عندما وصف المصريون السيدة آن باترسون السفيرة الأمريكية فى القاهرة بأنها «خلية إخوانية نائمة» وأنها النائب الأمريكى للمرشد العام للإخوان المسلمين.. كان ذلك نقدا ساخرا ولاذعا لموقف الإدارة الأمريكية وانحيازها للرئيس مرسى والإخوان على حساب إرادة الشعب المصرى!. وعندما ألقى «لوى جوهمرت» العضو الجمهورى بالكونجرس الأمريكى خطابا حول موقف المصريين من الإدارة الأمريكية.. وقام بعرض صور للشعارات التى رفعها المصريون فى مظاهرات 30 يونيو والتى كانت تهاجم الإدارة الأمريكية وتتهمها بدعم الإرهاب فى العالم.. كان ذلك اعترافا أمريكيا بأن الرئيس أوباما وإدارته يدعمون الإخوان ويقفون ضد إرادة المصريين!. ما هى حقيقة علاقة الأمريكان بالإخوان؟!. الانطباع العام لدى معظم المصريين حتى من قبل أحداث 30 يونيو أن الإدارة الأمريكية تدعم الإخوان المسلمين وأنها ساهمت بشكل أو بآخر فى تسلمهم للسلطة فى مصر. وسمعنا الكثير عن ضغوط الإدارة الأمريكية على المجلس العسكرى أيام المشير طنطاوى لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح محمد مرسى وليس الفريق شفيق.. وسمعنا أن الضغوط وصلت لحد التدخل لتغيير نتيجة الانتخابات!. وسمعنا أيضًا عن اتفاقات سرية بين الإخوان والأمريكان تفسر صمت الإدارة الأمريكية على ممارسات الرئيس مرسى وسياساته البعيدة تماما عن المسار الديمقراطى.. الذى من المفترض أن يحظى بتأييد الإدارة الأمريكية. ثم جاءت تصريحات السفيرة الأمريكية فى القاهرة ضد القوات المسلحة عندما قرأت فى تصريحات قائدها العام الفريق أول عبد الفتاح السيسى انتقادًا لسياسات الرئيس مرسى. وعندما اندلعت أحداث ثورة 30 يونيو كان واضحا أن السفيرة الأمريكية والإدارة الأمريكية على وجه العموم تقف فى الجانب الخطأ.. الجانب الذى لا يقف فيه الشعب المصرى.. فسمعنا كلاما عن أن ما حدث انقلابا عسكريا وليس ثورة شعبية.. وعن عقوبات أمريكية محتملة إذا لم يتدارك الجيش المصرى الخطأ الذى ارتكبه ويعيد الرئيس المعزول مرسى. وتزامنت ضغوط الإدارة الأمريكية على مصر والمصريين مع ضغوط الإخوان فى الشارع.. كأن هناك تنسيقا مشتركا!.. وبذلت السفيرة الأمريكية فى القاهرة جهودا مضنية للوصول إلى نقطة توازن بين الجيش والإخوان. ولم تكتف الإدارة الأمريكية بتجاهل الحقائق على أرض الواقع فراحت تشكك فى مظاهرات 30 يونيو وتؤكد أنها نوع من المبالغة السياسية.. ثم أنها أوعزت لحلفائها الغربيين بأن يشتركوا معها فى عزف نفس النغمة.. نغمة أن ما حدث فى مصر انقلابا عسكريا وليس ثورة شعبية!. ولم يحدث كل ذلك من فراغ وإنما كانت هناك أسباب!. *** ليس خافيا أن الانطباع العام للشارع المصرى أن جماعة الإخوان المسلمين أبرمت اتفاقا - ليس بالضرورة أن يكون مكتوبا - مع الإدارة الأمريكية للوصول إلى السلطة.. مقابل أن تتولى جماعة الإخوان تحقيق المصالح الأمريكية فى المنطقة وفى مقدمتها تحقيق أمن إسرائيل.. ولعل ذلك كان السبب فى تركيز المعارضة المصرية فى هجومها على جماعة الإخوان المسلمين على مسألة تأمين إسرائيل من هجمات حماس والدور الذى لعبته الجماعة فى تحقيق هذا التأمين. كان الانطباع العام أن جماعة الإخوان المسلمين اتفقت مع الإدارة الأمريكية على كبح جماح حماس ومنعها من أى محاولة للهجوم على إسرائيل مقابل أن تدعم أمريكا الجماعة وتساندها فى الوصول إلى الحكم.. والأهم البقاء فى الحكم. وظهرت الأدلة التى تؤكد