رغم تشابه ما يجرى على الساحة المصرية حاليًا من عمليات إرهابية مع ما شهدته البلاد من موجة إرهاب غاشمة فى التسعينيات، إلا أن الأسئلة التى تدور حول كيفية مواجهة الموجة الحالية ما زالت حائرة وبلا إجابات حاسمة.. فهل تحتاج مصر الآن إلى اتباع نفس الطريق الذى عرف سابقًا ب «المراجعات الفكرية» لتقويض أركان الإرهاب الحالى مثلما فعلت فى التسعينيات؟ وما هى فرص نجاح هذا الأسلوب مع قيادات الجماعة الإرهابية لوقف نزيف الدماء فى الشارع المصرى؟! هذه الأسئلة وغيرها.. يجيب عنها نخبة من الخبراء فى سياق التحقيق التالى.. فى البداية يؤكد الدكتور أنور عكاشة أحد مؤسسى تنظيم الجهاد فى مصر أن المراجعات الفكرية التى حدثت فى التسعينيات لم تفشل، مشيرًا إلى أن الجماعة الإسلامية لا تزال تتمسك بالسلمية حتى وقتنا هذا وتنخرط فى العمليات السياسية الحالية إلا أن خطابها كان أكثر سخونة من الخطاب الآخر. وأوضح عكاشة أن المراجعات الفكرية تحدث فى حالة وجود أفكار مطروحة سواء بالتفكير أو غيره، أما الوضع الحالى الذى تشهده البلاد من أعمال إرهابية فلا يحمل أفكارًا مطروحة فالقتل والتفجير يحدث دون أسباب، وعلى سبيل المثال أن من قتلوا اللواء محمد سعيد فى الهرم لا توجد لديهم أسباب إلا أنهم يرون أن الحكام الحاليين استولوا على السلطة من خلال انقلاب عسكرى على نظام شرعى والطرف الآخر يرى أن هناك ثورة شعبية على نظام كان موجودًا على حد وصفه، وبالتالى فلا توجد أفكار إرهابية مطروحة أمثال جماعات التكفير والهجرة فى التسعينيات وفى هذا الوقت قمنا بإيقاف الأعمال الإجرامية فى 1995 بعد مراجعة الجماعة الإسلامية بقرار من أيمن الظواهرى خاصة بعد دخول الأفكار التكفيرية وحرصًا من الجماعة على تصحيح هذه الأفكار. وأشار عكاشة إلى أن الإرهاب منظومة فكرية تنتهى إلى قرار لافتا إلى أن ما يحدث بعيد تمامًا عن الإرهاب وإنما هو ما يسمونه بالفوضى الخلاقة التى تسمح بظهور مثل هذا الإرهاب فى ظل وجود الفوضى التى ظهرت نتيجة عدم الالتزام بالقانون من جانب الطرفين «السلطة القائمة وجماعة الإخوان المسلمين» موضحًا أن سبب الأزمة الحالية هو الوضع السياسى القائم على «التوهم» فكل طرف من الأطراف متوهم أنه قادر على أن يحسم الصراع أو أن يفرض أجندته بالقوة على الطرف الآخر وهو ما يسمح بإدخال البلاد فى مرحلة الفوضى التى تشهدها حاليًا على حد قوله. وأضاف مؤسس تنظيم الجهاد أن الحل الأمثل لإنهاء الصراع بين الطرفين أن يقر كل طرف أنه غير قادر على فرض إرادته أو أجندته على الطرف الآخر وإلا ستستغل هذه الفوضى فى دخول أجندات أجنبية وأطراف خارجية تزيد من تفاقم الأزمة فى مصر على حد تعبيره. وشدد عكاشة على ضرورة أن يجلس طرفا الصراع وأن تحدث حالة وفاق وطنى بين تحالف دعم الشرعية الداعم لجماعة الإخوان وبين السلطة الحاكمة وبالتالى يتم إيجاد حالة من التفاهم للوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف وينهى حالة الصراع القائم. أزمة فكرية أما أسعد هيكل المحامى والناشط الحقوقى فيرى أن جماعة الإخوان المسلمين والجامعات المنبثقة منها من الجماعة الإسلامية والجهاد المرتبطة بها تعانى من أزمة فكرية كبيرة وهى عملية تكفير الآخرين. فينظرون إلى من هم خارج عن جماعتهم باعتبارهم كفارًا وهذا ما رأيناه بأنفسنا عندما كفر الشيخ محمد عبد المقصود المواطنين الذين قرروا الخروج فى مظاهرات ضد الرئيس محمد مرسى فى 30 يونيو. وأوضح هيكل أن هذه الأزمة قائمة منذ زمن بعيد وليست وليدة اللحظة أو نشأت بعد عزل جماعة الإخوان عن الحكم،وطالب هذه الجماعات بأن تعيد التفكير مرة أخرى وأن يتدخل علماء الأزهر لتصحيح هذه الصورة الخاطئة التى تضر بالإسلام «فنحن فى حاجة إلى إظهار الصورة الحقيقية للإسلام السمح، لافتا أن هذا