أيقنت مؤخرا أن أهم سبب فيما يحدث الآن فى وطنى العزيز مصر هو صراع للبحث عن هوية فكل فئة سياسية تعتقد أن هويتها هى الأصلح لتكون مرجعية الدولة وهذا ما جعلنى اتساءل ما هى هويتنا ؟ هل نحن فراعنة أم عرب؟ هل نحن أفارقة أو ربما ننتمى لشعوب البحر المتوسط ؟ كل هذه أسئلة لكن من المؤكد أننا ننتمى ثقافيا للإسلام ، فأى عصر من عصور الحضارة الإسلامية يمكن أن نستلهم منه مستقبلنا؟ العصر الأول للإسلام أم الفاطمى أم المملوكى أم العثماني، فى الحقيقة عظمة التاريخ المصرى واشتماله على عصور وثقافات متنوعة يجعلنا نقف موقفا صعبا لتحديد أى من هذه الهويات أثرت فى حياتنا، وأن هذا التنوع التاريخى الذى شهدته مصر وكان يدرس لنا فى المناهج الدراسية على أنه ميزة خصت بها مصر زادنا حيرة لأنه لم يضع يدنا على شكل محدد للهوية الحضرية وأصبحنا تائهين بين هذه الثقافات المختلفة التى أوصلتنا إلى الخلافات الفكرية أحيانا ،والصراعات الطائفية. وقد يلخص الصراع القائم على الدستور والذى دائما ما يقتصر على المادة الثانية فيه والتى تختص بالهوية فالإسلاميون يريدونها إسلامية والليبراليون يردونها مدنية، وهذا المنطق لا يتمشى مع تاريخ دول عظيمة التاريخ مثل مصر، وقد يكون جائزا فى دولة فقيرة تاريخيا حديثة العهد مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية أما فى حالتنا فمن الصعب أن ننبذ ماضيًا عظيمًا و نبحث عن مستقبل مجهول حتى إذا ظن البعض أن علينا أن نبنى حضارة جديدة بمفهوم وثقافة مختلفة فهذا كلام نظرى لا يتطابق مع الواقع فى الشارع المصرى وهذا ما أدركه حكام تركيا عندما قرروا بناء دولة حديثة حيث ثاروا على ما اعتبروه تخلفا ولم يثوروا على حضارتهم مدركين أنه يجب أن تنطلق تركيا الجديدة من الثقافة العثمانية وتراثها العظيم مما جعل المواطن البسيط يتقبل المفهوم الجديد للدولة و حتى الآن ورغم أن هذه الدولة متناقضة الثقافات تجتمع تحت راية عثمانية فى الأصل. ولذا يجب أن نتعلم الدرس فالشعوب هى التى تحدد هوية الدولة وليس المثقفون والنخبة السياسة التى تتحدث من أبراج عاجية بعيدا عن الواقع الذى أظن أنه فى النهاية سوف يفرض الهوية العربية الإسلامية ، فإذا ما انتهينا إلى قناعة بهذا الشأن فلا داعى للمتاجرة بهذه المسألة من الجانبين جانب التيار المتأسلم أو التيارى العلمانى ومستوردى الهوية، فمصر العظيمة رفضت كافة الثقفات الاستعمارية وسوف ترفض أية هوية شاذة عن سياق المجتمع المصرى فليس هناك مجتمع يملك كل هذا الثراء الحضارى ويتسول من الغرب هويتة، فنحن المصريين صناع حضارات لا نستوردها ولكن فقط نصدرها.