كان النبى محمد صلى الله عليه و سلم يأمر بخباء (على مثل هيئة الخيمة) فيضرب له فى المسجد، فيمكث فيه، يخلو فيه عن الناس، ويقبل على ربه تبارك وتعالى، حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية.وتقول عنه السيدة عائشة رَضِى اللَّهُ عَنْها : (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا) وكان يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذى قبض فيه اعتكف عشرين يومًا. فقد جاء فى الصحيحين «أن النبى صلى الله عليه و سلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان». ففى هذا الحديث دليلٌ على مشروعية الاعتكافِ، وهو لزومُ مسجدٍ على وجهِ القربةِ لله من شخص مخصوص بصفة مخصوصة. والاعتكافُ ليس بواجب، وإنما هو نافلةٌ من النوافل. وللاعتكاف شروط لا يصح بدونها وهى كما يأتى:- العقل، والإيمان، والصيام، والنية،والعدد، وأن يكون الاعتكاف فى مسجد جامع تصلى فيه الجمعة وأن لا يخرج المعتكف من مسجده إلاَّ لضرورة شرعية أو عرفية، أن يترك كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه. والمهم فى النية أن ينوى الاعتكاف فى المسجد قربة إلى اللّه تعالى، والصيام فمن لا يصح منه الصوم لا يصح منه الاعتكاف؛ فالمريض والمسافر لا يتأتى لهما أن يعتكفا، إذ لا يصح منهما الصيام. والعدد أقلّه ثلاثة نهارات تتوسطها ليلتان، ويسوغ أن يكون أكثر من ذلك وأن لا يخرج المعتكف من مسجده إلاَّ لضرورة شرعية أو عرفية، فمن الضرورة الشرعية أن يخرج لغسل الجنابة، إذ لا يجوز له أن يمكث فى المسجد ويغتسل حتى ولو كان ذلك ممكناً، ومنها الخروج لحضور صلاة الجمعة إذا أقيمت. ومن الضرورة العرفية أن يخرج لقضاء الحاجة أو لعلاج مرض داهمه ونحو ذلك، ولا يشترط لجواز الخروج عند الضرورة عدم إمكان تأديها فى المسجد، لذا لو أمكنه إتيان الغسل الواجب من مسّ الميت فى المسجد، أو أمكنه استدعاء الطبيب إلى المسجد، جاز له الخروج رغم ذلك والاغتسال فى بيته أو التداوى فى عيادة الطبيب.فإذا لم تكن هناك حاجة ضرورية للخروج شرعاً أو عرفاً وخرج متعمداً بطل اعتكافه، وكذا لو خرج لغير ضرورة جهلاً أو نسياناً على الأحوط. ويستثنى من ذلك الأمور التالية:إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته فإنه لا يبطل بذلك اعتكافه.إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.إذا أكره على الخروج. وفى كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه أن يقتصر فى ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التى سوغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وهذه جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون الاعتكاف كاملاً مقبولاً بإذن الله:استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله- عز وجل، واستشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهى الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله،وألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التى لا بد منها. والمحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفى النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التى يحسن بالمعتكف ألا يفوته شىء منها. والحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قياماً؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار، وخشوع. والإكثار من النوافل عموماً، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِى وقته بالصلاة، أو بقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، أو بالتهليل، أو بالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء أو بالاستغفار أو بالصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم ،وب «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وبالتدبُّر أو بالتفكُّر، واصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصاً التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن. والإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم. والحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف. ويحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض. وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه. والاقلال من الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، حتى لاينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات.والاقلال من الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة.والاقلال من الأطعمة؛ حتى لا يفضى إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد فى ذلك.والاقلال من النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلاً من شكره، والدعاء له. عدم إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالى بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات. و يشجع أن بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف،فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وجلبةٌ وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك. وإلا فبيوتهم أولى بهم، وخير المساجد التى يُعتكف بها المسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى.