هى ليست مجرد قضية فقهية ويجب ألا تكون فى مجتمع لا يذوق فيه كثير من الفقراء طعم اللحوم من العام للعام.. هى فرض كفاية لكل مسلم وواجب اجتماعى متكافل مطلوب. عن «صكوك الأضاحى» نتحدث.. وفقا للدراسات والإحصائيات، تقدر عدد الأسر التى تقوم بإحياء سنة الأضحية فى مصر بنحو 7 ملايين أسرة، يتركز نحو 80% منهم فى القاهرة الكبرى والإسكندرية، وأن الذبائح فى هذا الموسم تتراوح بين ذبائح الضأن والماشية والإبل، وأن كميات اللحوم التى يجب على هذه الأسر توزيعها بمقتضى الشريعة الإسلامية، 140 ألف طن لحوم، هذا بافتراض أن متوسط وزن الأضحية 20 كيلو جراما وأن هذه الكميات الضخمة لا يتم الاستفادة القصوى منها، نظرا لعدم تحقيق الاستفادة القصوى من هذه اللحوم لغياب التنظيم والترتيب الجيد. الأضحية فى الشرع هى ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى تقرباً إلى الله عز وجل، وهى من العبادات المشروعة فى كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى فى صورة الكوثر: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ»، وقوله أيضا فى سورة الأنعام: «قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين». التنافس فى الخير وهناك دراسات عديدة تشير إلى أن آلاف العائلات، خاصة من قاطنى المناطق الحضرية ممن ليس لديهم المكان الملائم لتربية المواشى أو لذبحها أيام العيد تضطر إلى ترك هذه السنة رغم قدرة هذه العائلات على أدائها، ومن هذا المنطلق كان حرص عدد من الجمعيات الأهلية الرائدة فى العمل الخيرى على التنافس فى تقديم أنسب السبل لهذه الأسر لمساعدتها على إقامة هذه الشعيرة الإسلامية، وأول ما بدأ عمل هذه الجمعيات كان عبارة عن التنسيق بين راغبى الاشتراك فى الأضحية والقيام بتوفير مكان لهذه الأضاحى وذبحها وإعطاء نسبة من الضحية لصاحبها، ثم القيام بتوزيع الباقى على الفقراء، خصوصا أن بداية الفكرة ارتبطت بمناطق راقية مثل جمعية مسجد محمود بالمهندسين وجمعية رابعة العدوية بمدينة نصر، وبعض فروع جمعية الأورمان. وفى موسم 2006، أعلنت جمعيتا بنك الطعام ودار الأورمان عن تدشين مشروع صكوك الأضاحى، وذلك بعد أن أباح د.على جمعة مفتى الجمهورية السابق، فى فتوى رسمية له الصك، مؤكدا أن الصك نوع من أنواع الوكالة، وهى جائزة فى النيابة عن الذابح فى الأضحية، وأنه يجب على الوكيل- وهو البنك أو الجمعية الخيرية- أن يراعى الشروط الشرعية للأضحية، وأن «صك الأضحية» من المشروعات الناجحة، التى تعود بالفائدة على سائر المسلمين فى كل مكان، وأصبحت هناك جمعيات كبرى تقوم بهذا الدور بمصر وفى مقدمتها جمعية الأورمان وبنك الطعام. وأشارت دار الإفتاء فى نص الفتوى الرسمية إلى جواز الإنابة فى ذبح الأضحية، وذبحها فى بلاد أخرى مثل الأرجنتين وأستراليا وتوزيعها فى مصر، وأنه مادام الوكيل مسلماً، فلا مانع من صك الأضحية، وأنه لا يشترط فى الأضحية الذبح ببلد المضحى، وأن التوكيل فى شراء الأضحية من خلال «صك الأضحية»، كان يحدث فى عهد التابعين وأجازه العلماء وقتها. وكشفت الفتوى أن حضور المضحى لضحيته أمر مستحب وغير واجب، وجاء فى نص الفتوى «يجوز لدار الأورمان وبنك الطعام ذبح الأضاحى فى أى بلد خارج مصر»، كما استفاضت بذلك نصوص