أن الانطباعات العامة صحيحة.. فقد تم الكشف عن شريط فيديو مسجل.. قيل إنه تم تسجيله قبل وصول محمد مرسى إلى السلطة وقيل إنه تم تسجيله بعد وصوله إلى السلطة.. وفى الحالتين يكشف الشريط أبعادا جديدة لعلاقة الإخوان والأمريكان!. *** الشريط الذى تم تسريبه يصور اجتماعا مغلقا لمجلس شورى جماعة الإخوان بحضور محمد بديع المرشد العام.. ويعرض فيه محمد مرسى على أعضاء المجلس نتائج لقاءاته بالرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ووزير الخارجية الأمريكى الحالى جون كيرى ومساعده ويليام بيرنز. وكما هو مسجل فى الشريط فقد تحدث محمد مرسى وقال: إن كيرى وبيرنز تحدثا معنا حول المرحلة الانتقالية وسألونا هتعملوا إيه؟.. احنا عايزين نساعد ولكن.. وطبعا احنا بنفهم هذه الرسالة فى إطار أن المسألة مش كلها سياسة. ويضيف محمد مرسى: احنا أخدنا تطمينات وضمانات من البيت الأبيض بعد أن تحدثنا معهم حول اتفاقية السلام مع إسرائيل.. وقلنا لكارتر احنا مش مستعدين نشترى أوى حكاية أن إسرائيل تستخدم الولاياتالمتحدة فهى دولة كبيرة وقادرة وإذا أرادت أن تفعل شيئا فلتفعله فقال لنا كارتر أنا مش موافقك أوى على الحكاية دى. ويتابع محمد مرسى: بيرنز قال لى أنا سعيد أن الإدارة الأمريكية قبلت نتيجة انتخابات مجلس الشعب لأن قبل كده بيتكلموا مع حماس.. لما تمت انتخاباتهم أعلنوا عدم موافقتهم وأدرجوها على قائمة الإرهاب.. ويحاول محمد مرسى شرح المعنى فيقول: إن الإدارة الأمريكية كانت عاقلة واعترفت بنتيجة الانتخابات لكن عايز أقول إن ويليام بيرنز بيتكلم بطريقة عاقلة ويقول إن أوباما أخذ مليار دولار من الديون بشرط أن تستخدم فى التدريب وفى إطار مجموعة من الوظائف يعنى مش هيسيبها للحكومة تعمل اللى عايزاه. ويضيف محمد مرسى: بيرنز قال لى ساعدونا علشان نقدر نساعدكم واستفيدوا من تجربة تركيا مع البنك الدولى.. وقال لى أيضًا إن سياساتهم كانت خطأ فى تقدير الشعوب العربية والمنطقة والسنة الجاية هتبقى أفضل.. أنا عايز أقول إن الإطار كان فى الحرص والدقة فى الموقف ونوع من أنواع الأريحية النفسية لقبول وجود الإخوان وفوزهم بالانتخابات.. وهم متأكدون أن الإخوان ليسوا دعاة حرب ومش هايروحوا يحاربوا الدنيا كلها لكنهم يتاجروا بها فى الآخر من أجل الوصول لسياق معقول بالنسبة للتعامل مع حكومة مستقبلية يقودها الإخوان. ويستطرد محمد مرسى فيقول: واضح من كلامهم من حيث الشكل أنهم يريدون أن يتعاملوا مع الإخوان فى الحكم ولكن هناك تفاصيل.. يعنى لما يقول الخليج عايز يقول الخليج إيه.. ولما يقول البنك الدولى هدفه أنه يكون قيد على القرار المستقبلى أكثر من الحكومة الحالية. وفى النهاية يطالب المرشد العام الحاضرين من أعضاء "شورى الجماعة" بعدم الحديث عن هذه المقابلات ويقول لهم: هذه المقابلات صدر بها بيانات صحفية رسمية فلا حديث عنها بعد ذلك. هل عرفت الآن لماذا دعمت الولاياتالمتحدة الإخوان وساعدتهم فى الوصول إلى الحكم.. ولماذا تقف أمام إرادة الشعب المصرى وتحاول مساعدة الإخوان فى استرداد الحكم؟!. *** يقولون إنه إذا عرف السبب بُطل العجب.. وقد عرفنا سبب مواقف الإدارة الأمريكية لكن العجب لم يبطل.. فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية تدرك أنها تسير فى الاتجاه الخاطئ وأنها ستخسر فى النهاية.. ومع ذلك تصر على الخطأ.. هل هى الحماقة؟.. هل هو الكبرياء؟.. مجرد علامات استفهام!.