الكعبة المشرفة.. أول بيت وضع للناس مباركاً وقبلة المسلمين فى كل صلاة..تهفو إليها القلوب والأرواح وتقطع من أجل زيارتها آلاف الأميال.. لأداء العمرة.. ولو لمرة واحدة فى العمر..ولكسوة الكعبة بلونها الأسود الداكن وزخارفها المزركشة بآيات من القرآن الكريم باللونين الذهبى والفضى.. تاريخ طويل وشيق.. منذ أمر الخليفة الثانى عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأن تأتى الكسوة من مصر الكنانة.. مروراً بالعصور المختلفة التى شهدتها مصر.. وحتى آخر كسوة صنعتها مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1962، قبل أن تقوم المملكة العربية السعودية بإنشاء دار الكسوة فى مكةالمكرمة.. وهنا التفاصيل حول كسوة الكعبة وأسرار صناعتها وتجهيزها حتى تبدو فى هذه الصورة الزاهية.. وتشرفت مصر لعقود طويلة بصناعة كسوة الكعبة المشرفة منذ أن أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) عامله فى مصر بذلك لشهرتها بصناعة الأقمشة والأنسجة خاصة نسيج القباطى، وقد ظل هذا التقليد متبعاً لعصور إسلامية متتابعة ففى العصر الفاطمى كانت ترسل الكسوة كل عام إلى مكة وكانت بيضاء اللون أما فى العصر الأيوبى فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب كان يقام احتفال خاص بها وهو ما عرف بالمحمل. ولم يكن للكسوة فى بادئ الأمر دار مخصصة إلى أن خصص لها مشغل خاص بها بقلعة صلاح الدين وكان بالقصر الذى كان يعرف باسم قصر يوسف ولما قدمت الحملة الفرنسية عام1798 قام نابليون بونابرت بنقل دار الكسوة من قصر يوسف إلى بيت مصطفى بك أمير الحج، وفى عصر محمد على باشا شهدت صناعة الكسوة تطورًا كبيرًا حيث أفرد لها قسمًا فى مصنع الخرنفش للأقمشة أو ورشة خميس العدس وقد استمر العمل بها فى إنتاج كسوة الكعبة حتى عام 1962م فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر حيث توقفت مصر عن إرسال الكسوة وحظت المملكة العربية السعودية بشرف صناعتها بإقامة مصنع بمنطقة «أم الجود» بمكةالمكرمة. وكان القسم المخصص لكسوة الكعبة بمصنع الخرنفش يضم سبعين ماكينة وثلاثمائة نول لغزل النسيج بالإضافة إلى آلات عديدة لصناعة الحرير والقطن والأقمشة وكان أهمها فى صناعة الكسوة هو الخيط الذى كان يعرف باسم «المخيش» وهو نوع من الخيوط السلكية الرقيقة التى يتم نسجها من الفضة الخالصة والذهب، وقد كان صناع الكسوة بمصنع الخرنفش وعمال الزركشة يتبعون تقليدًا خاصاً حيث يكونوا جميعاً على وضوء وقبل بداية العمل كانوا يقوموا بترديد جماعى لسورة الفاتحة ثم يطلقون البخور وعندما يشعر العمال والصناع بالإجهاد وسال العرق من أيديهم كانوا يقومون بغسلها فى أطباق بها ماء الورد. كانت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية برئاسة د. مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار قد قررت تسجيل دار الكسوة بالخرنفش فى عداد الآثار وذلك للقيمة التاريخية والروحانية لها التى ارتبطت بالكعبة، وقد قمنا بزيارة الدار والذى كان مغلقاً نظراً لاستغلال وزارة الأوقاف له كمخزن. وقد ورد بأخر وثيقة مصرية حررت وسلمت للحجاز عام 1961م أن كسوة الكعبة التى تنتجها مصر كانت تتكون من ثمانية أحزمة وأربعة كرداشيات وهى عبارة عن زخارف كتابية فى شكل دائرى لها تكوينها الخاص، جميعها مزخرفة ومزركشة بخيط المخيش على أطلس أسود واخضر ومركبة على ثمانية أحمال من الحرير الطبيعى الأسود الكمخى ومبطنة بالبفتة البيضاء، وتتكون هذه الأحمال من 52 ثوبًا من قماش الحرير الكمخى طول الثوب الواحد كان 14.8 متر وعرضه متر واحد فقط .