرض لعوامل النحر بشكل مباشر وهى الجهات الشرقية الشمالية والغربية، وبالفعل تم تحديد مظاهر التآكل من كل جهة وقياسها وتصويرها وتوصيفها على نحو ما جاء فى تقرير الادارة آنذاك. وذكر التقرير أن أعمال المسح «التحتمائى» فى الجهة الشرقية اسفر عن اربعة تجويفات مختلفة الشكل والعمق داخل السور وهو الأمر الذى يؤثر سلبا على هذه الجهة، حيث أثبتت عمليات المسح سوء حالة السور على الرغم من صب الجزء العلوى منه بالخرسانة، وذلك بسبب نشاط التيارات البحرية والأمواج فى هذه المنطقة. كما كشف المسح عن وجود ميل فى الصبة الخرسانية فى اتجاه البحر فى الجهة الجنوبية الشرقية، ووجود تجويفين اسفل الكتل الخرسانية بعرض 4 أمتار وعمق 2 متر، وفى نهاية هذه التجويفات توجد الصخرة الأم التى تمثل حماية طبيعية للقلعة ثم يليها الرصيف الخرسانى، أما فى الجهة الشمالية فقد أسفر المسح عن العثور على ممر مائى بين الرؤوس الصخرية التى تتقدم القلعة من هذه الجهة يبلغ الممر 28 مترًا، واتساعه سبعة أمتار، ونتيجة لطول الممر خلق تيار مائى يندفع بقوة إلى أسفل أساسات القلعة الأمر الذى ادى الى تكوين فجوة أسفل القلعة بعرض 8 أمتار وارتفاع 2,2 متر، وعمق 4,3 متر وكان بمثابة خطر حقيقى يهدد الحاصل الشمالى وأساساته المغمورة. وفى إبريل عام 2000 حدث هبوط فى أرضية احد الحوامل الساحلية المشار إليه فى تقرير الإدارة العامة للآثار الغارقة عام 1999 وتدفقت مياه الأمواج وهددت الجزء الشمالى من القلعة، وتم إعداد مشروع تحت إشراف أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة فى الاعمال البحرية فى شهر سبتمبر 2001 ملتزما بالمساحة التى حددتها الآثار الغارقة. وفى شهر أكتوبر 2002 تم الانتهاء من أعمال الحماية بالجهة الشمالية بعمل رصيف خرسانى فى الجانب الشمالى والغربى يليه سور فى اتجاه البحر، ثم انزال عدة صفوف متراصة من الكتل الخرسانية الملقاه أمام هذا السور فى اتجاه البحر يزيد عددها على سبعة صفوف بطول 60 مترًا وعرض 29 مترًا علما بأن طول الرصيف بالركن الشمالى الغربى أدى إلى تخفيف أثر المخاطر عن الجانب الشرقى إلا أنه لم يمحُها. وفى يناير عام 2003 تعرضت الإسكندرية لنوة عاصفة تسببت فى أضرار بالغة فى منطقة القلعة، بعدها تقدم مجلس الدفاع الوطنى فى فبراير عام 2003 بمقترح مشروع لحماية الجزء الشمالى الشرقى من القلعة دونما الحاجة لرفع الآثار الغارقة، لذلك بدا المجلس الأعلى للآثار فى اتخاذ التدابير لعمل حماية للجانب الشرقى من القلعة، وتم تكليف الإدارة العامة للآثار الغارقة فى شهر يوليو عام 2006 بعمل مسح «تحتمائى» للقلعة بالتعاون مع البعثة الفرنسية لإعداد تقرير للحالة الراهنة آنذاك فى الجهتين الشمالية والجنوبية الشرقية للقلعة، فضلًا عن التأكد من حالة الجهتين الشمالية والغربية عقب أعمال الحماية بهاتين الجهتين. وقد أشار التقرير إلى أن شدة الأمواج والتيارات البحرية أثرت بالجهتين الشمالية والغربية على سحب الرمال من أسفل بعض الكتل الأمر الذى أدى إلى سقوط بعض الكتل بعضها فوق بعض بطريقة غير منتظمة، أما فى الجهة الشرقية فقد أشار التقرير إلى امتداد السور الشرقى بطول 100 متر بمحاذاة الجانب الشرقى للقلعة وينقسم إلى جزئين، الأول علوى فوق سطح الأرض له قمة مقعرة الشكل من الخارج لرد مياه الأمواج، ويليه من أسفل جزء مائل يتقدمه رصيف بعرض مترين ملاصق للمياه، أما