لم يكن البرلمان التركى فى حاجة إلى ممارسة لعبة «الثالثة ثابتة» سياسيا، من أجل السماح للنائبات المحجبات بالتواجد به، فبعد مرور 14 عاما على المحاولة الأولى والتى باءت بالفشل بطرد النائبة المحجبة المنتخبة «مروة قاوقجى» والتى لم يقدر لها البقاء أكثر من نصف ساعة فقط، جاءت المحاولة الثانية منذ أيام بنجاح منقطع النظير بعدما رضخ البرلمان لتواجد الحجاب تحت قبته متمثلا فى أربعة برلمانيات محجبات لتكون المرة الأولى فى تاريخ الدولة التركية الحديثة التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك على أسس علمانية. فمع الأيام الأولى لشهر نوفمبر الجارى حضرت أربع نائبات من حزب العدالة والتنمية الحاكم جلسات البرلمان وهن مرتديات الحجاب لأول مرة وهن «غولاى صامانغى، سوده بيازيد كشار، غونول شاهكولوبى، ونورجان دالبوداك» وقد كن غير محجبات عندما تم انتخابهن عام 2011 إلا أنهن قد قررن ارتداءه عقب أدائهن لفريضة الحج خلال العام الحالى مستفيدات من قرار إلغاء الحظر على ارتداء الحجاب بمؤسسات الدولة التركية منتصف الشهر الماضى بالإضافة لتصريح رئيس الوزراء رجب أردوغان بأن النظام الداخلى للبرلمان لا يحظر ارتداء الحجاب، وكذلك الرئيس التركى، عبد الله جول الذى أكد أنه لا يرى أى مانع فى دخول المحجبات إلى البرلمان ومضيفا أنه لا داعى للقلق والخوف بشأن ارتداء الأشخاص ملابسهم حسب معتقداتهم. ولم تسلم تلك الخطوة من الرفض والاعتراض من قبل جبهة المعارضة التى تعالت أصواتها عبر وسائل الإعلام المختلفة إلا أنها داخل البرلمان قد قبلت بالأمر الواقع واكتفت ببعض مظاهر الاحتجاج التى وصفها الخبراء بالخجولة مقارنة بما حدث عام 1999عندما انتفض رئيس الوزراء الراحل بولند أجاويد ومعه نواب حزب اليسار الديموقراطى آنذاك لطرد مروة قاوقجى من قاعة البرلمان، بحجة أن القوانين العلمانية للدولة ترى فى الحجاب شعارا لتيار الإسلام السياسى، وقال أجاويد للنواب مقولته الشهيرة: «برلماننا ليس مكانا لتحدى الدولة، أوقفوا هذه المرأة عند حدودها»، وبالفعل تحرك نصف نواب البرلمان وقتها هاتفين فى وجه قاوقجى «اخرجى .. اخرجى»، ولم يتوقف الأمر عند الطرد فقط بل تم سحب الجنسية التركية منها وسافرت بعدها للعيش فى الولاياتالمتحدة. وتعجب حزب الشعب الجمهورى أبرز أحزاب المعارضة من توقيت هذه الخطوة على لسان نائبه «محرم انجى» الذى صرح قائلا: «إن أردوغان وحكومته وحزبه الحاكم العدالة والتنمية لا يتذكرون الدين إلا عندما تلوح انتخابات فى الأفق ويقترب موعد إجرائها فيتم استخدام ورقة الدين لكسب المزيد من الأصوات»، مشددا على أن المعارضة برئاسة حزب الشعب الجمهورى لن تسمح باستغلال الأمر لأداء دور الضحية واللعب على مشاعر وعواطف الناخبين. وحرص عدد من نواب عدة أحزاب معارضة على حضور الجلسات الأخيرة مرتدين قمصان تحمل اسم وصورة مصطفى كمال أتاتورك فى خطوة منهم للتعبير عن رفضهم لخطوة منع حظر ارتداء الحجاب داخل مؤسسات الدولة، فى الوقت الذى عبر فيه أبرز زعماء المعارضة كمال كلتشدار عن غضبه من ذلك القرار بحجة أنه يخالف قواعد الدستور ومبادىء العلمانية التى تأسست عليها دولة تركيا الحديثة، وموجها حديثه إلى أردوغان قائلا: «إن كنت نجحت فى تكبيل الجيش التركى حامى العلمانية فالشعب لن يقف مكتوف الأيدى». وفى الوقت الذى باركت فيه النائبة «شفق بافاى» للنائبات الأربع، أكدت أيضا أن تلك الخطوة رفعت القناع وأظهرت الوجه القبيح لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية وسياساتهم العنصرية قائلة: «إن هذا البرلمان ذاته الذى أعطى زميلاتى شيئا يرى أنه حق لهم، حرمنى من حقى فى ارتداء البنطلون، رغم أن لى ساقا مبتورة، واضطررت إلى إبراز ساقى المعدنية كل يوم من تحت فستانى، بسبب رفض نواب حزب الأغلبية ارتداء البنطلون فى البرلمان»، وتحظر اللائحة الداخلية للبرلمان التى أعدها حزب العدالة والتنمية والذى يمثل الأغلبية بنسبة 74% على النساء ارتداء غير لباس التنورة وبالتحديد المادة 59، وهو ما كان مثار انتقاد داخل تركيا. فيما أعرب «بولنت أرينش» نائب رئيس الوزراء عن دعم مطلق لقرار النائبات، لافتاً إلى أن القانون لا يمنع ارتداء الحجاب فى البرلمان، ومعتبرا أن المنع كان نتيجة تفسير متشدد لمفهوم العلمانية، مضيفا: «أن من انتفضوا سابقا لطرد النائبة قاوقجى من البرلمان رماهم الناخبون خارجه فيما بعد من خلال صناديق الانتخابات، ولا أثر لهم الآن فى الساحة السياسية». ورأى الخبراء ظهور الحجاب لأول مرة تحت قبة البرلمان التركى نتيجة حتمية لسياسات حزب العدالة والتنمية وتتويج شخصى لرئيس الوزراء أردوغان ولحزبه الحاكم فى إطار رزمة التغيرات السياسية والاجتماعية التى أقرها منذ وصوله إلى سدة الحكم منذ عام 2002 والتى يضعها تحت مسمى الإصلاحات الشاملة، كل هذا بالإضافة للسيطرة على غالبية مقاليد الحكم فى البلاد وفى مقدمتها البرلمان بالإضافة للسيطرة على الجيش التركى وعزله عن العملية السياسية للبلاد.