أما ستارة الكعبة والتى تسمى «البرقع» فكانت مزخرفة ومزركشة بالمخيش على حرير أطلس أسود وأخضر وأحمر ومبطنة بالبفتة البيضاء وكذلك بالحرير الأصفر، أما ستارة باب التوبة فهى من الحرير الأطلس الأسود والأخضر والأحمر ومزركشة بالمخيش ومبطنة بالبفتة البيضاء و النوار وهو شريط منسوج من القطن يوضع على ملتقى العرضين، أما كيس مفتاح الكعبة المشرفة فهو من الأطلس الأخضر ومزركش بالمخيش. ولموكب المحمل قصة أخرى.. فقد كان يمتاز بالنظام الدقيق فكل فرد فيه يعرف حدوده وواجباته ووظيفته داخل الموكب وكان تقسيمه كما يلى، أمير الحج وهو كبير قافلة الحجاج ومسئولها الأول فى كل شئونها وهو بمثابة رئيس بعثة الحج الرسمية فى أيامنا هذه، دوادار أمير الحج وهو كاتب الأمير ويقوم بتنظيم سير ركب المحمل والطواف على الحجاج ليلاً للحراسة أو نهارًا للمعاونة، أما قاضى المحمل فيتولى إصدار الأحكام الشرعية بين الحجاج. وشهود المحمل وهم اثنان من أهل الخبرة والعدالة ويتم تعيينهم من جانب قاضى المحمل، والمشرف على جمال وخيول المحمل ومشرف التموين والمطبخ والمياه، ومنظم سير المحمل ويقوم بتنظيم سير المحمل للحفاظ على تمام عدد الركب وما يحمله من أشياء والميقاتى والمؤذن وطبيب المحمل ومهتار الطشتخانة والذى يقوم باحضار الماء للوضوء وغسل الأيدى ومهتار الشراب خانة ويقوم باحضار المشروب فى أوانى فضية ونحاسية، هذا إلى جانب الخباز والنجار والجزار وغيرهم الكثيرون. وقد وصف الرحالة الإنجليزى إدوارد وليم لين المحمل عام1834م بأنه إطار مربع من الخشب هرمى القمة له ستر من الديباج الأسود عليه كتابة وزخارف مطرزة تطريزاً فاخرًا بالذهب على أرضية من الحرير الأخضر أو الأحمر فى بعض الأجزاء ويحده هدبه حريرية وشراريب يعلوها كرات فضية ويحمل كل ستر فى قسمه الأعلى منظرًا للكعبة مطرزًا بالذهب.وقد وصل التقديس للمحمل إلى درجة تقبيل خف جمل المحمل فقد فرض ملوك مصر على جميع حكام البلاد التى كان يمر عليها بأن يقبلوا خف جمل المحمل عند استقباله، وهذا من رواسب موروث الانحدار والقهر الاستعمارى فى العصر المملوكى. أما الكسوة الحالية والتى تصنعها المملكة العربية السعودية فتصنع من الحرير الطبيعى الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه «سبحان الله وبحمده سبحان الله» و «لا إله إلا الله محمد رسول الله» و «الله جل جلاله العظيم» و «ياحنان يامنان» كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً ويوجد فى الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض 95سم وهو مكتوب عليه الآيات القرآنية ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضى مطلى بالذهب ويبلغ طول الحزام 47 مترًا ويكون من 16 قطعة. كما تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعى الخالص ويبلغ ارتفاعها 7 أمتار وبعرض 4 أمتار مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية ومطرزة تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وتبطن الكسوة بقماش خام، كما يوجد ست قطع آيات تحت احزام وقطعتة الأهداء ويبلغ طول ستارة باب الكعبة 7.5متر وعرض 4أمتار مشغولة بالآيات القرآنية. وكل ماسبق يتم من خلال منظومة تمر ب 6 مراحل وهى مرحلة الصباغة حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعى فى العالم ويجرى تامينة على هيئة خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعى تسمى «سرسين» وهى تجعل لون الحرير يميل إلى اللون الأصفر ويتم صبغاته على مرحلتين الأولى إزالة الصمغ والصباغة، أما الثانية فهى مرحلة النسيج وتمر بثلاث مراحل التسوية ومرحلة النسيج اليدوى ثم النسيج الآلى. والمرحلة الثالثة هى التصميم أما المرحلة الرابعة «الطباعة» يتم فيها تجهيز المنسج وهو عبارة عن ضلعين متقابلين من الخشب يشد عليها قماش خام ثم يثبت عليه قماش حرير أسود سادة غير منقوش وهو الذى يطبع عليه الحزام وستارة باب الكعبة، والمرحلة الخامسة وهى مرحلة التطريز وتتم بوضع الخيوط القطنية فوق الخطوط والزخارف المطبوعة ثم يطرز عليها بخيوط متراصة من القطن الأبيض وبالأسلاك الفضية فى اتجاهات متقابلة. أما المرحلة السادسة فهى مرحلة المختبر ويتم من خلالها قياس درجة اللون وثباته وسماكة القماش وقوة الخيط للقماش ومدى مقاومته للحريق.