قال الشعب المصرى كلمته ووافق على الدستور الجديد وأكد رفضه للإرهاب وموافقته على مبدأ العدالة الانتقالية وعلى ضرورة تحديد اختصاصات القضاء العسكري، كما وافق صراحة على ضرورة حماية حقوق الإنسان والمواطن ومنها حق المستهلك فى الحماية الدستورية والقانونية والجنائية، وقد طالبنا فى مقالات سابقة نُشرت فى مجلة أكتوبر بضرورة حماية حقوق الإنسان، وقد أخذ برؤيتنا الدستور الجديد لسنة 2013 حيث تضمنت ديباجة الدستور أن الوطن يجب أن يكون «محلا للسعادة المشتركة بين بنيه»، وأنه يجب أن «تصان فيه الحريات وحقوق الإنسان». ومن أخص خصوصيات حقوق الإنسان ما أوضحته المادة الخامسة من الدستور من أنه يجب «احترام حقوق الإنسان وحرياته»، ومن هذه الحريّات حرية المواطن والمستهلك فى استبدال السلع إذا وجد فيها عيبًا من العيوب وحقه الدستورى فى تطبيق القوانين ومنها قانون حماية حقوق المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية. وسوف نتناول تفصيلات ما تضمنه الدستور المصرى الجديد من حماية دستورية كبرى للمستهلك، وذلك فيما يلى: أولا:حماية الحياة الكريمة لجميع المواطنين فى الدستور الجديد: تضمنت المادة الثامنة من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 أنه: يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن «الحياة الكريمة» لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون. ومن البديهى أنه لن تكون هناك حياة كريمة والمواطن العادى يخضع لإرادة بعض التجّار الجشعين فى أن يرفعوا ضده شعارا غير قانونى وغير دستورى يتضمن «إن البضاعة المباعة لا تُرد ولا تُستبدل، وهو أمر يجرّمه قانون حماية المستهلك. ثانيا: حماية الأسرة وحقوقها الاجتماعية فى الدستور: أرست المادة العاشرة من الدستور القاعدة الأساسية للمجتمع وهى أن: «الأسرة أساس المجتمع»، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. ولا شك أن من أهم تلك الأسس هو حمايتها ضد الغش التجارى وغش الأغذية وحمايتها من الممارسات التجارية المخالفة للقانون. ثالثا: إرساء الدستور الجديد لمبدأ المساواة بين المواطنين المنتجين والتجار والمستهلكين: وضعت المادة الحادية عشرة من الدستور الواجب الأول على الدولة فى أن تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، «وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل». كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المُعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا، ويتضمن ذلك بطبيعة الحال ضمان الحقوق الدستورية المتساوية والقانونية للمواطنين والمنتجين والتجار والمستهلكين. رابعا:ضمان الدستور للحياة الكريمة للمواطنين: تضمنت المادة السابعة عشرة من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 أنه: تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى، «بما يضمن له حياة كريمة»، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقًا للقانون. وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتُستثمر استثماراً آمنا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقاً للقانون، وتتضمن تلك الحياة الكريمة حق المواطن فى الحماية الدستورية والقانونية فى السلع والمنتجات التى يقوم بشرائها. خامسا: كفالة الدستور للمواطنين الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة: ضمنت المادة الثامنة عشرة أنه: «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة» وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفائهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. «ويُجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة». وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، «وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية» وفقاً للقانون، ويتضمن ذلك بطبيعة الحال الحماية الدستورية والقانونية للمستهلكين ضد جشع بعض المنتجين والتجار. سادسا: ضمان الدستور لحق الإنسان فى القيم والأخلاق المهنية: أوجبت المادة الرابعة والعشرون أن تكون اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعى الحكومى والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس «حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة». وقد أوجبت هذه المادة على المنتجين والتجار ضرورة أحترام أخلاقهم المهنية والالتزام