اتسمت شخصية الأعمى فى الدراما بخفة الظل وامتلاك البصيرة، وأطلت علينا من خلال شاشات السينما والتليفزيون وخشبات المسرح، وتنوعت مابين أدوار رئيسية وثانوية، وأبرزت قدرات بعض الممثلين فى تجسيد ملامحها الإنسانية، وتلون الأداء بين التراجيدى والكوميدى، وظل النص المكتوب معياراً للتعبير الزائف والصادق عن المحرومين من نعمة البصر. وتعد شخصية «ترزياس» أول شخصية درامية عبرت عن الأعمى الحكيم، وظهرت فى التراجيديا اليونانية من خلال مسرحية «مأساة أوديب» الشهيرة للكاتب سوفوكليس، وظل الراوى ضيفا دائما فى الأعمال المسرحية اللاحقة، وتجلت سماته بين ربط الأحداث والتعليق عليها، والتنبؤ بما سوف يحدث. واحتفى الإبداع العربى بشخصية الحكيم الأعمى « ترزياس»، واستلهمها الكتاب فى العديد من أعمالهم، وتعدد ظهورها فى فضاء القرية والمدينة والحارة الشعبية، وبدت شديدة الثراء والعمق فى أعمال قليلة، بينما مالت أخرى إلى الإستخفاف والسطحية. وتمرد بعض الكتاب على الإطار التقليدى لشخصية الحكيم الأعمي، ورسموا شخصيات ذات ملامح إنسانية شديدة الثراء، وتقارب الواقع إلى حد كبير، ومنها رائعة يحيى حقى «قنديل أم هاشم»، والتى تحولت إلى فيلم سينمائى للمخرج كمال عطية، وتناول شخصية فتاة فقدت بصرها نتيجة المعتقدات الشعبية الخاطئة، وعلاجها بزيت القنديل، والتى جسدتها الفنانة سميرة أحمد بأداء متميز، وكأحد الأدوار المهمة فى مشوارها الفنى. ولعل مسلسل «الأيام» من أهم أعمال السيرة الذاتية فى الدراما المصرية، وتناول قصة حياة عميد الأدب العربى د. طه حسين، وقام بتأليفه أميرة الصاوى وأنور أحمد، وأخرجه الراحل يحيى العلمي، ولعب الشخصية الفنان الراحل أحمد زكي، والتى كانت نقطة انطلاقه نحو النجومية. وقد ذكر العلمى تفاصيل الإعداد لمسلسل «الأيام» واصحابه أحمد زكى فى زيارة لعائلة عميد الأدب العربي، والتعرف على طبيعة الحياة التى عاشها، وسلوكه مع من حوله، وبعد عرض المسلسل احتفت عائلة العميد بالنجم الشاب وفريق العمل، واعتبرت هذا العمل أفضل عمل درامى عن حياة الدكتور طه حسين. وفى السينما تكرر ظهور شخصية «العميد» فى فيلم «قاهر الظلام» للمخرج عاطف سالم، وقام بالدور الفنان محمود ياسين، وظلت المقارنة قائمة بين المسلسل والفيلم، وأداء ياسين وذكى، واختلف النقاد حول براعة النجمين فى تجسيد تلك الشخصية المهمة فى تاريخ الثقافة العربية. واستهوت المخرج داود عبد السيد شخصية الضرير فى رواية « مالك الحزين» للأديب الراحل إبراهيم أصلان، وحولها إلى عمل سينمائى متفرد « الكيت كات»، ونال النجم محمود عبد العزيز جائزة عن دور الشيخ حسنى الذى يرفض الإعتراف بفقد البصر، ويعيش حياته كأنه مبصر، ويتسبب فى العديد من المفارقات والمشكلات لعائلته وأهل الحى الذى يعيش فيه. ومن أبرز مفارقات شخصية الشيخ حسنى اصحابه لشيخ ضرير مثله فى نزهة نيلية بالقارب الشراعى، ودخول دار سينما، واصراره على ركوب الموتوسيكل، وفضحه أسرار بعض أهالى الحى من خلال الميكرفون فى ليلة عزاء، وبيعه المنزل الذى يملكه إلى تاجر مخدرات مقابل قطع من «الحشيش». ويتجلى الجانب الإنسانى فى شخصية الشيخ حسني، وعلاقته بابنه الوحيد يوسف الذى يحلم بالسفر، وتتحطم أحلامه عندما يعرف أن والده قد باع البيت مقابل المخدرات. واتفق النقاد أن شخصية الشيخ حسنى من أفضل الشخصيات التى جسدت ملامح الكفيف، وبدت ذات أبعاد إنسانية غير مسبوقة فى الكتابة الأدبية والتناول السينمائي، وتمردت على الأطر التقليدية لتلك الشخصية، وأضافت الكثير إلى نجومية الفنان محمود عبد العزيز، وإبراز مواهبه وطاقاته التمثيلية.