هل يتسبب عميل الاستخبارات «إدوارد سنودن» فى عودة الحرب الباردة مرة أخرى بين روسياوالولاياتالمتحدة؟ وهل يتسبب عجز الولاياتالمتحدة فى القبض على سنودن،فى إضعاف هيبة القوة العظمى فى العالم؟ هذه الأسئلة طرحتها الصحف بشأن أزمة سنودن المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، حيث لايزال العميل السابق فى الاستخبارات المركزية الأمريكية موجودا فى قاعة الترانزيت فى مطار موسكو فى روسيا، فى الوقت الذى تطالب الولاياتالمتحدة بتسليمه لها تمهيدا لمحاكمته. وعكست تصريحات مسئولى البلدين عن بوادر خلاف وتوتر فى العلاقات بينهما، حيث قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إن بلاده لم يسبق لها أن سلمت أى شخص إلى بلد آخر وليس لديها أية نية للقيام بذلك، مضيفا أن سنودن يمكنه البقاء فى موسكو إذا توقف عن تسريب معلومات عن برامج بلاده التجسسية، فى الوقت الذى هدد فيه المسئولون الأمريكيون روسيا من عواقب عدم تسليمه،حيث طالب وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى روسيا بتسليم سنودن، مؤكدا أن واشنطن لا تريد «المواجهة»، مما جعل الصحف العالمية تعتبر هذه التوترات بداية لحرب باردة جديدة بين الدولتين. من جانبها، كتبت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية أنه فى كل مرة تطالب فيها الولاياتالمتحدة دولة أخرى بشىء ما دون اعتبار لمصالح ودوافع الأطراف الأخرى، فإنها تضعف نفسها، وقالت الصحيفة إن أمريكا غالبا ما تُتهم بالغطرسة فى الشئون الدولية وليس من الصعب إدراك سبب ذلك، لكن مسألة سنودن، الذى سرق كنزا من أسرار الوكالة وسربها لصحيفة جارديان البريطانية وفر إلى موسكو مؤخرا، تساعد فى إظهار مدى الضعف الذى تبدو عليه أمريكا من هذا الخطاب، خاصة عندما تكون إما كارهة وإما عاجزة عن فرض إرادتها، وأضافت الصحيفة أن بعض المسئولين الأمريكيين يعتقدون أن الخطاب الحاد وحده يمكن أن يحقق نتائج، فى إشارة إلى تعليقات وزير الخارجية بشأن فرار سنودن لروسيا بأن هذا الأمر يمكن أن يؤثر على العلاقات بين البلدين وأن تكون له عواقب، وقالت إن رد الفعل على ذلك يمكن أن يثير غضب بوتين ويعتبرها فرصة للنيل من أمريكا، خاصة أنه صرح بعدم وجود اتفاق مشترك مع أمريكا على تسليم المجرمين. وفى الإطار ذاته،ذكرت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية أن الولاياتالمتحدة تخسر هيبتها بتحدى روسيا والصين لأوباما بسبب سنودن. وقالت إن الأمر لا يبدو جيدا عندما لا يستطيع أقوى رجل فى العالم الإمساك بأحد أكثر الرجال المطلوبين فى العالم، مضيفة أن خصوم أمريكا التقليديين يبدو أنهم يستمتعون بالضائقة التى تشعر بها إدارة أوباما. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فذكرت أن أمريكا وروسيا تعيشان حالة من الشد والجذب بسبب سنودن، حيث استبعد الرئيس بوتين إعادته للولايات المتحدة ليواجه اتهامات بالتجسس، تاركا إياه فى حالة غير مستقرة، فى وقت تبدو فيه موسكووواشنطن تبذلان جهدا لمنع مواجهة جديدة على نمط الحرب الباردة. أما صحيفة « لوفيجارو» الفرنسية، فذكرت فى تقرير لها بعنوان «قضية سنودن تؤشر إلى حرب باردة جديدة»، أن مسلسل هروب «سنودن» يظهر ملامح حرب عالمية جديدة بدأت ظلالها تنكشف على صعيد عالمى. ولا تخفى هنا محاولات توظيف هذه القضية من قبل موسكو وبكين تحديداً، ضمن حالة الاستقطاب الدولى الراهنة التى تجعلهما فى مواجهة مفتوحة مع واشنطن، على نحو يذكّر ببعض أكثر فصول الحرب الباردة السابقة حدة وشدة، بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا، وبوقوفها بشكل واضح مع «سنودن» وموافقتها على تسهيل عبوره ومروره بالعاصمة موسكو بعد فراره من هونج كونج لتلافى طلب بتسليمه إلى واشنطن، تكون روسيا بوتين قد سجلت بذلك نقطة أخرى فى المعركة الأيديولوجية التى تخوضها ضد الديمقراطيات الغربية. وأضافت «لوفيجارو»، اليوم تتعامل موسكو وبكين مع «سنودن»باعتباره بطلا، وذلك على الرغم من عدم دفاعهما عن الحريات العامة فى خطاباتهما السياسية. ولكن هذه القضية تحديداً تفيدهما كثيراً فى الرد على الاتهامات التى توجه لهما على نطاق واسع بشأن أنشطة التجسس الإلكترونى، وبالنسبة لروسيا خاصة هناك فصول أخرى من خلفيات المواجهة تلك المتعلقة باختلاف رؤية البلدين مع المواقف الغربية تجاه الأزمة السورية، وبصفة عامة فإن قضية «سنودن» تظهر المدى الذى تبدى به موسكو وبكين استعدادهما للتصعيد فى جبهة «القوة المرنة» فى مواجهة الغرب الذى يحتفظ عادة بالتفوق على هذه الجبهة.