بالإنتاج طبقا للمواصفات القياسية والقانونية الصحيحة وإحترام القوانين. سابعا: إرساء الدستور للأساس الاقتصادى الجديد للدولة «وحظره للممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك»: منعت المادة السابعة والعشرون الممارسات الاحتكارية حيث تضمن أن النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المُستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر. ويلتزم النظام الاقتصادى بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافيًا وقطاعيًا وبيئيًا، «ومنع الممارسات الاحتكارية»، مع مراعاة الاتزان المالى والتجارى والنظام الضريبى العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين «ويحمى المستهلك». ويلتزم النظام الاقتصادى اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والألتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات «يضمن الحياة الكريمة»، وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقًا للقانون. وقد كانت هذه المادة صريحة فى إرساء الأساس الأول لمنع الممارسات لمنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك وضمان الحياة الكريمة. ثامنا: قيام وزارة التموين والتجارة الداخلية والمنظمة العربية للتنمية الإدارية وجهاز حماية المستهلك بتطبيق مقتضيات حماية المستهلك الواردة فى الدستور: انتهت بتاريخ 17/2/2014 أعمال الملتقى العربى الأول لحماية المستهلك فى الوطن العربى تحت رعاية وحضور وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور محمد إبراهيم أبو شادى وعقد الملتقى بالتعاون بين المنظمة العربية للتنمية الإدارية وجهاز حماية المستهلك وجهاز تنمية التجارة الداخلية والغرفة التجارية بالإسكندرية خلال الفترة من 15-17 فبراير الحالى بمدينة الإسكندرية ومشاركة خبراء ومتحدثين من ثمانى دول عربية وهى مصر والإمارات والكويت وفلسطين وتونس وعمان والأردن وغيرها. وقد تناولنا فى محاضراتنا فى هذا الملتقى بيان الأساس الدستورى لحماية المستهلك فى الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 ومشكلات التطبيق العملى لقانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006 ولائحته التنفيذية أمام النيابات والمحاكم دراسة عملية تطبيقية فى العمل القضائى، وقد طالبنا بضرورة سرعة إصدار قانون جديد لحماية المستهلك تنفيذا للأسس الدستورية الجديدة لحماية المستهلك فى الدستور الجديد وضرورة إنشاء قضاء اقتصادى متخصص فى الدول العربية. تاسعا: مضمون البيان الختامى الصادر عن الملتقى العربى الأول لحماية المستهلك فى الوطن العربى: صدر عن الملتقى العربى الأول لحماية المستهلك فى الوطن العربى – سالف الذكر - بيان ختامى أكد من خلاله المشاركون على ضرورة عقد الملتقى سنويا ومراجعة التشريعات والقوانين المنظمة لحماية المستهلك وتضمينها قضايا الإنترنت والتجارة الإلكترونية وتفعيل دور جمعيات حماية المستهلك العربية ونشر ثقافة اقتصاديات الاستهلاك، وتفعيل التنسيق بينها وبين أجهزة حماية المستهلك، ورصد السلع المهربة والمزورة وغير المطابقة للمواصفات والحد من انتشارها، والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة فى حماية المستهلك، وأهمية دور الإعلام فى حماية المستهلك وتنمية ثقافة المستهلك، ووضع مواصفات قياسية عربية للسلع المستوردة من خارج الوطن العربى بشكل موحد، والقضاء المتخصص فى القضايا الاقتصادية لتحقيق الردع العام والخاص، وإصدار قانون عربى موحد لحماية المستهلك. وأوصوا بضرورة العمل على إنشاء معهد عربى موحد للمستهلك يضم فى عضويته مجالس إدارة الأجهزة الحكومية المعنية بحماية المستهلك، والاتحاد العربى لحماية المستهلك، وجمعيات حماية المستهلك العربية، بما يعزز تبادل الخبرات والتعاون بينها ويكفل توحيد الجهود العربية على المستويين الحكومى والأهلى ويسهم فى ضبط وتطوير الأسواق العربية، وتوفير أسواق جاذبة للاستثمارات من جانب وتحفظ كرامة وحقوق المستهلك من جانب آخر للاستفادة من خبرات الدول المتقدمة فى مجال حماية المستهلك. وسوف نتناول فى مقالات لاحقة باقى مساهمات مجلة أكتوبر فى صياغة الدستور الجديد ومنها ضرورة ترسيخ حقوق الإنسان ووضع ضمانات دستورية كافية فى هذا الشأن ومنح النيابة الإدارية سلطة توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بالدولة وأن يتم الطعن فى تلك الجزاءات أمام مجلس الدولة.