على الرغم مما أحدثته حملة «تمرد» من حراك بالشارع السياسى بوصفها صورة غير تقليدية للمعارضة ثم ظهور حملة «تجرد» المناهضة لها والمؤيدة للنظام الحاكم فإن الخبراء أكدوا أن تأثير الحملتين محدوا ولا يمثل إلا 6% من الحركة السياسية إذ لا تزال الأغلبية الصامتة التى تمثل 94% من المصريين على الحياد وتراقب الموقف انتظاراً للعب دور مؤثر فى أقرب اختيار ديمقراطى وقد يكون انتخابات مجلس النواب. «أكتوبر» التقت عدداً من الخبراء والساسة والمواطنين لمناقشة مقترحاتهم للخروج من الأزمة الراهنة، وللاتفاق على ملامح أساسية للخريطة السياسية المصرية. يطالب السفير د. حمدى الطاهرى مساعد وزير الخارجية الأسبق كافة الأطراف حكومة ومعارضة بالتعقل، وعدم الصدام فيما بينهما، وأن يغلّب الجميع مصلحة الوطن العليا. مشيراً إلى أن مؤسسات الدولة معرضة للتحلل والضياع جراء الخلافات والصراعات بين السلطات الثلاث، وحذر من مغبة التعرض لمؤسسة القضاء، وشدد على استقلالها، وعدم التدخل فى شئونها وأن يتكفل القضاة وحدهم دون غيرهم بإصلاح شئون المؤسسة القضائية ممثلة فى المجلس الأعلى للقضاء. ووجه الطاهرى رسالة للرئيس محمد مرسى باعتباره كبير العائلة المصرية باحتواء كافة الحركات والفعاليات المصرية، ودعوتها إلى مؤتمر قومى تنظمه مؤسسة الرئاسة، وطرح كافة القضايا بلاحساسية أو تحفظ، ومن الضرورى أن تسفر المناقشات عن التوصل إلى حل وطنى عام يحيط بكل التوجهات ويشمل كل الأفكار والرؤى المختلفة لكى توظف جميعها للصالح العام.. ومن المهم أن يسفر المؤتمر القومى عن الخروج برؤية وطنية أهم ركائزها تقاسم السلطة، والمشاركة الشعبية الواسعة فى إدارة شئون البلاد، محذراً الجميع من التعصب والتمحور حول الرأى الواحد الذى أضر البلاد طيلة النظام السابق الذى استمر لمدة 30 عاما، لافتاً إلى أن الفرصة لازالت سانحة أمام الرئيس محمد مرسى لجمع كل شركاء الوطن والاستماع إلى وجهات نظرهم، واتخاذ قرارات صعبة ومصيرية وتنحية الرؤية الحزبية للانطلاق إلى الرؤية القومية، والتى ينصهر فى بوتقتها كافة الآراء المؤيدة والمعارضة، ويشر السفير د. حمدى الطاهرى إلى الحفاظ على استقلالية واستمرار مؤسسات الدولة وفى مقدمتها الجيش والقضاء والشرطة والإعلام والمؤسسة الدينة ممثلة فى الأزهر والكنسية. المطالب الشعبية ويرى السفير محيى الدين بسيونى عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية أن ظهور حركتى تمرد وتجرد هو ظاهرة صحية، لكن لابد من النظر بجدية إلى مطالب حركة «تمرد». مشيراً إلى أن الديمقراطية لا يخشاها أحد، والرئيس مرسى جاء بالطرق الديمقراطية وبأغلبية شعبية. مناشداً الرئيس بضرورة التمسك بالمطالب الشعبية مهما كان عددها، مؤكداً أنه بذلك يقدم الدليل على أنه يحترم رأى الجماهير. وأضاف: المعارضة تمثل أعدادًا بالملايين فيجب احترام إرادة الشعب لمصلحة الجميع، وقد مر أكثر من عامين على ثورة يناير، ونحن مازلنا فى المربع الأول، ولم يحدث أى تقدم للبلاد على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. الوفاق الوطنى ويؤكد عبدالله حسن