يتم الفنان الكبير نور الشريف يوم 28 أبريل الحالي عامه ال67 من عمره المديد بإذن الله، ولهذا الرقم مفارقات مثيرة فى حياته، ففى عام 67 تخرج كأول دفعته بدرجة امتياز فى معهد الفنون المسرحية، وفى نفس العام بدأت انطلاقته الفنية فلعب أول أدواره السينمائية حينما اختاره المخرج الراحل حسن الإمام ليشارك فى بطولة فيلم «قصر الشوق» واختاره فى نفس العام المخرج محمد فاضل ليؤدى دور البطولة فى مسلسل »القاهرة والناس« كما لعب أولى بطولاته المسرحية فى »الأمير الطائر« لمسرح الطفل وقد كانت هذه الانطلاقة القوية فى بداية مشواره كفيلة بأن تجعله أسعد فنان لكن جاءت هزيمة يونيو 67 بكل ما ألقته من ظلال موجعة لم ينج منها الفنان فتأثر بها سلبياً وتسبب له ولكل جيله بل وللمجتمع المصرى كله صدمة كبيرة نالت من إحساسه بطعم النجاح فأصبح على قناعة بأن كل الجمل ستظل ناقصة. وفى تصورى أن البدايات مهمة لاستقراء ما تلاها من نتائج وأن هذه البداية رسمت طريقاً مختلفاً لموهبة نور الشريف فلم تسجنها فى مجال واحد بل حققت لها التنوع والثراء والقيمة الفنية. وحين فكرنا فى الاحتفاء بهذا النجم الكبير تساءل البعض ولماذا نور الشريف؟ شخصياً اعتبرته سؤال لا محل له من الإعراب كما يقولون فى قواعد النحو والصرف فليس كل فعل قابلاً للتبرير لكن سياسة اشمعنا التى صارت تمثل جانباً من ملامح الشخصية المصرية والتى استفحلت فى حياتنا مؤخراً جعلت الرد واجب. فنور الشريف قيمة فنية كبيرة لا يختلف عليها أحد ورصيد فنى لا ينافسه فيه فنان آخر، وإذا لم نحتف به الآن، فمتى إذن نفعل ذلك، إن كل الأشياء تفقد معناها حين تأتى فى غير موعدها أو بعد فوات الأوان. نور الشريف هو صاحب الرصيد الأكبر والأكثر تنوعاً من الأفلام (187) التى حققت نجاحاً جماهيرياً وفنياً فقدم الأفلام الاجتماعية و»اللايت كوميدى والرومانسية والأفلام السياسية« بل وحتى »الخيال العلمى« وهو صاحب الاستحواذ الأكبر على أدب الروائى الكبير نجيب محفوظ فقدم له عشرين رواية فى السينما والتليفزيون. ولا يجب أن ننسى تجاربه الإخراجية التى حالت ظروف انشغاله بالتمثيل دون توهجها واستمرارها. وإذا كان نور الشريف قد حقق نجومية سينمائية فإنه أيضاً حقق نجاحاً مماثلاً فى الدراما التليفزيونية فقد الدراما الاجتماعية كما فى الحاج متولى، وقدم الدراما الدينية والتاريخية كما فى عمر بن عبدالعزيز، وعمرو بن العاص، وهارون الرشيد، والروايات الأدبية مثل »لن أعيش فى جلباب أبى« لإحسان عبدالقدوس. وفى المسرح يحمل نور الشريف مزاجاً شكسبيرياً منذ وقع فى غرام هاملت وتوالى نجاحه المسرحى بعروض سياسية وكوميدية. وقد جرت العادة أن يبرز الفنان فى مجال واحد يحقق نجومية فيه وتصبح أعماله الأخرى مجرد تجارب محدودة لكن نور نجح بامتياز بنفس تقدير تخرجه ليبقى نحو نصف قرن نجماً متوهجاً بموهبته وذكائه وثقافته الواسعة. وقد عرفته منذ سنوات بعيدة وزجريت معه عشرات الحوارات التى أتاحت لى معرفته بدرجة ما عن قرب، ووجدته دائماً مجتهداً ومحباً بل وعاشق مخلص لفنه وقارئ نهم فى السياسة والفن وعلم النفس والتاريخ، وأذكر أنه كان يستعد لتصوير مسلسل »عيش أيامك« وفجئت بعشرات الكتب المتراصة على مكتبه بالعربية والإنجليزية تتعرض لأزمة منتصف العمر، وهى القضية التى يطرحها المسلسل، وقال لى لا أستطيع أن أصور عملاً دون أن أبحث حوله وأقرأ كل ما يتاح لى عنه، وقد نال تكريمات عديدة وجوائز لا حصر لها توجت بدرجة الدكتوراة الفخرية من إحدى الجامعات الأمريكية. فى هذا العدد خصصنا كل الصفحات لنرصد مشواره الإبداعى.. فى هذا العدد نقول لنور الشريف »كل سنة وأنت طيب.. كل سنة وأنت تبدع.. وشكراً لكل لحظة سعادة ومتعة منحتها لنا«. وننتظر منك المزيد يا أستاذ. قد حدث بالصدفة أن التقى المخرج حسن الإمام بعادل إمام فى مبنى التليفزيون، وسمع منه عادل أنه يبحث عن وجه جديد بمواصفات معينة ليسند له دور كمال فى فيلم »قصر الشوق«، فقال له عادل: »أنا شفت ولد فى معهد الفنون المسرحية كان بيمثل دور هاملت وكل المواصفات التى تريدها تنطبق عليه« وعندما ذهبت للقائه سألنى عمن درّس لى فى المعهد فقلت له الأستاذ نبيل الألفى، فحدثه تليفونياً وسأله عنى وبهذا كان حسن الإمام هو صاحب بداية ظهورى سينمائياً.