نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا، ومن جميع المسلمين الطاعات، وأن يعتق رقابنا من النار. إن عيد الفطر يسمى يوم الجائزة. جائزة للمسلمين الذين صاموا شهر رمضان وقاموا لياليه وأكثروا من تلاوة كتاب الله عز وجل، فأكثروا من الدعاء، وأخرجوا زكاة أموالهم وخاصة صدقة الفطر، وحافظوا على صلاة الجماعة فى المساجد وحرصوا على دروس العلم والفقه التى ألقاها العلماء والدعاة، وأحيوا ليلة القدر، فهنيئًا للمسلمين جميعًا الذين صاموا شهر رمضان، وورد أن الملائكة تنزل فى صبيحة يوم عيد الفطر تقف فى أبواب الطرق وتنادى يا أمة محمد: اخرجوا إلى رب عظيم يعطى الجزيل.. فيخرج المسلمون لأداء صلاة العيد ويقول الله عز وجل للمسلمين: لقد أرضيتمونى ورضيت عنكم؛ اذهبوا مغفورًا لكم. أما العصاة الذين لم يصوموا شهر رمضان بلا عذر شرعى بل جاهروا فى إفطارهم فيصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، العصاة الذين لم يصوموا شهر رمضان واستعبدتهم شهواتهم ليس لهم جائزة يوم العيد، لهم حسرة ولهم عذاب يوم القيامة، نسأل الله عز وجل أن يهديهم ويتوب عليهم. إن يوم العيد يوم عظيم وعيد كريم، فى هذا اليوم الذى توج الله به شهر الصيام؛ تعلن النتائج وتوزع الجوائز، فى هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا فى رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، فى هذا اليوم يفرح المصلون، ويندم الكسالى النائمون واللاهون العابثون اللاعبون. إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التى توزع اليوم ما هى إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التى يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة، روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقى ربه فرح بصومه». فيجب علينا ونحن نحتفل بعيد الفطر الحرص على الطاعات كالتكبير وحضور صلاة العيد، لإدخال السرور على قلوب الوالدين والزوجات والأولاد والأقارب، والحرص على صلة الأرحام، قال صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أجله فليصل رحمه»، والحرص على التكافل الاجتماعى مع الفقراء واليتامى والأرامل.فهو فرصة طيبة لتحسين العلاقات وإصلاح ذات البين، بين المتهاجرين المتدابرين، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام، حتى يكون لنا فرحة فى الأرض وفرحة فى السماء. والحذر من المعاصى والمنكرات حتى لا تبطلوا الأعمال، ولتحذر النساء من التبرج. ومن المعاكسات والمشاكسات، والأزواج والزوجات احذروا المشاجرات ولا تعكروا بهجة العيد، واحذروا التدابر والهجران وقطعية الأرحام، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام»، فما لهذا سُنت الأعياد فى الإسلام. ويجب صيام ست من شوال عملاً بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر». والذى يستحق الجائزة والمكافأة والفرح من كان من الصائمين والصائمات ومن القائمين والقائمات فذاك يوم الفرحة بقبول الصوم، وبصلة الرحم، ولا بد من جعل العيد يومٌ فرحة وعبادة العبادات وإحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى جعل لنفسه بعد رمضان حظًا من العبادة لا إفراط فيها ولا تفريط من تلاوة وقيام وصيام .. والعيد بحق هو أن يكون كل يوم شاهدًا لنا لا عليّناَ. فالعيد فى معناه الإيمانى شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج فى سرائره رضا واطمئنانًا، وتنبلج فى علانيته فرحًا وابتهاجًا، وتُسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة. والعيد فى معناه الإنسانى يومٌ تلتقى فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالةٍ من وحى السماء، عُنوانُها الزكاةُ، والإحسانُ، والتوسعة. يتجلى العيد على الغنى المُترف فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائِه متواضعًا للحق وللخلق، ويذكرُ أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم. ويتجلى العيد على الفقير المُترب فيطرح همومه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامهُ، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشةُ العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهزم لديه دواعى اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء. إن من أعظم علامات قبول العمل فى رمضان، التوبة النصوح من جميع الذنوب الماضية والعزيمة الصادقة على الاستقامة على الطاعة فى الأيام القادمة، فما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها. يقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: من الآية 31)، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها».