إن المصحف الذى بين أيدى المسلمين السُنة - وهم 90% من المسلمين - هو نفس المصحف الذى بين يدىّ الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، وليس هنا شيعى واحد لديه مصحف مختلف حتى ولو كان الاختلاف فى حرف واحد من حروف القرآن الكريم.. ولقد أصبح الحديث عما يسمى بمصحف على أو مصحف فاطمة أسطورة لا يأبه بها إنسان. ولقد صدر فى إيران سنة 1985 كتاب عنوانه (أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسُنة) للشيخ رسول جعفريان - راجع فيه ما جاء فى تراث الشيعة عن تحريف القرآن الكريم، وأورد فيه أقوالا لنحو ثلاثين من علماء الشيعة يؤكدون فيها أن القرآن محفوظ حفظًا وأنه لم يحدث به أى تحريف أو تغيير أو تبديل.. ولقد استقبلنا هذا الكتاب استقبالا حسنا، وقمت بالتقديم له وإعادة طبعه بالقاهرة سنة 2006. لكن البعض يرى أن فى تراث الشيعة المتداول حتى الآن، وفى المصادر الأصلية للمذهب، وفى كتب الأحاديث التى بنيت عليها فى عقائد الشيعة نصوصا تقطع بحدوث تحريف للقرآن الكريم، وتتهم الصحابة بالقيام بهذا التحريف الذى حذفوا فيه الآيات التى كانت - بزعم الشيعة - تدل على أن الإمامة - بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) - هى فى الإمام على بن أبى طالب ? والأئمة من بنيه. ويقول هنا البعض إن من بين هذه النصوص أحاديث منسوبة إلى الأئمة المعصومين - عند الشيعة - وأن علماء الشيعة لم يتعرضوا بالنقد أو المراجعة لهذه الأحاديث.. وأن مصداقية علماء الشيعة فى القول بحفظ القرآن عن التحريف ستظل منقوصة ومجروحة إذا لم يقوموا بالنقد والمراجعة لهذه النصوص.. لقد راجع علماء الشيعة المحدثون وانتقدوا ذلك الكتاب الذى كتبه ميرزا حسين النورى (1320 ه) والذى جعل عنوانه (فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب) - وهو كتاب أعيد طبعه مؤخرًا فى باكستان.. لكن علماء الشيعة لا يزالون صامتين عن الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الباقر محمد بن على (57 - 114ه / 676- 732م) وهو إمامهم الخامس المعصوم - والتى يقول فيها «ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا على بن أبى طالب (رضى الله عنه) والأئمة من بعده، وما يستطيع أحد أن يدعى أن عنده جميع القرآن كله، ظاهره وباطنه، إلا الأوصياء - أى الأئمة الاثنى عشرة».. فهذه الأحاديث التى نسبت إلى الأئمة المعصومين تقطع بأن القرآن الذى بأيدينا مُحرف، وتتهم كل من ادعى جمع القرآن كله - من الصحابة وجمهور الأمة - بالكذب ولم يقم مراجع الشيعة بالمراجعة أو النقد أو حتى التأويل لهذه الأحاديث. كذلك، يشير البعض إلى ما فى تراث الشيعة من أقوال لكبار مراجعهم، تقول إنهم مأمورون - مرحليا - باعتماد هذا المصحف الذى بين أيدى المسلمين، وذلك فى انتظار ظهور الإمام الغائب الذى سيأتيهم بالمصحف الكامل والقرآن الذى لا تحريف فيه! فهى إذا «تقية» تظهر اعتماد المصحف المتداول، إلى أن يظهر الإمام ومعه المصحف الكامل غير المحرف.. ومن نصوص الشيعة الموثقة فى تراثهم حول هذا الموقف الخطير، ما قاله الشيخ القيد محمد بن النعمان (338 - 413 ه / 950 - 1022م) وهو شيخ الطائفة فى عصره من أن الخبر قد صح عن أئمتنا أنهم قد أمروا بقراءة ما بين الدفتين (أى المصحف الحالى) وألا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه، إلى أن يقوم القائم (الإمام الغائب) فيقرأ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين على بن أبى طالب.. وأن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الزيادة والنقصان. ويزيد من شكوك هذا البعض فى موقف الشيعة من حفظ القرآن عن التحريف، ما أثبتوه فى مصادرهم المعتمدة منسوبا إلى إمامهم المعصوم السادس - جعفر الصادق (80 - 148 ه 699 - 765م) من أن القرآن الذى جاء به جبريل إلى محمد (صلى الله عليه وسلم ) سبعة عشر ألف آية، بينما آيات المصحف المتداول هى 6.236 آية.. بل لقد ذهب بعض الشيعة إلى أن آيات المصحف الأصلى كانت سبعين ألف آية! إذن فأمام هذا التراث الشيعى الطافح بالنصوص التى تشكك فى عصمة القرآن عن التحريف.. بل والتى تقطع بتحريف القرآن الكريم خاصة تلك الأحاديث المعصومة عندهم المنسوبة إلى أئمتهم المعصومين لا يزال الأمر فى حاجة إلى شجاعة من مراجع الشيعة تغلق هذا الباب الذى يمزق وحدة المسلمين!