( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)كانت آخر آية نزلت على رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) وبعدها مرض وثقل عليه واشتدت الآلام حتى قال إن درجة مرضه تعادل مرض رجلين.. ثم طلب زيارة شهداء أُحد وفى البقيع بكى عليهم كثيرًا.. فقالوا له ما يبكيك يا رسول الله؟ قال:(اشتقت إلى إخوانى)، فقالوا: أولسنا إخوانك، قال:(لا.. أنتم أصحابى أما إخوانى فقوم يأتون من بعدى يؤمنون بى ولم يرونى). مقدمات ودلائل تمهد لأمة الإسلام لتلقى خبر وفاة رسولنا الخاتم ( صلى الله عليه و سلم ).. من أجل ذلك بكى سيدنا أبو بكر رضى الله عنه عند سماعه قول النبى ( صلى الله عليه و سلم ) وهو يتلو قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً.. فسألوه الصحابة: ماذا أبكاك يا أبا بكر؟ قال هذا نعى رسول الله. طالب الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) بجمع نسائه فى مكان إقامته لدى السيدة ميمونة زوجته وقال لهن: أتأذنن لى أن أمرض فى بيت عائشة.. فقلن: نأذن لك يا رسول الله.. فحاول حبيبنا ( صلى الله عليه و سلم ) أن ينهض من مكانه فلم يستطع فسارع علىّ بن أبى طالب والفضل بن العباس فحملاه وأدخلاه إلى حجرة السيدة عائشة وقالت: فشاهدته يتصبب عرقا غزيرا فأخذت بيديه ومسحت بها عرقه وقالت إنها أشرف من يدى.. فقال لها رسولنا ( صلى الله عليه و سلم ) لا إله إلا الله.. إن للموت لسكرات.. ولما شاهده الصحابة أصابهم القلق والخوف على الرسول.. وعندما علم بذلك طلب الخروج للقائهم فى المسجد، ثم قال:(أيها الناس موعدكم معى ليس الدنيا.. موعدكم معى عند الحوض)، ثم أردف بقوله:(أيها الناس.. والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم، ثم قال ناصحا ومحذرا:(أيها الناس.. الله الله فى الصلاة.. الله الله فى الصلاة) بمعنى أستحلفكم بالله بالحفاظ على الصلاة وعدم تركها.. عدة تعليمات أصدرها نبينا الخاتم ( صلى الله عليه و سلم ) فى ساعاته الأخيرة لمن حوله ولكل أفراد أمته وهى بمثابة اللمسات الأخيرة فى الرسالة حتى يؤكد عدم انزلاق الأمة فى الفتن وترك الآخرة خلف ظهرها.. فيتسبب فى انهيار الأمة وسقوطها أمام أعدائها وتتحلل وتتمزق فيما بينها. ثم قال أخيرًا (أيها الناس إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله.. فاختار ما عند الله) وهنا اشتد بكاء سيدنا «أبو بكر» رضى الله عنه وعلم أن الرسول يشير إلى نفسه ويدعو أمته إلى الاقتداء به.. ثم أخبرهم برغبته بالدخول إلى بيته.. وأشار إلى السيدة عائشة طالبا السواك فأعطته فلم يستطع أن يستاك أو يفتح فمه فأخذته ووضعته فى فمها ليكون رطبا ثم استكات له. ودخلت السيدة فاطمة على أبيها فقالت وأكرباه، فقال نبينا الحبيب ( صلى الله عليه و سلم ) ليس على أبيك كرب بعد اليوم.. فأخذت تبكى.. فطلب منها الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) أن تدنو إليه فحدثها فى أذنيها فبكت، ثم طلب منها أن تدنو مرة أخرى إليه فحدثها فى أذنيها فضحكت.. وبعد وفاته سُئلت: ماذا قال لك نبينا الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) فقالت فى المرة الأولى قال إنى ميت الليلة.. فبكيت.. أما فى الثانية قال يا فاطمة أنت أول أهلى لحاقا بى فضحكت. ونعود إلى اللحظات الأخيرة فى حياته الشريفة.. وهنا طالبا بخروج الجميع ماعدا السيدة عائشة حينئذ دخل سيدنا جبريل عليه السلام وألقى السلام على الرسول ( صلى الله عليه و سلم ).. وقال يا رسول الله ملك الموت بالباب يستأذن أن يدخل عليك وما استأذن على أحد. وهنا أتساءل هل لجبابرة الأرض أو ملوكها أو قياصرها فى الماضى أو فى حاضره أو فى المستقبل أن يتخيلوا لو كذبا أن يستأذنهم ملك الموت ويخيرهم بين الحياة والموت لما يمتلكونه من قوة وملك عظيم؟ أما العبرة والعظة من استئذان ملك الموت من رسولنا الخاتم ( صلى الله عليه و سلم ) هى تكرار لرسالة وتأكيد لخبر يعلمه الجميع من المكانة العالية والسامية والفضل العظيم لرسولنا ( صلى الله عليه و سلم ) فقط عن دونه من البشر لدى رب العرش العظيم. ونعود إلى رسولنا ( صلى الله عليه و سلم ) فيطلب من سيدنا جبريل أن يدخل ملك الموت.. فيدخل ويقول السلام عليك يا رسول الله أرسلنى الله أخيرك بين البقاء فى الدنيا وبين أن تلحق بالله، فرد عليه النبى ( صلى الله عليه و سلم ) بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى. ثم شاهدت السيدة عائشة سقوط يد النبى ( صلى الله عليه و سلم ) وثقلت رأسه فعرفت أنه مات.. وبعد سماع الصحابة خبر وفاة رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) تفجر المسجد بالبكاء ونزل الخبر كالصاعقة على الصحابة. ?? وهنا تبدأ مرحلة مهمة فى التاريخ وبعد وفاة رسولنا ( صلى الله عليه و سلم ).. خاصة بعدما وضع نبينا أسس بناء الأمة والدولة.