الدكتور جرشون ياسكين، مؤلف الكتاب الذى بين أيدينا، أستاذ فى العلاقات الدولية وصاحب مبادرات اجتماعية وسياسية للتقريب بين إسرئيل والعرب منذ أكثر من 35 عامًا. أنشأ معهد تعليم التعايش اليهودى العربى بوزارة التعليم الإسرائيلى وبمكتب رئيس الحكومة وأداره لمدة 6 سنوات. وفى فترة الانتفاضة الأولى، أنشأ المعهد الإسرائيلى الفلسطينى لدفع حل (دولتان لشعبين) وعمل مديرًا إسرائيليا له لمدة 24 عامًا بالاشتراك مع المدير الفلسطينى حنا سنيوره. وهو نفس المعهد الذى ترجم رواية علاء الأسوانى (عمارة يعقوبيان) إلى العبرية ورفع الترجمة على موقعة (IPCRI). والكتاب يحكى قصة قناة الاتصال السرية بين الإسرائيليين وحركة حماس فى غزة لإطلاق سراح الجندى الإسرائيلى المختطف جلعاد شاليط. ويقوم فى أساسه على أكثر من 700 صفحة من الرسائل والوثائق المتبادلة بين الدكتور جرشون ياسكين وشخصيات إسرائيلية أخرى من جانب وبين زعماء حركة حماس من جانب آخر. وعلى امتداد أكثر من خمس سنوات عمل ياسكين فى ظروف غير عادية كرجل ظل من أجل هدف يراه إنسانيًا ووطنيًا فى نفس الوقت وهو إطلاق سراح شاليط وهو ما تم بالفعل فى 18 أكتوبر 2011 عندما عاد الجندى الإسرائيلى إلى منزله بعد أن أمضى 1941 يومًا فى أسر حركة حماس فى غزة. وهو ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نيتانياهو، يشكره على جهوده فى خطاب مؤرخ فى 26 أكتوبر 2011 بقوله: (قليلون فقط يعرفون دورك وإسهامك فى دفع الصفقة قدما. وباسم حكومة إسرائيل وباسمى شخصيًا أشكرك على الوقت والجهد الذى خصصته لهذا الموضوع الهام). يتناول باسكين فى كتابه الشخصيات الرئيسية فى صفقة إطلاق سراح جلعاد شاليط الذى تم اختطافه فى 25 يونيو 2006 أثناء خدمته فى الجيش الإسرائيلى، فى مقابل إطلاق سراح 1027 سجينًا فلسطينيًا. ومن بين هذه الشخصيات وأبرزها غازى حمد، نائب وزير الخارجية فى حكومة حماس (الذى كان فى عام 2006 متحدثًا باسم حكومة حماس ومستشارًا لرئيس الوزراء إسماعيل هنيه). وهو الرجل على الجانب الآخر من القناة المباشرة السرية حمد - باسكين. ومن الشخصيات الفلسطينية أيضًا أحمد الجعبرى، قائد كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرى لحركة حماس والرجل القوى فى غزة فى الفترة التى يتناولها الكتاب. والمعروف أن قواته هى التى اختطفت جلعاد شاليط واحتفظت به لأكثر من خمس سنوات دون أن يعرف الشاباك الإسرائيلى بمكانه. وبفعل الضغوط المصرية قبل الجعبرى بالصفقة فى أكتوبر 2011. وفى نوفمبر 2012 قامت إسرائيل بتصفيته فى إطار عملية (عمود السحاب). وهناك أيضًا الدكتور أحمد يوسف أحد كبار المستشارين السياسيين لرئيس وزراء الحكومة المقالة فى غزة، ويعد عنصرًا معتدلًا فى الحركة وأحد الذين يحددون سياستها. وقد تم تعيينه مؤخرًا نائبًا لوزير الخارجية فى حكومة غزة. والدكتور عزام التميمى، وهو مدير معهد إسلامى سياسى فى لندن وأحد المقربين من قادة حماس. وقد قام التميمى بنقل الرسائل بين باسكين وقادة حماس فى سوريا. ومن الشخصيات الألمانية الدكتور جيرها رد كونراد، وهو رجل مخابرات عمل كوسيط ألمانى فى صفقة شاليط. وكانت قوائم الأسرى التى أعدها كونراد من خلال رحلاته المكوكية بين الطرفين هى أساس المفاوضات النهائية التى جرت فى القاهرة. ومن أبرز الشخصيات المصرية فى الصفقة اللواء نادر الأعسر، رجل المخابرات المصرى والوسيط المحنك الذى بمساعدته قام الطرفان بتوقيع صفقة تبادل الأسرى. وكان الأعسر قد عمل قنصلًا عامًا بالسفارة المصرية فى تل أبيت لمدة 5 سنوات مما مكنّه من معرفة إسرائيل والإسرائيليين بصورة جيدة. وفى أثناء المفاوضات بالقاهرة نشأت علاقة ممتازة بينه وبين رئيس الطاقم الإسرائيلى، دافيد ميدان. أما الشخصيات الإسرائيلية فقد برز منها إلى جانب الدكتور جرشون باسكين - الذى قام بالاشتراك مع الفلسطينى غازى حمد بفتح القناة