يعتبر التلمود من أهم الكتب الدينية عند الشعب اليهودى. فهو بمثابة الموجه والمنظم للحياة الاجتماعية، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية أى تفسير الحاخامات للشرائع المكتوبة فى التوراة. وكلمة (تلمود) مشتقة من الجذر العبرى (لمد) الذى يعنى الدراسة والتعلم. وتعود كلمة (تلمود) العبرية وكلمة (تلميذ) العربية إلى أصل سامى واحد. ويؤمن بعض اليهود بأن كلمات التملود أوحى بها من الروح القدس نفسه (روح هاكوديش) على اعتبار أن الشريعة الشفوية مساوية فى مكانتها للشريعة المكتوبة (التوراة). ويصنف التلمود الأحكام الشرعية والقوانين الفقهية اليهودية ويسجل المناقشات التى كانت تدور فى الحلقات الفقهية اليهودية حول المواضيع الشرعية (هلاخاه) والوعظية (أجاداه). ويرى الباحث عمر مصالحة فى كتابه الرائع (التلمود.. المرجعية اليهودية للتشريعات اليهودية) أن التلمود يضم فى داخله وجهات نظر شتى متناقضة تماماً. فهو عبارة عن موسوعة تتضم الدين والشريعة والتأملات الروحانية والتاريخ والآداب والعلوم الطبيعية. كما يتضمن فصولاً فى الزراعة والصناعة والمهن والتجارة والربا والضرائب وقوانين الملكية والرق والميراث والفلك والتنجيم والقصص الشعبية، بل يغطى مختلف جوانب الحياة اليهودية الخاصة، أى أنه كتاب جامع لا يدع للفرد اليهودى حرية الاختيار فى أى وجه من وجوه نشاطات حياته العامة أو الخاصة. وهناك تلمودان: التلمود الأورشليمى نسبة إلى أورشليم (القدس) وذلك على الرغم من أن القدس خلت من المدارس الدينية بعد هدم الهيكل الثانى وانتقلت القيادة الدينية اليهودية إلى انشاء المدارس فى مدينة يفنه بالقرب من بئر سبع، ومدن صفوريه وطبريه فى الجليل. ويطلق يهود العراق على التلمود الأورشليمى اسم (تلمود إيرتس يسرائيل) أى أرض اسرائيل، كما أطلقوا عليه أحياناً (تلمود أهل الغرب) نظراً لوقوع أرض اسرائيل (فلسطين) إلى الغرب من العراق. وهناك التلمود البابلى وهو نتاج النقاشات والبحث الذى دار بين كبار الحاخامات فى الحلقات الدينية التلمودية بالعراق والتى كان يطلق عليها أرض بابل. ويعتبر التلمود البابلى هو الأكثر تداولاً وهو الكتاب المرجع عند اليهود. ولذلك، فعندما يستخدم لفظ (التلمود) بمفرده، فالمقصود به هو التلمود البابلى دون سواه. وقد شكل تزايد انتشار التلمود بين المجتمعات اليهودية فكرة التوحيد الربانى داخل الفكر اليهودى الدينى، الأمر الذى ساهم فى عملية شيوع التلمود. فقد حل التلمود محل التوراة فى العصور الوسطى باعتباره كتاب اليهود المقدس الأساس، لدرجة أن كثيراً من الحاخامات كانوا يعرفون التلمود مصدراً أساسياً ويعرفون العهد القديم بدرجة أقل من التلمود. وعلى الرغم من أهمية التلمود، فقد أخذت الحركة الصوفية (قبالاه الزوهر) والكتب القبالية الصوفية تحل بدل التلمود عند بعض الجماعات اليهودية ابتداء من القرن السادس عشر، إلى أن اكتسبت الصدارة فى القرن السابع عشر. ويقال إن اليهود المنتشرين فى الشتات بعيداً عن مراكز الدراسات الحاخامية كانوا يعرفون (الزوهر) ولايعرفون الكثير عن التلمود. وقد كان التلمود دائماً كتاب الأرستقراطية الدينية الحاخامية، فهو مكتوب بأسلوب مركب ولغة لا تعرفها الجماهير البسيطة التى لم تعرف قراءة اللغة العبرية ولا الآرامية. ولهذا، كانت حركات الاحتجاج بين اليهود تأخذ شكل معاداة التلمود والمؤسسة التى تدرسه وتهيمن باسمه. وأولى هذه الحركات هى الحركة القرائية التى لم تكن حركة شعبية بقدر ماكانت حركة عقلانية. وكانت معظم الحركات الصوفية المسيحانية اليهودية حركات شعبية اتخذت موقفاً سلبياً من التلمود، فكان ينظر إليه المتصوف باعتباره المصدر الذى يكمن فى داخله المعنى الخفى للتوراة. وقد أثر التلمود والشرع التلمودى على قوانين الأحوال الشخصية فى اسرائيل، فلم تختلف قوانين الزواج والطلاق. ويظهر الأمر جلياً فى الأحكام التلمودية الواردة فى أسفار قسم النساء (نشيم) وفى شئون الطلاق (جيطين). فلايزال هذا هو المصدر الأساسى للأحكام المتعلقة بوثيقة الطلاق (جيط) التى يتحكم فيها الزوج. ولاتزال أحكام الشريعة التى حددها التلمود هى السائدة فى مسائل الزواج وتسجيل المواليد، فاليهودى هو المولود لأم يهودية أو من اعتنق اليهودية على يد حاخام أرثوذكسى. وعملية التهود ليست بالأمر البسيط، إذا يصر الحاخام على التقيد بالشعائر التلمودية ومن بينها الحمام الطقوسى الذى يجب أن تخضع له الأنثى التى تريد التهود، فتدخل الحمام عارية تماماً بحضور ثلاث من الحاخامات النساء.