تمر بنا ذكرى أكتوبر المجيد، فنتذكر بالفخر والاعتزاز جيلاً صامداً من المصريين رفض هزيمة عام 1967، ولم يستسلم أو يضعف أو تنكسر إرادته، عاش صدمتها وتحمل معاناتها، وقف بجانب جيشه بعطاء دون حدود، خلال حرب استنزاف مريرة وحرب تحرير شرسة، وقدم العديد من التضحيات من أجل استرداد أرضه المحتلة، واستعادة عز الوطن وكبريائه . لقد كانت حرب أكتوبر عام 1973 هى حرب كل المصريين بكل طوائفهم وأعمارهم واتجاهات أفكارهم وكان نصر أكتوبر هو نصر كل المصريين، نصر الشهداء الأبرار، نصر المقاتلين الشجعان، نصر كل أسرة قدمت شهيداً ومصاباً ومحارباً شارك فى أطهر كفاح لإعلاء الكرامة الوطنية والعربية، نصر كل أبناء الوطن الذين لتحموا فى وحدة مقدسة وأدوا دورهم فى جبهة القتال وعلى الجبهة الداخلية من أقصاها إلى أقصاها، نصر جدير بأن تحتفل به كل الأجيال عالية الرأس موفورة الثقة بالنفس فخورة بأغلى عطاء قدمته الوطنية المصرية لتحرير الإرادة المصرية وتطهير التراب من كل عدوان آثم تصور أن هذا الشعب العريق يمكن أن يستسلم للهوان . لقد رفض الشعب المصرى العظيم فى أعقاب الهزيمة محاولات تكريس روح اليأس داخله وتمسك بوحدته الداخلية وظل على ثقته فى قدرة قواته المسلحة على استرداد الأرض والكرامة مهما تكن المصاعب والتضحيات. وعندما وقع العبور العظيم واقتحمت القوات المصرية قناة السويس ودكت الساتر الترابى الضخم وحطمت خط بارليف وحصونه المنيعة ورفعت أعلام مصر فوق ربوع سيناء، استردت مصر عافيتها واستعاد المصريون كرامتهم وتحطمت على أرض المعركة أوهام وأساطير القوة والهيمنة . لقد مضى على حرب أكتوبر المجيدة أربعون عاماً، وهذا يعنى أن أجيالاً بأكملها لم تعاصر هذه الحرب التى أعادت لمصر مكانتها وألزمت الإسرائيليين بالرحيل عن كل شبر من أرض سيناء وفتحت أبواب التسوية العادلة لمشكلة الشرق الأوسط التى استنزفت طاقات المنطقة أكثر من نصف قرن تحمل فيها الشعب المصرى تضحيات جساماً أثقلت كاهل الاقتصاد الوطنى وعطلت خطط التنمية وأعاقت مشاريع الإصلاح حتى تهالكت مرافق مصر وبنيتها الأساسية . وها هو أكتوبر يأتى إلينا هذا العام ويحمل معه ألاماً لم نكن نتوقعها أو ننتظرها على سيناء أرض الانتصار العظيم، لقد حمل معه تحديات فئة قليلة ضالة أو مضللة، هددت أمن البلاد وسفكت الدماء الغالية للمدنيين والشرطة والجيش بغير الحق، وتحالفت مع الشيطان بغير وعى، متناسيةً أن إرادة الشعب سوف تنتصر فى النهاية مهما تكن العقبات لأن العيش والحرية والكرامة الإنسانية هى مطلب كل الشعب، وأن الذين يعادون تلك المبادئ مهما يكن صلفهم أو عنادهم لن يكون لهم مكان بين شعب جديد ينشد الأمن والرخاء. وما أحوجنا هذه الأيام أن نتذكر معانى وقيم نصر أكتوبر العظيم وأن نلتف حولها فى موكب واحد حاملين رايات البناء والتعمير وزيادة الإنتاج وإصلاح الأخطاء وتوفيرالموارد الجديدة وملاحقة تطورات العصر فى كل مكان. شعب عظيم إذا كانت أنظار العالم متجهة اليوم إلى مصر بكل الاحترام والتقدير لحربها ضد الإرهاب فإنها متطلعة أيضاً إلى مصر التى تبنى مجتمعاً جديداً يحقق العدل والفرصة المتكافئة سعياً إلى الحياة الكريمة الجديرة بكل المواطنين. فلا يجب أن نبدو أمام