الذى لا يعرف جماعة الإخوان لابد أن يعلم أن هذه الجماعة لا تتفاهم مع أحد إلا إذا كانوا – أى الإخوان – مهزومين، أما إذا كانوا فى وضع الأقوى أو المؤثر أو المنتصر القادر على إملاء الشروط فإنهم فى هذه الحالة ينتقلون إلى وضعية السيطرة والهيمنة لإجبار الأطراف الأخرى على الإذعان والتسليم بكل خطوة تخطوها الجماعة نحو تحقيق أهدافها. وهذا ما حدث فى فترة الحكم القصيرة للإخوان والتى انتهت بثورة 30 يونيو .. فقد طبق الإخوان برنامجهم السياسى السلطوى الإقصائى المتحكم فى كل أوصال الدولة. وبسبب القصور فى الإدراك السياسى عند الجماعة وتبلد الحس السلطوى ظن قادتهم أن بإمكانهم السيطرة على الشعب أرهابًا أو قصرًا وإجبارًا وبعد أن صدق الإخوان أوهامهم بأن الشعب لن يقدر على تغيير شىء وليس هناك إمكانية لثورة أخرى على الحكم الإخوانى. *** والمضحك فى الأحداث المأساوية التى جرت أثناء وبعد اندحار الإخوان أنهم الفصيل السياسى الوحيد فى مصر الذى فوجئ بالثورة وخروج الشعب عليهم فى 30 يونيو. أما المهزلة الحقيقية فهى أن الإخوان لا يصدقون ما حدث وأنهم فى حالة إنكار حتى لحظة كتابة هذه السطور .. وكأنهم كانوا مغيبين عن الأحداث ولم يكونوا مدركين لحجم اخفاقاتهم القاتلة بالمفهوم السياسى فى كل نواحى الحياة فى مصر وإلى الآن هم فى حالة انكار لفشلهم الذريع فى كل شىء. وبعد أن انتهى أمر الجماعة كسلطة حاكمة مسيطرة وتبديد جشعهم الاستبدادى بفعل طوفان الرفض الشعبى فى ثورة 30 يونيو ظهر على الساحة أشخاص كنا نحسبهم وطنين مخلصين. أقول بعد أن تأكد لهؤلاء الشخوص أن المشروع الإخوانى قد انتهى تخلى هؤلاء عن المبادئ التى كانوا مستترين وراءها وسارعوا إلى إعلان مواقفهم المائعة وإطلاق عبارات مثل الحوار الوطنى – المشاركة السياسية – لا للإقصاء – كلنا مصريين وكثير من عينة عبارات ال لا شىء. صحيح أن تلك العبارات كانت تعنى الكثير وقت أن كان الإخوان فى السلطة وكنا نقولها لهم ولكن لم يلتفت أى من قادة الإخوان لذلك . وهذا بالضبط مبادئ الاستحواذ التى قلتها فى بداية المقال أن الإخوان لا يتشاركون مع أحد ولا يسمعون لأحد ماداموا المنتصرين والمهيمنين والمستحوذين أما إذا حدث العكس ، فإنهم تلقائيًا مبرمجون على التحول إلى وضعية المفاوض الذى يسعى إلى المشاركة !! ولو أن الإخوان جديرون فعلاً بأن يكونوا فصيلاً سياسيا معتدلا يمثل الوسطية الإسلامية كما كانوا يروجون ويدعون .. فما الذى دعاهم إلى اتخاذ العنف وسيلة للضغط السياسى ؟ ولماذا فشلوا بعد أن وصلوا إلى قمة أهدافهم السياسة وهو حكم البلاد ؟ *** الحقيقة أن جماعة الإخوان لم تكن فى يوم من الأيام جماعة معتدلة حتى منذ بداية أدبيات تكوينها وإن كان الشطط فى مسار تحقيق اهداف الجماعة لم يكن ظاهرا إلا بعد التحول إلى العمل السياسى – فقد ظهر جليًا أن ثقافة الاستبداد التى مارسوها عن قناعة منذ إعلان ما يعرف بالبيعة والسمع والطاعة – تلك القناعة التى لم تتغير عبر فترات طويلة من استخدامهم المنهج الديمقراطى كوسيلة للوصول إلى سدة الحكم – فلم تكن الديمقراطية فى أدبيات الجماعة سوى سلم إلى قمة السلطة ثم تحطيم هذا السلم حتى لا يصل أحد غيرهم . « ولعل الإعلانات الدستورية والتحصينات التى قررها المعزول لتحصين قراراته اكبر دليل على قناعة الاستبداد لدى الجماعة». ولو كان الناس فى مصر يعلمون حقيقة ما كان يسعى إليه الإخوان قبل تجربة حكمهم الفاشى الإقصائى الفاشل لما وصلوا إلى شىء ولا ظلوا – أى الاخوان – قابعين تحت قبو العمل السرى إلى يوم يبعثون. أما الذين كانوا يعلمون حقيقة الأهداف المروعة للإخوان فهم هؤلاء الذين يسعون الآن إلى طرح مبادرات ما يسمى بالمصالحة ونبذ العنف – مصالحة وعنف! وأقول لهؤلاء إن ما تسعون إليه يهدم كل المبادئ التى تشدقتم بها فى السابق ويحول مواقفكم السياسية إلى الميوعة والتفسخ . والحمد لله الذى كشف نواياكم الخبيثة التى لم تنطل على أحد بعد أن علم القاصى والدانى وحتى رجل الشارع البسيط الذى أدرك أن محاولاتكم ما هى إلا عبث بمقدرات الوطن . إن السعى الذى يقوم به بعض شخوص السياسة لما يسمى بالمصالحة مع الإخوان هو بصريح العبارة محاولات فاشلة لإعطاء قبلة الحياة لتنظيم الإخوان المسلمين بعد أن مات أدبيًا وفكريًا ولم يبق له إلا العنف كمحاولة أخيرة لإثبات الوجود الذى انتهى .