أكد علماء الأزهر أن ارتباط مبدأ «الولاء والبراء» بالجهاديين والتكفيريين والجماعات المتشددة أضر به رغم أهميته وضرورة تطبيقه فى الوقت الراهن، مشددين على أن سوء استخدامه والترويج السلبى له من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة والتدليس على العوام بتكفير المجتمع حتى وصفها البعض بأنها كلمة «حق يراد بها باطل». فى البداية يرى د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن نظرية «الولاء والبراء» أمر اخترعه الخوارج ليعلنوا خروجهم على الحاكم وعلى المجتمع المسلم بدعوى البراء وطاعته لأمرائهم ورموزهم بدعوى الطاعة، لكن فى واقع الأمر الولاء يكون لله ورسوله وللمجتمع الإسلامى كله بما فيه من ولاة أمور عادلين وعلماء راسخين صادقين وأولياء صالحين ودعاة مخلصين مصلحين . أما البراء - والكلام على لسان د. كريمة - هو أن يبرأ المؤمن من قبائح وفضائح غير المسلمين الذين يكفرون بالله عز وجل وأيضًا فضائح وقبائح المشركين به، وكذلك ممن يتعدى حدود الله مع العلم والعمد. وأضاف أن البراء له درجات منها ما يتعلق بالعلماء الذين يعلنون صراحة براءتهم من النفاق والكفر والشرك ومن المستحلين للمعاصى، وأما غيرهم فيتبرأون بقلوبهم من باب «اللهم أن هذا منكر لايرضيك»، موضحًا أن الأدلة على ذلك عديدة منها براءة سيدنا ابراهيم عليه السلام من أبيه الكافر بعد أن أقام عليه الحجة. وتابع: أما بالنسبة للولاء فقال تعالى فى كتابه العزيز( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال أيضا (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )وأشار الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن مصطلح الولاء والبراء لا يستخدم فيما يسمى بالإسلام السياسى ولا فى ممارسات وأجندات جماعات وفرق، لأن السلفية الجهادية بكافة فصائلها يدلسون على العوام فى تكفيرهم للمجتمع وشق عصا الطاعة على الحاكم واستحلال الدماء والأموال والأعراض بهذه المقولة.. فالولاء والبراء على حد قوله.. كلمة حق يراد بها باطل. وطالب بضبط الولاء والبراء ضبطا عمليا سليما لايتعدى الاطار السليم له، والذى وضعه الشارع فى التعامل بين الناس، مؤكدا أنه فى النهاية لايجوز استخدام الولاء والبراء فى تكفير المسلمين واستخدام العنف الفكرى والعنف المسلح،لأنه يتركز فى أصول الاعتقاد، أما فيما يتعلق بالفروعيات والعادات والعلاقات الدولية والسياسية الشرعية لاوجود بما يسمى الولاء والبراء الذى لايتخطى أصول العقيدة الإسلامية . أفاد د. أنور عكاشة مؤسس حركة الجهاد فيقول إن هناك آيات قرآنية تتحدث عن قضية المولاة «الولاء» فيقول تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال أيضا (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) فهذه قاعدة فى العقيدة الإسلامية فى مسألة الرابطة بين المسلم وغير المسلم.. والولاء المعنى فى الآيات هو الولاء فى الدين وليس الولاء فى أمور الدنيا. وقال إن هناك نهيًا أن توالى اليهود والنصارى فى أمور الدين، لكن فى أمور الدنيا يتم التعامل وفقا للآية الكريمة التى تقول ( لكم دينكم ولى دين ) موضحا أن علماء الشريعة يفسرون الولاء بأنه الحب والتأييد والنصرة فى مسائل الدين لاتكون إلا للمسلمين، أما فى أمور الدنيا فاستندوا إلى الآية الكريمة التى تقول (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )مضيفا أن المسلم مطالب بأن يتعامل بالبر مع كل من يعيش على أرض الوطن فى أمور الدنيا . وقال د. عكاشة إن الجماعات الإسلامية تتفاوت فى قضية الولاء والبراء، فهناك جماعات تطرفت فى فهم القضية لدرجة أنها تكفر من يتعامل مع غير المسلمين، كما أن هناك جماعات فرقت فيها ولا تعتبرها ولاتعتد بها فى تعاملاتها بالمرة، فتضع أيديها فى أيدى من يحاربون الإسلام ويضطهدون المسلمين. وأوضح أن الولاء والبراء قضية أساسية وجوهرية وركن من أركان العقيدة، ولكن يجب فهمها فى إطارها الصحيح دون تفريط أو إفراط، مؤكداً أن هناك فرقًا بين الولاء والانتماء والسمع والطاعة كمن له أمير.. السمع والطاعة لولى الأمر، لكن لاسمع فى معصية، والشريعة أوردت بأن نسمع ونطيع لمن يكون ولى الأمر سواء على مستوى العمل أو المنزل لكن فى الطاعة، أما فى المعصية فلا سمع ولا طاعة، وكل ذلك شرطة أن يكون هذا الولى مسئولا وأتى بطريقة شرعية . وتابع: أن هناك عدة شروط يجب أن تتوافر فيمن لهم حق الولاء علينا أولها أن يكون لمن يتمسك بالشريعة الإسلامية وأن يكون وطنيا وهذا يحصل على الولاء الكامل التام مهما اختلفت معه فنصرته على واجبه، وكذلك يكون مراعيا لحقوق الإنسان ومطبقا لشرع الله.. وبقدر ما يكون الشخص أو الحاكم فاقدا لأى من هذه الشروط تقل درجة الولاء حتى تنعدم، موضحا أنه لو هناك حاكم لايطبق الشريعة لكنه حريص على مصلحة الوطن ويحترم حقوق الإنسان ويمنح الحرية لغيره فى الدعوة فمثل هذا له حق الولاء بأن أحافظ عليه ولم أخرج عليه، أما الحاكم الذى لايطبق الشريعة ولاينفذ أى من هذه الشروط فله كل البراء والمعاداة. وقال عكاشة نحن نفعل العمل بمبدأ الولاء والبراء بالرغم من أننا فى أمس الحاجة إليه، لأنها لو أصبحت ثقافة عامة سوف نحافظ على تماسك المصريين مسلمين ومسحيين، وقد نتكاتف لنصبح يدا واحدة لمواجهة المخاطر الخارجية مهما اختلفنا بالداخل، مؤكدا أن الفهم الصحيح للولاء والبراء هو الحل الوحيد لكل مسائل الفتنة الطائفية والخروقات الأخلاقية فى مجال الإعلام. واختتم كلامه: نحن نحتاج إلى جهود جبارة من التربية والتعليم والدعوة والإعلام وإعادة صياغة العقل المصرى حتى يتحقق هذا.