من يعقد مقارنة للمرأة بين حالين قبل الإسلام وبعده يجد أن الإسلام أنصف وجودها على الأرض بعد أن كانت كمًا مهملًا لا أثر له فى المجتمع إلا أنها مصنع للإنجاب ليس إلا. ومن هنا انتشرت فى الجاهلية عادة قبيحة «قتل البنات» حية فيما عرف ب «وأد البنات». حتى إن القرآن خصص لها آية يقول فيها الحق تبارك وتعالى للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) حكاية وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ورحمك الله يا فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب الذى كلما تذكر طفلته وهى تزيل تراب وأدها من لحيته فى جاهليته اعتصر قلبه ألمًا ونزلت الدموع من عينيه مدرارًا رغم أنه على رأس قائمة المبشرين بالجنة. وفى رحلة يأخذنا فيها الباحث الإسلامى خلف عبد العال عّودة للجاهلية العربية نجده خلالها يردد قوله: لم تقف المهانة للمرأة عند وأد البنات. بل تجاوزته إلى صور أخرى حملت كلها معانى العسف والظلم.. ويضرب مثلًا «ففى الأنكحة، هناك نكاح الاستبضاع والبغايا والشفار والبدل وغير ذلك من الأنكحة التى لا يثبت بها نسب ولا ارتباط شرعى ولا يتحقق معها عدل ولا رحمة للمرأة. لذلك كان الرجل هو محور الحياة. وكان له المكان الأسمى. وكانت المرأة فى مكان أدنى.. وكان لابد فى هذا النظام الاجتماعى أن تضعف الثقة بين الرجل والمرأة وأن تلقى المرأة كثيرًا من دروب الخسف والهوان. ويصل بنا عبد العال إلى صدر الإسلام فى نقلة حضارية لنرى معه أن الإسلام جعل منزلة المرأة من الرعاية والتكريم فى مكانة سامية لم تصل إليها أرفع النساء فى أرفع البيوت قبل الدعوة المحمدية لأنه جعلها مناط التكليف. ووجه إليها الخطاب، كما وجهه إلى الرجال. ووثق هذا فى سورة النساء لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ هنا أوصى الإسلام بالمرأة بوصفها عضوًا له وزنه فى المجتمع الإسلامى.. حيث قرر حقوقها بعد أن كانت مهضومة ومنحها الاعتبار بعد أن كان الجاهلون يعتبرونها عيبًا يجب إخفاؤه. إما لفقر. وإما لعار، وصّدق على ذلك الحق تبارك وتعالى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) يقول خلف إنه لم يكن لها حق فى الميراث.. فورّثها الإسلام وقرر حقوقها ابنة وزوجة وأمًا. وأمر ألا يتزوج عليها إذا خاف الزوج عدم العدل. كما قرر أن العدل القلبى بين النساء فى هذه الأمور صعب وإن لم يكن مستحيلًا مهما حرص الزوج. فهى فى الإسلام إنسان مرعى الحقوق والواجبات.. ومرد ذلك ? ? ? ? ? وهنا وضع الإسلام أركان نظام من شأنه المحافظة على المرأة وكرامتها. فجعل اتصال الرجل بالمرأة عن طريق الزواج.. اتصالًا كريمًا مبنيًا على رضاها. ولهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة من أن «تكون كلأ مباحًا».. هذا النظام الذى ارتضاه الله وأبقى عليه الإسلام لهدم كل ما عداه وهو ألا يتم الزواج إلا بتحقق أركانه من الإيجاب والقبول وبشرط الإشهار. وبهذا يتم العقد الذى يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه الذى شرعه الله. كما أنه يعتبر نواة الأسرة التى تحيطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الأبوة.. فتنبت نباتًا حسنًا وتثمر ثمارها. ويوضح عبد العال أن الإسلام أباح أيضًا للمرأة التعلم وجعله فريضة عليها فى الحدود الضرورية لها فى شئون دينها ودنياها. وأباح لها الالتحاق بأية وظيفة خارج منزلها مادامت تؤديها فى وقار وحشمة وفى صورة بعيدة عن مظانّ الفتنة. ووفق ما سنته الشريعة الإسلامية ومادامت لا تجور على حقوق زوجها وأولادها وبيتها. ومن عظمة الإسلام أنه قضى على مبدأ التفرقة بين الرجل والمرأة فى القيمة الإنسانية المشتركة. وفى التفرقة بينهما أمام القانون وفى الحقوق العامة.. وجعل المرأة مساوية للرجل فى هذه الشئون.. فشرع الإسلام المساواة بينهما فيما هو من خصائص الإنسانية فى الدنيا والآخرة. وهنا نرصد قول الحق تبارك وتعالى: ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ?? ? ? ?? وفى سورة الإسراء ولقد كرمنا بنى ادم وهناك تسوية أخرى بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق المدنية فالمرأة هنا قسيمة الرجل لها من الحق ما له وعليها ما عليه.. والقرآن يقول: ? ? ? ? ?? ں ں ?? والدرجة هنا كما يفسرها خلف عبد العال هى درجة الرعاية والحياطة لا تتجاوز إلى قهر النفس وجحود الحق.. فالمرأة رغم كل ما يقال فىحقها ممن يريدون غمط حقها وعودتها إلى الانعزال عن المجتمع لتصبح خرقة بالية بعدما اعتلت أعلى المناصب وتفوقت فى بعضها على الرجال الذين لا يدرون أنها الوتد الذى يبنى عليه البنيان الأسرى.. فهى شريان الحياة فى العطاء والتضحية.. وهى الشريكة العظيمة للرجل فى السلم والحرب ولنا فى أمهات المؤمنين زوجات النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ثم فى طابور طويل من نساء قدن مجتمعات الأسوة الحسنة.. هذه هى المرأة التى كرّمها القرآن من فوق سبع سماوات وحماها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله الذى صار مبدأ نسير عليه استوصوا بالنساء خيرًا .