الفقهاء، كما يجوز نقلها إلى مصر بعد ذبحها لتوزيعها على المحتاجين، مع الحفاظ عليها من الفساد والتغير، وذلك توخيا للمصلحة الشرعية فى توزيع الأضاحى على الفقراء والمحتاجين، حيث إن البلاد التى يتم فيها الذبح لا يوجد فيها فقراء مسلمون يحتاجون إلى الكميات الكبيرة من الأضاحى. رأى مخالف وفى الوقت الذى ذهب فيه بعض علماء الأزهر إلى عدم جواز العمل بهذه الصكوك، لأنه على المُضحى أن يقف على أضحيته أثناء عملية الذبح والتوزيع لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لابنته السيدة فاطمة ''اشهدى أضحيتك''، لأن الله يغفر بأول قطرة دم منها، فضلا عن عدم منطقية أسعارها، كونها أقل بكثير من السائد فى الأسواق. جاء رأى الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، بأنها جائزة شرعا، ويكون ثوابها نفس ثواب الأضحية، ولكن من الأولى أن يقف المُضحى على رأس الأضحية، وقال: إن الأضحية هى سنة فى حق القادر عليها وشرعت شكرًا للمنعم عز وجل على نعمه، التى منحها لخلقه، ولذلك فمن الأفضل للمُضحى أن يشهد الأضحية وأن يذبحها بيده إذا كان قادرًا، وإن لم يكن قادرًا فليشهد عملية الذبح. وأضاف أن المضحى إذا لم يكن قادرًا على الذبح بنفسه أو مشاهدة الذبيحة، فيجوز شراؤه لصك الأضحية، وأنه يجوز ل 7 أسر الاشتراك فى الأضحية، إذا كانت جملا أو بقرة أما الخروف فيكون لأسرة واحدة. «كل من يلجأ إلى شراء صكوك الأضحية» فى رأى محمد عادل، مهندس مدنى مقيم بمنطقة العجوزة بالجيزة، يكون مضطرا ولا يمتلك القدرة على الاختيار، لأنه لو لديه القدرة على شراء الخروف وذبحه فى منزله ما تراجع عن ذلك لما فى ذلك من متعة لا يمكن وصفها، فإن الوقوف على الذبيح ينطوى على متعة لا تقدر. لكن الكثير يلجأ إلى هذه الجمعيات، لكى تقوم عنه بالشراء والذبح لأنه لا يمتلك مكانا مناسبا يحتفظ فيه بالخروف إلى ساعة الذبح ولا يستطيع توزيع اللحوم لو كان من قاطنى المناطق الراقية التى لا يسكن بها فقراء مثل التجمع الخامس وغيرها، فضلا عن أن خروجه إلى المناطق الفقيرة لتوزيع اللحوم أمر قد لا يحقق النفع لأنه هناك الكثير من النصابين ممن يشكلون تشكيلات لجمع هذه اللحوم من أصحاب الأضاحى وهم لا يستحقون، وبالتالى فإن اللجوء إلى الجمعيات أفضل فى التوزيع. فالذبح عبر صاحب الأضحية أفضل، كما أكد عادل، لكن ما باليد حيلة، فالمسلم القادر الحريص على أداء الشعيرة يقوم باللجوء إلى الجمعية التى يثق فيها لشراء صك وإنابة القائمين على الجمعية بالذبح عنه، وإن كانت بعض الجمعيات تدعو أصحاب الأضاحى للوقوف على ذبحها فى المجازر، وبالفعل يحرص أصحاب هذه التوكيلات على حضور الذبح وإن كان منهم لا يستطيع الحضور، خصوصا لو كان من المقيمين فى الخارج وهنا يمكن القول بأن «الضرورات تبيح المحظورات». مصطفى محمود ونجحت جمعية مسجد محمود بالمهندسين، وفقا للدكتور محمد الزناتى رئيس مجلس الإدارة، فى أن تكون سباقية فى تنفيذ مشروع الأضاحى، الذى بدأ منذ ما يقارب 10 سنوات، وأن هذا المشروع انطلق من الحرص على تشجيع المصريين خاصة من القادرين على إحياء هذه الشعيرة، وتوفير كل البدائل المناسبة لهم للتغلب على ما يمنعهم من أداء هذه السنة، خاصة بعض قاطنى الأماكن الحضرية، ممن لا يتمكنون من إحياء سنة الأضحية لعدم وجود أماكن تصلح للذبح أو لتربية الأضاحى، فضلا عن وجودهم خارج البلاد. وتتقبل لجنة الخدمات الاجتماعية بالجمعية قيمة الأضحية، التى تتراوح بين 1500 و2400 جنيه للخراف و1450 و2400 جنيه للمشاركة فى العجول، على أن يكون نصيب المتبرع من الخراف الكتف الأيمن أو الفخذة، ويكون نصيب المشارك فى العجول 5 كيلوجرامات، على أن تتولى الجمعية القيام بتوزيع باقى لحوم الأضاحى على الفقراء فى مختلف محافظات مصر. ويقوم كل من يمتلك القدرة المالية والرغبة فى إحياء هذه السنة بالتبرع للجمعية بمبلغ يتم بموجبه شراء الأضحية له سواء كان ذلك «خراف» أو «عجول» بالمشاركة على أن يحصل على جزء منها ويتم توزيع الباقى، وأن عملية توزيع لحوم الأضاحى تتم من خلال الجمعية وشركائها فى مختلف ربوع مصر، حتى يعم الخير، وأنه يتم توجيه الدهوة لكل أصحاب الصكوك لحضور عمليات ذبح الأضاحى لكى يشهدوا إقامة الشعيرة. وبالفعل، كما كشف الزناتى، يحضر إلى أماكن الذبح كثير من أصحاب الأضاحى، لكن الأمر لا يكون لزاما عليهم، لأن الصكوك تهدف بالأساس إلى توفير المشقة على المضحى ونشر الخير وتعزيز مفهوم التكافل بين الناس ونقل اللحوم من المناطق الغنية إلى الفقيرة، مشيرا إلى أن الجمعية تستهدف هذا العام توزيع لحوم نحو 150 عجلا يتم ذبح حوالى 95 منها فى الجمعيات الشريكة، التى ستقوم باستلامها قبل العيد بأيام ثم تقوم بذبحها وتقطيعها وتوزيعها على الفقراء، فيما تقوم الجمعية بذبح باقى الأضاحى. بلدى ومستورد وجمعية مثل دار الأورمان للخدمات الاجتماعية تقوم هذا الموسم بذبح حوالى 1100 طن لحوم بما يعادل مليون ومائة ألف كيلو من اللحوم البلدى والمستوردة، التى يتم ذبحها ابتداء من أول أيام العيد وحتى عصر اليوم الرابع من أيام التشريق بالبرازيل تحت إشراف لجنة من الأزهر الشريف ولجنة من الطب البيطرى ويشرف عليها مسئول من وزارة الشئون الاجتماعية والجمعية بتكلفة حوالى 35 مليون جنيه. وتقدر قيمه الصك فى العجل المستورد، وفقا للواء ممدوح شعبان مدير عام الأورمان، بنحو 890 جنيها، الذى يتراوح وزنه ما بين 410 كجم و 415 كجم، والصك بقيمه 1190 جنيها للعجل البلدى الصغير، الذى يتراوح وزنه بين 325 كجم و330 كجم و1390 جنيها قيمة الصك فى العجل البلدى الكبير، الذى يتراوح ما بين 390 كجم الى 400 كجم. ويعد مشروح صك الأضحية من المشروعات الناجحة التى تقوم به جمعية الأورمان، وأن هذا المشروع يلقى إقبالا متزايدا، لكونه يعود بالفائدة على سائر المسلمين فى كل مكان، فضلا عن أنه محاولة جادة من الجمعية لايصال اللحوم إلى أقاصى قرى و نجوع مصر طوال العام وفقا للخريطة الاجتماعية، حيث يستهدف المشروع هذا العام مليون ومائة ألف أسرة مصرية يتم الوصول لهم بالتعاون مع أكثر من 5 آلاف جمعية خيرية صغيرة. نموذج تعاونى وفكرة إصدار «صك الأضحية» بدأت من خلال بنك الطعام المصرى، وفقا ل «معز الشهدى» العضو المؤسس والرئيس التنفيذى لبنك الطعام، حيث يقوم العملاء بشراء الصكوك من منافذ البيع العديدة والمختلفة لبنك الطعام، ليتولى بعدها بنك الطعام عملية الذبح نيابة عن العملاء وتوزيع اللحوم بشكل عادل بما يتفق مع مقاصد الشريعة والواقع المعاصر على الفئات غير القادرة. ويتميز «صك الأضحية»، بأنه نموذج تعاونى حى بين أفراد المجتمع لتطبيق الشعائر الدينية بأسس حضارية، وأنه يتيح فرصة أكبر للاستفادة من لحوم الأضاحى وتوزيعها على المستحقين فى كل المحافظات فى أيام عيد الأضحى المبارك، وكذلك شهرياً على مدار العام، وذلك عن طريق القيام بإعداد المعلبات من الخضار مع لحوم الأضاحى المحفوظة والصالحة لمدة أكثر من عام. وعن الإنجازات التى تحققت فى هذا الإطار، وفقا للشهدى، فإنه فى العام الأول لتدشين الفكرة 2006، تم إطعام 36 ألف أسرة ب 25 محافظة من خلال 160 جمعية أهلية، فضلا عن توفير 60 ألف علبة خضار جاهزة للتوزيع على مدار العام، وفى 2007 تم إطعام 100 ألف أسرة، لتصل هذه اللحوم إلى حلايب وشلاتين من خلال أسطول من العربات المجهزة لنقل اللحوم الطازجة خلال أيام العيد، وتم تصنيع 750 ألف علبة جاهزة معلبة مع الخضار. أما العام 2008 تم إطعام 200 ألف أسرة، وإنتاج مليون علبة جاهزة ومعلبة مع الخضار، وفى العام 2009، تم توزيع لحوم الأضاحى على 500 ألف أسرة، فضلا عن إنتاج 3 ملايين علبة، وفى 2010، استطاع صك الأضحية أن يوفر برنامج اطعام لمليون اسرة، وإنتاج 8 ملايين و500 ألف علبة، وفى 2011، تم الوصول إلى مليون 200 ألف وأكثر من 12 مليون علبة، أما العام الماضى استطاع البنك من خلال منتج صك الاضحية ان يوفر اطعام لمليون ونصف اسرة مصرية و15 مليون علبة على مدار العام. وكانت فكرة الاستعانة بكمية إضافية من الأضاحى المستوردة من استراليا، وفقا ل «معز الشهدى»، أحد أليات تطوير المشروع، وأن طرح هذه الكميات فى السوق كبديل جديد يتمتع بمحور اقتصادى عام وسعر أقل تصب لصالح المجتمع ككل ومحور خاص لخدمة شريحة أكبر من المضحين، وأنه تم الاتف6اق مع إحدى المؤسسات الأهلية باستراليا على اختيار والتعاقد على الأضاحى، وتم الاتفاق على إتمام عملية الذبح والتنظيف والتقطيع وإرسال الأضاحى مغلفة وجاهزة لعملية التعبئة فى معلبات وللتوزيع خلال العام، وذلك فى وجود مندوب من بنك الطعام ليشرف بنفسه على عملية الذبح، التى يقوم بها جزار مسلم كذلك التقطيع. رسالة المتطوعين الأمر مختلف عند القائمين على جمعية رسالة، التى يرأس مجلس إدارتها د. شريف عبد العظيم، حيث تحرص الجمعية دوما على تبنى أفكار جديدة للتبرع فى موسم الأعياد، وبالفعل قامت الجمعية العام الماضى على تنفيذ حملة للأضاحى بجميع المحافظات من أجل نشر الخير، وكانت من ضمن ما أنجزته أنها قامت بشراء 590 عجلاً، وتم ذبحهما أول وثانى وثالث أيام عيد الأضحى فى القاهرة والمحافظات، وأنه تم توزيع 87 طنًّا من اللحوم على الأسر المستحقة، و25 طنًّا أخرى على الأسر المحتاجة فى مناطق مختلفة داخل القاهرة والجيزة. وتستعد الجمعية للموسم الجديد بتجهيز قرابة 1500 متطوع، لكى يقوموا بتوصيل اللحوم إلى منازل الفقراء، وأن الجمعية تقوم عبر المتطوعين جمع اللحوم من منازل المتبرعين من المضحين والقيام بتوزيعها على الأسر المستحقة من الفقراء، وأنها تستهدف توزيع اللحوم على نحو 10 آلاف أسرة من خلال قسم المساعدات، الذى يقوم بتوزيعه على عدد من الأسر المقيدة بكشوف الجمعية، التى يتم مساعدتها بشكل دورى، بالإضافة إلى توزيع نحو 200 طن من اللحوم من خلال القوافل فى القاهرة والمحافظات.