المباشرة السرية بين إسرائيل وحماس - عوفير ديكل، نائب رئيس الشاباك سابقًا الذى قام رئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت بتعيينه كمبعوث لشئون الجنود المختطفين، وذلك بعد 50 يومًا من اختطاف شاليط، وقد عمل فى هذا المنصب حتى أبريل 2009 دون أن يحقق أى تقدم يذكر بشأن جلعاد شاليط. وهناك أيضًا حجاى هداس، نائب رئيس الموساد سابقًا الذى قام نيتانياهو بتعيينه فى أواخر مايو 2009، كمبعوث خاص له لمعالجة موضوع شاليط خلفًا لعوفير ديكل. ورغم أن فترته شهدت دخول الوسيط الألمانى على الخط إلا أنه وبعد أن أمضى أقل من عامين فى هذا المنصب، لم يحقق أى شىء يذكر. أما دافيد ميدان وهو من كبار قادة الموساد فقد عينه رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو فى أبريل 2011 كمبعوث خاص له لمعالجة موضوع شاليط، وذلك خلفًا لحجاى هداس. ووفقًا لتوجيهاته بدأت القناة المباشرة السرية حمد - ياسكين عملها فى أوائل مايو 2011. وبعد ستة أشهر من تعيينه أنهى المهمة بنجاح وأعاد جلعاد شاليط إلى إسرائيل. فى الفصل السادس من الكتاب وتحت عنوان (ما الذى أدى إلى إنهاء الصفقة؟) يقول ياسكين إن الصفقة التى أدت إلى إطلاق سراح شاليط تمت فى النهاية نتيجة لمجموعة من الظروف التى أوجدت معًا نافذة ضيقة من الفرص. فالربيع العربى الذى بدأ فى تونس آواخر 2010 وامتد إلى مصر ودول عربية أخرى، غير عددًا من المعطيات الأساسية فى المنطقة. وكان من بين المتغيرات الكبيرة انتقال قيادة حماس من سوريا إلى مصر. فقيام نظام الأسد بالهجوم على أبناء شعبه ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين القريبة من دمشق، ونشوب حرب أهلية بين الأقلية العلوية والأغلبية السنية التى تضم الفلسطينيين أيضًا، دفع قيادة حماس فى دمشق، لأن تبحث عن دولة مضيفة أخرى. فكانت مصر تحت حكم الإخوان هى الخيار الأفضل. فالثورة فى مصر واعتلاء الإخوان الحكم غير من علاقات القوى السياسية فى مصر. وقد مكن انتقال حماس إلى القاهرة المصريين من ممارسة الضغط على حكومة غزة لإبداء شىء من المرونة فى التفاوض مع إسرائيل. من ناحية أخرى، أدرك المجلس العسكرى ورئيس المخابرات الجديد، مراد موافى - الذى خلف عمر سليمان - واللواء نادر الأعسر، المسئول عن الملف الإسرائيلى الفلسطينى فى المخابرات المصرية، أن الشرط المسبق لأى تغيير يمكن أن يطرأ على الوضع فى غزة هو إطلاق سراح جلعاد شاليط من أسر حركة حماس. ذلك لأن الاحتفاظ بالجندى الإسرائيلى أسيرًا فى غزة كان من بين المبررات الإسرائيلية لفرض الحصار. ولذلك قرر المصريون العمل على إطلاق سراح شاليط. ويضيف باسكين أن ظهور المصريين فى الصورة كان محدودًا فى بعض الأحيان وقويًا فى أحيان أخرى خلال كل مراحل التفاوض، لكن إسهامهم كان حيويًا وحاسمًا فىالمرحلة الأخيرة للتفاوض، وهى مرحلة إنهاء الصفقة. ويتحدث باسكين عن القناة السرية حمد - ياسكين المبنية على الثقة المتبادلة فيقول إن الشرط الأساس لنجاح أية مفاوضات هو الثقة بين الجانبين المتفاوضين. فعندما تغيب الثقة يصعب الوصول إلى حل وسط، لأن الطرف الذى يفكر فى التوصل إلى حل وسط يشك فى أن لدى الطرف الآخر فى تنازلاته نقطة بداية جديدة دون أن يقدم تنازلات من جانبه. وعلى امتداد السنوات سمعت بعدم حدوث أى تقدم فى موضوع شاليط، لأن الثقة معدومة بين الجانبيين. وليس لدى أدنى شدء فى أن مفتاح نجاح القناة السرية التى أدت لإتمام الصفقة كان الثقة المتبادلة التى تطورت بين غازى حمد وبينى. وهى الثقة التى تأكدت عبر مئات الساعات من الاتصالات. وفى الأحاديث الكثيرة التى جرت بيننا كنت أشعر بأن صدقه أسمى من الصراع السياسى بينى كإسرائيلى وبينه كفلسطينى من قيادات حماس. وأنا أيضًا وفى أحوال كثيرة وجدت نفسى أشعر بالأسف لمعاناة سكان القطاع وفى مرات كثيرة كان غازى يكتب أو يقول لى (جرشون، أنت صديق طيب).