العالم بلداً للفرقة والانقسام، ولا نبدو أيضاً أمام العالم شعباً متطلعاً إلى المعونات، إن مكانتنا رفيعة وعلينا أن نعلى هذه المكانة دائماً وخاصة ونحن نعيش أحداثاً بالغة الخطورة تحاصر تفكيرنا ليل نهار وترهق عقولنا، لتجنيب بلدنا صراعات شرسة يدرك كل العقلاء مدى ما يمكن أن تحدثه من آثار مدمرة ونتائج دامية . إن شجاعة الحكم والحاكم ليست هى فى دفع الشعب إلى هاوية هلاك وخراب، ولكن الشجاعة الحقة هى فى العدول عن قرار خاطئ لن يجلب إلا الدم والضحايا من الأبرياء، الشجاعة الحقة هى فى مواجهة النفس بالحقيقة البسيطة التى لا يختلف عليها اثنان وهى، أنه من المستحيل أن يكون قرار شخص أو فصيل واحد هو الصواب وقرار المجتمع بكل أطيافه وألوانه هو الخطأ . إن طلائع الشباب التى قادت ثورة 30 يونيو 2013 كانت تدعو إلى لغة عصر جديد ينبذ الفساد ويشدد على حقوق الإنسان ويفتح نوافذ الحرية أمام الشعب ويستبعد فلسفات الفتنة والعنف ويحض على التعايش الآمن والمنافسة فى مجالات التقدم الإنسانى. وإذا كان هناك من لا يزالون يتوهمون أن الثورة يمكن أن تنتكص على عقبيها، وأن المجتمع المصرى يمكن أن يتجه مرة أخرى إلى نهب ثرواته وإغراقه فى ثالوث الفقر والجهل والمرض، فهؤلاء هم الواهمون من فلول نظاماً خلع. وإذا كان هناك من لا يزالون يتصورون أن وجودهم حتمى وضرورى، وأن أدوارهم خالدة فيتعصبون لرؤاهم ويقصون ما سواهم ويضفون على أنفسهم زوراً ثوب القداسة والخلود - كى يبتلعوا حقوق الآخرين - فهؤلاء أيضاً بقايا نظام إرهابى سقط. نحو مستقبل أفضل إن القوات المسلحة المصرية والشعب معها، وهى تعبر بمصر من اليأس إلى الرجاء، ومن الظلام إلى النور، تؤمن بأن أغلى ما لديها هو تماسك شعبنا، فأهدافنا واحدة تستشرف المستقبل الأفضل، وإن تعددت الرؤى حول أفضل السبل المؤدية إليه فنحن نلتقى حول ما يجمعنا لا ما يفرق بيننا، لنُعلى جميعاً مصالح الوطن. نحن نعمل الآن لبناء دولة مدنية حديثة، تواكب واقع العالم فى القرن الحادى والعشرين، تقف بجانب الفقراء والبسطاء، وتدفع بكل فئات شعبها إلى الأمام، تُنمى اقتصادها ومصادر ثروتها، لا تخلط الدين بالسياسة، تؤكد مفهوم المواطنة قولاً وعملاً، وتحفظ الوحدة الوطنية بين أبنائها من المسلمين والأقباط . لقد قطعت القوى الوطنية المتوحدة شوطاً مهماً على خريطة المستقبل، لكن نجاحها فى بلوغ أهدافها لا يزال معلقاً على أن تحمى مسيرتها من أعدائها وتحافظ على مناخ الاستقرار الآمن الذى تتربص به قوى عديدة تبذل المستحيل إما لتعيد عقارب الزمان إلى الوراء أو تدفع بمصر مرة أخرى إلى دوامة الفوضى والخلاف أو تبنى لنفسها أمجاداً زائفة على حساب الثوار. لقد آن للإنسان المصرى أن يسهم بالجهد المترابط المتكامل لكى يستعيد هذا الوطن العظيم مكانته ويتقدم إلى مكانه الطبيعى، وهو يملك كل إمكانيات النجاح والتطور. وأقول بكل الأمل إننا لا يجب أن نضع بأيدينا العقبات التى تعوق خطى إقدامنا إلى الأمام، والأجدر أن ننظر إلى مسئوليتنا أمام الأجيال القادمة، لا نريد لأنفسنا حكماً قاسياً من هذه الأجيال مؤداه أننا أضعنا الفرص وسفكنا الدم وأهدرنا الموارد ودرنا حول أنفسنا فى حلقات مفرغة من التشتت والتمزق والمزايدة.