العبء يقع على العديد من المؤسسات التثقفية إلى جانب الأزهر. وأضاف أن الإعلام بالأخص يقع عليه دور فى محاربة الإرهاب خاصة أن الإعلام يصل إلى الملايين مشددًا أن هناك تقصيرًا إعلاميا إلى جانب قناة الأزهر التى تأخرت كثيرًا إضافة إلى دور وزارة الثقافة، وأوضح هيكل أن المراجعات الفكرية حدثت فى التسعينيات داخل السجون بشكل محدود، مطالبًا بضرورة أن تكون هذه المراجعات بشكل أشمل وأعم بحيث تكون على مستوى عامة الشعب كله، من خلال بث الأفكار الصحيحة وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى هؤلاء وخاصة الشباب داخل هذه الجماعات، وأضاف مسلم: نعلم جيدًا أننا نتعامل مع بشر وبالتالى فلن تتحقق النتائج كاملة ولكن هناك حالات كثيرة متواجدة على الساحة الآن استجابت لتلك المراجعات وليس بشكل كبير. وأشار مسلم أن الوقت الحالى لا يتسع لمراجعات فكرية، لأن هذه المراجعات تبدأ بعد المحاسبة، وبالتالى فلابد من المحاسبة أولًا ثم تتم بعد ذلك المراجعة.. وقال الخبير الأمنى إن ما يروجه البعض بأن ما يحدث فى مصر حاليًا بالمعنى الحقيقى كما يدعى بعض الإسلاميين والجهاديين الذين حدث معهم مراجعات فكرية وإنما هى فوضى بسبب ما حدث فى 30 يونيو واندساس بعض البلطجية والمخربين هو كلام مغلوط لأن ما يجرى إرهاب حقيقى موضحًا أن الشخص الذى يرتكب هذه الجرائم والتفجيرات عن قناعة بأنه سينال الشهادة وأن ما يقوم به يتفق مع عقيدته والشريعة الإسلامية والحفاظ على الدين والإسلام وفكره، معتبرًا أن عمليات التفجير والانتحار لا تعد فوضى وإنما إرهاب. من جانبها، قالت الدكتورة سوسن فايد أستاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية إن الجماعة الإسلامية التى أعلنت المراجعات وقررت من نفسها وقف العنف والرجوع عن الأعمال الإرهابية والعودة إلى أعمال العقل والتفاوض إلا أن البعض من هؤلاء العناصر أمثال عاصم عبد الماجد وطارق الزمر المتواجدين حاليًا على الساحة لم يتبعوا الجماعة الإسلامية فى المراجعات وانفردوا بالعودة إلى العنف وعلى مسئوليتهم الشخصية. وأضافت فايد أن أفكار هؤلاء تنتمى إلى أفكار تنظيم القاعدة من خلال اتباع نفس الأفكار السيئة من أجل تحقيق أهداف سياسية، مشيرة إلى أن تنظيم القاهدة عبارة عن فكرة بعيدة عن كونها تنظيما وينبثق منه عدد من الجماعات تتبع فلسفة العنف وتبتعد عن التفاوض، وأضافت أن ما يحدث فى مصر حاليًا ليس عنفًا يرتبط بالأيدلوجية الدينية، كما كان يحدث فى السابق بل أصبحت أعمال العنف لتحقيق أجندات أجنبية وخارجية لا ترتبط بعقيدة أو فلسفة دينية لكى يبرروا به الأعمال الإرهابية، وبالتالى فالأعمال التى تحدث حاليا من تمويل خارجى كبير لتنفيذ تلك المخططات الكبرى التى تهدف إلى إسقاط الدولة، وعن إجراء المراجعات الفكرية فى الوقت الحالى أكدت د. سوسن فايد أن هناك عبئًا كبيرًا جدًا على المؤسسة الدينية لتوضيح المفاهيم الصحيحة وتشفير الأفكار المغلوطة التى تبعث على العنف وتقوم بتصدير صحيح الدين وخاصة إلى الشباب. وكشفت فايد أنها تعكف فى الوقت الحالى على دراسة حول محاربة العنف والإرهاب تعتمد على أن يكون الحل الأمنى هو آخر الحلول فى محاربة الإرهاب بأن تعمل كل المؤسسات بالتوازى على محاربة الإرهاب بما فيها المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية على نشر الوعى وتصحيح الأخطاء. وأن يكون هناك دور للشباب من خلال خلق فرص عمل وتنمية لهؤلاء الشباب حتى يبتعد عن الاندماج فى منابع الإرهاب خاصة أن الشباب دائمًا ما يسعى لإثبات نفسه وإشباع رغباته المادية وعلاج حالة الفراغ النفسى التى يعانى منها الغالبية العظمى من الشباب، وبالتالى يتم النهوض بهم لسد جميع المنابع التى تستقطب الشباب وتحولهم إلى أيادٍ تنفذ تلك الأعمال الإرهابية.