الجزء السفلى المغمور فى الماء فينقسم بدوره الى قسمين، جزء شمالى عبارة عن رصيف بطول 9 أمتار، وعمق 5 أمتار من مستوى سطح الماء حتى القاع، تم تكسية هذا الجزء بستائر حديدية زرعت حتى القاع، ويعتبر أفضل أجزاء القلعة حماية حيث ساعدت هذه الستائر الحديدية على مقاومة سحب الرمال من أسفل هذا الرصيف مما جعله مقاوما للتيارات البحرية. وجزء آخر جنوبى تبين من المسح وجود تصدعات وشقوق بالأجزاء السفلية من هذا الجزء نظرا لعدم تكسيته بالستائر الحديدية كما هو الحال فى الأجزاء الشمالية، الأمر الذى أدى إلى تأثره بالعوامل البحرية التى أحدثت أربعة تجويفات، بالإضافة إلى بعض الشقوق التى أثرت على الأجزاء الضعيفة من الصبات القديمة، وحتى أعلى نقطة ثم إلى الداخل، وقدم التقرير بيانات حول مدى اتساع وارتفاع هذه التجويفات والمسافة بين كل منهم، وما يتخلل هذه التجويفات من شقوق أو شروخ، ونوه التقرير إلى تعرض الجزء الجنوبى من السور الشرقى للقلعة لخطر نتيجة وجود هذه التجويفات، وأرجع التقرير سبب حدوثها لوجود الكتل الخرسانية كبديل عن الستائر الحديدية، وأشار التقرير إلى أن هذه الكتل لا تمنع النحر وسحب الرمال من أسفل الكتل الخرسانية بسب الفراغات الموجودة بينها مما قد يؤدى الى خلل إنشائى موضعى خطير. أما الجهة الجنوبية الشرقية فقد أسفرت عملية المسح لهذا الجزء من السور عن ملاحظة وجود مجموعة من الكتل الخرسانية، وقد اعاقت هذه الكتل الوصول الى التجويفات الموجودة بهذه الجهة لقياسها، إلا أنه تبين وجود فتحتين أسفل الصبة الخرسانية وعمقها داخل السور كبير، الأمر الذى يتطلب عمل حماية لهذا الجانب، كذلك تبين وجود ميل فى الصبة الخرسانية. واتضح أيضًا من عمليات المسح بهذا الجانب أن فى نهاية هذه التجويفات توجد الصخرة الأم ويليها الرصيف الخرسانى. وانتهى التقرير إلى التوصية على أن أفضل الحلول لحماية محيط القلعة هو عمل صبات خرسانية فى الجهات المراد حمايتها مع تكسيتها بستائر حديدية عالية الجودة لمقاومة عوامل النحر والتآكل وزرعها فى القاع أيضًا لتمنع عملية سحب الرمال من أسفل هذه الجهات. التقرير كتب منذ عام 2006 وحتى الآن لم يتم شىء بخصوصه وتركت القلعة نهبا للأمواج التى تكاد تغرقها، ويطالب العاملون بالآثار بضرورة مخاطبة الإدارة العامة للآثار الغارقة لإجراء مسح «تحتمائى» جديد وكتابة تقرير يوضح حجم التغيرات التى طرأت على محيط القلعة من كافة الجهات، ومقارنة الوضع الراهن بآخر تقرير مقدم من قبل الإدارة فى عام 2006 بحيث يتضمن التقرير توصيف لقاعدة القلعة بأسرها وكافة جوانبها، وإعداد خريطة موضحة تبين نطاق التآكل، وأجراء فحص وتحليل بالمنظار الداخلى لأساسيات المنصة فى الأجزاء التى يصعب تصويرها تحت الماء، وتقييم الحالة الإنشائية للقلعة ومدى مناعتها فى ضوء تقرير الإدارة العامة للآثار الغارقة، حيث إن القلعة تم تصنيفها من حيث خطورة الحالة الإنشائية من الدرجة الأولى وفقًا لمحضر اللجنة المشكلة بالقرار رقم 149 لعام 2011 ودراسة ما إذا كان الجانب الجنوبى الشرقى يحتاج حماية أم لا فى ضوء وجهة النظر الهندسية، وضرورة وضع رؤية أكثر شمولا للحماية البحرية المستدامة للقلعة دونما الحاجة إلى رفع الآثار الغارقة بالتعاون بين الجهات المعنية لتقديم مقترح بشأن معالجة الأمر فى ضوء المصلحة العامة، والتوصل إلى حل متكامل ستضمن حماية مثلى للأثر ومحيطه.