توزيع الأسمدة.. أزمة متجددة فى كل موسم زراعى.. ومع ذلك لم تجد الحلول العملية لدى الحكومات المتعاقبة.. حيث يتم ترحيل الأزمة من موسم لآخر ليظل الفلاح حائرًا بين فساد الضمائر لدى بعض المسئولين عن توزيع الأسمدة وجشع التجار.. فيضطر إلى شراء الأسمدة المدعمة من السوق السوداء بأضعاف سعرها الحقيقى. ومما زاد الطين بلة هذه السنة أن مصانع الأسمدة لم تعد تعمل بكامل طاقتها بسبب أزمة الطاقة، مما أثر على الحصص التى تعاقدت عليها وزارة الزراعة، وبالتالى تزيد معاناة الفلاح.. وتتفاقم أزمة الأسمدة فى مصر. وقد أشار المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية إلى أن احتياجات الموسم الزراعى لسنة 2012/2013 من الأسمدة الآزوتية حسب تقدير وزارة الزراعة حوالى 3.5 مليون طن مترى حيث تعاقدت الزراعة على توريد هذه الكمية مع شركات قطاع الأعمال العام بواقع 1.9 مليون طن مترى ومع شركات المناطق الحرة 0.6 مليون طن مترى، وبسبب خفض الطاقة وعدم تشغيل المصانع بالإنتاجية القصوى لم يتم توريد جزء من الكميات المتعاقد عليها لوزارة الزراعة حسب الإنتاج الفعلى المفترض إنتاجه سنويًا، حيث لم تعمل المصانع وتعطلت بسبب عدم انتظام الطاقة، مما أثر على نقص المعروض من الأسمدة فى السوق. من جانبها، قامت اللجنة التنسيقية العليا للأسمدة بوضع قواعد جديدة لتوزيع الأسمدة للموسم الشتوى 2013 – 2014 وذلك للحد من تسريب الأسمدة فى السوق السوداء، وقررت صرف حصص الأسمدة بالكامل للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح وصرف 50% من الكميات المطلوبة لمحاصيل الخضر والفاكهة، كما أوصت اللجنة بتوزيع «شيكارة» أسمدة لكل فدان لتخفيف العبء على الجمعيات التعاونية بدلا من تخزين الأسمدة وتراكم الغرامات ولتوفير السيولة المادية. وكشف تقرير رسمى أصدرته وزارة الزراعة عن تقاعس 6 شركات لإنتاج الأسمدة عن توريد الحصص المقررة عليها لصالح الدولة للوفاء بالتزامات الزراعة خلال الموسم الصيفى والشتوى، وأوضح التقرير أن هذه الشركات لم تلتزم بتوريد 152 ألفا و565 طنا خلال موسم الزراعة الماضى. ويقدر العجز فى احتياجات الأسمدة للموسم الصيفى ب 3 ملايين طن سنويا، وقد كشف التقرير أن الحكومة تدرس اللجوء لاستيراد الأسمدة من الخارج لسد العجز فى كميات الأسمدة التى تحتاجها الزراعة المصرية. وأوضح التقرير أن الشركات تضم شركتين تابعتين لقطاع الأعمال العام، هما «أبو قير»، و«الدلتا للأسمدة»، تقاعست عن توريد 61 ألفا و220 طنا، بينما لم تقم الشركات الموجودة بالمناطق الحرة وهى:المصرية للأسمدة، وحلوان، والإسكندرية، وموبكو للأسمدة، بتوريد الحصص المقررة عليها والبالغة 91 ألفا و 345 طنا لصالح وزارة الزراعة، ممثلة فى بنك التنمية الزراعى والتعاونيات الزراعية. وألزمت الوزارة خلال اجتماع مشترك ضم ممثلين عن وزارة البترول وشركات إنتاج الأسمدة، بتوريد كمية 152 ألفا و565 طنا على3 أشهر، على أن تجرى إضافتها للحصص المقررة على الشركات الست لتقليل العجز فى الأسمدة خلال الموسم الزراعى الصيفى، الذى يبدأ فى مايو المقبل. وكشف التقرير الصادر عن مركز الأرض لحقوق الانسان والذى رصد شكاوى آلاف الفلاحين فى عدة مراكز مختلفة بمحافظات مصر، تركز معظمها فى الوجه القبلى، من قلة الأسمدة وسوء توزيعها، وتورط بعض الموظفين الحكوميين فى منع الأسمدة المدعمة عن المزارعين لتشوينها وبيعها فى السوق السوداء من خلال التجار. وفى العديد من الأراضى المستصلحة بمحافظة البحيرة والإسكندرية والفيوم والشرقية والإسماعيلية، يرفض مسئولو بنك الائتمان الزراعى والجمعية الزراعية تسليم المزارعين السماد بدعوى عدم تسديد أقساط الأراضى المستصلحة، أو بسبب تعثرهم فى سداد ديون بنك الائتمان. ومن جانبه أشار د. مدحت محفوظ أستاذ النباتات والأسمدة بجامعة القاهرة أن المشكلة الرئيسية لا تتمثل فى الانتاج بقدر ما تتمثل فى سوء توزيع الأسمدة المدعمة على الفلاحين وتجار السوق السوداء، مشيرًا إلى أن «شيكارة» اليوريا – أحد أنواع الأسمدة – تصرف مدعمة بحوالى 80 جنيها من جانب الجمعيات الزراعية بينما يصل سعرها فى السوق السوداء إلى حوالى 200 جنيه والتى يقف الفلاح أمامها عاجزا. وأوضح أن هناك ثلاثة أنواع من الأسمدة وهى الأسمدة النيتروجينية وهى محلية الصنع والتى تمثل المشكلة نظرا لأهميتها القصوى فى الزراعة، حيث توفر العناصر الاساسية للنباتات ولا غنى عنها، وهناك البوتاسيوم ومشتقاته وهذا النوع من الاسمدة يتم استيراده من الخارج ومتوافر فى الاسواق ويتوقف سعره على الاسعار العالمية وسعر الدولار، مشيرًا إلى وجود مصنع واحد ينتج هذا النوع من الأسمدة ولكنه يستورد خاماته من الخارج. وتابع أن المشكلة تظهر بصورة أكبر فى فصل الصيف نظرًا إلى أن معظم الفواكه والزراعات تنمو فى هذا الفصل على عكس فصل الشتاء، حيث يأتى القمح والبرسيم فى مقدمة الزراعات الشتوية، ثم البصل والثوم فى المرتبة الثانية واحتياجه للأسمدة ليس بكميات المحاصيل الصيفية. وتابع أن المشكلة الموجودة الآن مع أنابيب البوتاجاز تتشابه تمامًا مع مشكلة الأسمدة، حيث تهريب الأسمدة الى السوق السوداء وتضاعف أسعارها إلى الضعف أحيانًا وسوء التوزيع على المحليات حيث لا تصل الأسمدة الى مستحقيها. ووصف محفوظ ان هذا النوع من المشاكل هو الذى يقلل عدد المزارعين فى مصر، خاصة أن الزراعة تحتاج الى الوقت والجهد وعائدها غير سريع، بالإضافة الى المشاكل التى يعانيها الفلاحون فيتحول الكثير من الزراعة إلى أى صناعات أخرى تأتى له بربح سريع ووفير.