عضو الهيئة البرلمانية لحزب الحرية وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى أن الاختلاف فى الرأى ما بين حملتى تمرد وتجرد ليس مشكلة إذا ما كان الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية كما يقال وهذا أمر طبيعى، أما إذا أدى هذا الخلاف إلى أزمات فهذا يعد شقا للصف الوطنى وكما يحدث كل يوم فى الشارع السياسى من اتهامات وتجاوزات من كل طرف تجاه الطرف الآخر إلى جانب ما يحدث فى الميادين والطرقات أثناء قيام الشباب بجمع توقيعات وبيانات من المارة والذى يتطور فى بعض الأحيان والاشتباكات بالأيدى بين مؤيدى «تمرد» ومؤيدى «تجرد» وهو ما لا يرضاه أحد. ويوضح حسن أن أعداء مصر فى الخارج والداخل لا هدف لديهم سوى خلق الفتن وشق الصف واستغلال كل كبيرة وصغيرة لتعميق الخلاف بين فئات وطوائف المجتمع مثلما حدث فى فتن المسلمين والمسيحيين والتى ليس لها أى أساس فى مصر فكلاهما أخوة وليس بين الطرفين أى أزمة وكلما حاول أعداء مصر إثارة الفتنة الطائفية فشلوا فشلاً ذريعًا نتيجة طيبة وترابط طرفى الأمة المسلمين والأقباط وكذلك الحال بالنسبة لترديد كلمة فلول أو كلمة ثورى وهذا إخوانى وهذا سلفى كل تلك التسميات والتوصيفات ليس لها معنى سوى الفرقة والشقاق. ويقول حسن إن حملة تجرد جاءت ردًا على حملة تمرد المعارضة للنظام وهى الأخرى وبنفس الأسلوب تسعى للتأكيد على حجم رضا الشارع على رئيس الجمهورية والنظام الحاكم دون أن يكون لذلك أى مردود قانونى أو رد فعل على أرض الواقع وفى النهاية مزيد من الإجراءات المُعطلة للعمل وإجراءات تحفز أنصار المعارضة وأنصار النظام على خلق مزيد من الشقاق فى الشارع ومن الضرورى التأكيد على أن مصر فوق الجميع ويجب أن تعمل كل التيارات السياسية من أجل مصلحة مصر. عدم الاستهانة بالمعارضة ويوضح د. عبد المنعم تليمة أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة أن الأغلبية الصامتة تلعب دورًا سياسيًا مؤثرًا سواء فى شكل حملات مع النظام أو ضده وكذلك فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لأنها تشكل فصيلًا كبيرًا من المجتمع لا يستهان به. وقال تليمة إنه لابد من الرجوع لمعرفة دور النشاط السياسى والنشطاء السياسيين وأيضًا الأحزاب السياسية ومدى تأثيرها على هؤلاء وخصوصًا بعد ثورة 25 يناير التى أصبحت فيها الأحزاب الصغيرة تلعب دورًا مؤثرًا فى العملية السياسية بعد أن كانت هذه الأحزاب قبل الثورة جديدة والأحزاب الكبيرة كانت دائمًا مهددة بالمصادرة من قبل النظام السابق بينما نراها الآن تضع الأسس والخطط المؤثرة فى هذه الفئة العريضة من المجتمع مثل الأحياء الشعبية والقرى والنجوع فى الصعيد مشيرًا إلى أن الكل أصبح يتحدث فى السياسة ولذلك سنرى فى الشهور القليلة القادمة تغيرًا جذريًا فى الفكر السياسى لدى كل مواطن بمظهر جديد لا يعرف الخوف ويكون له رجع صدى لدى أهل الفكر والسياسة ويكون له جدوى بأصواتها وذلك لوجود الوسطية السياسية بمعنى وضع حل وسط يخضع له الجميع. تعددية مبالغ فيها ويقول د. إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة إن سبب انتشار هذه الحملات هو تراجع الأحزاب السياسية لأن هناك تعددية مبالغاً فيها مشيرًا إلى وجود أكثر من 60 حزبًأ سياسيًا فى مصر أو أكثر وأنه بالرغم من هذه التعددية إلا أن نسبة المنظمين محدودة لا تتجاوز 6% فى المشاركة السياسية مشيرًا إلى أن الأغلبية الصامتة تمثل القطاع الأكبر والعريض من الناس بما لا يقل عن 90% رغم أنها نسبة غير منظمة ولذلك أحدثت نوعًا من الفراغ السياسى والحزبى فى الحركات التى تشغلها. وأضاف أن هذه النسبة غير المنظمة تتحكم بشكل أو بآخر فى هذه الأحزاب رغم أنه يوجد فيها انتماءات حزبية سواء كانت تيارات إسلامية وأليبرالية وأيضًا يوجد فيها فصيل لا ينتمى لأى اتجاه سياسى فالسؤال هنا هل تشارك هذه النسبة أم لا ؟ وما هى نسبة المشاركة؟ فإذا كانت نسبة المشاركة تمثل 50 % فيكون لها دورا كبير ومؤثر فى الانتخابات وأيضًا هناك احتمال بعدم المشاركة وأيضًا هل ستتوزع هذه النسبة على الأحزاب؟ إذن الأغلبية الصامتة سيكون لها تأثير كبير فى أى عملية انتخابية فى الأيام القادمة وخصوصًا بعد وجود المساحة السياسية لدى كل مواطن بعد ثورة 25 يناير. ويشير د. محمود أبو العنيين - أستاذ العلوم السياسية إلى عدم وجود أى دراسات تؤكد نسبة الأغلبية الصامتة لكى نحكم على تأثيرها فى الحملات الموجودة الآن سواء المؤيدة أو المعارضة أو الانتخابات القادمة أوالحركات السياسية إلى أن الناس البسطاء هم مع الذين يقدمون لهم الخدمة والعمل على حل مشاكلهم اليومية وتقديم الحلول الفورية والجذرية لمشاكلهم. وأضاف أبو العينين أن هذه نسبة لا يعنيها مايدور فى عالم السياسة سواء كانت تيارات إسلامية أو ليبرالية ولكن مع أى شخص يقدم الخدمة له والقضاء على المعوقات والمشاكل اليومية. لن يحكم فصيل واحد وترى الكاتبة سكينة فؤاد أن الحل الذى يمنع هذا الشرخ هو احترام جميع القوى السياسية وتحقيق أهداف الثورة وإدراك أمن مصر بكل ما تعرضت له خلال ثلاثين عامًا لا تستطيع أن يتولى قيادتها فصيل واحد ويجب إزالة أسباب الانقسام ومعالجتها ويجب مبادرة الرئاسة بإزالة كل أسباب الانقسام واحترام حق كل جماعة فى التعبير عن رأيها إذ لا يمكن بعد الثورة أن أبطل الأصوات المعارضة. مصلحة الوطن أولًا ويقول الخبير الإعلامى محمد حسنين إن هناك قاعدة فقهية تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع فكل من تمرد وتجرد دفع إلى جلب المنافع دون النظر إلى المفاسد التى تهدد الدولة المصرية فلابد من مواجهة الصعاب التى تواجه مصر والتى يمكن ان تقسمها بعد أن ظلت دولة موحدة لآلاف السنين. وأشار إلى أن تحرير سيناء من العناصر جرامية والإرهابية لابد ان يتقدم على كل المشكلات وأيضًا تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية لابد أن يأخذ الأولوية القصوى وإحداث ثورة تعيلمية للاستفادة من تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المجال. مصالح شخصية ويقول محمد عبد الرازق إن حملتى تمرد وتجرد تهدفان إلى تحقيق مصالح شخصية وسيؤدى ذلك فى النهاية إلى تدمير مصر وتقسيمها فلا بد من الانتباه إلى تدوير عجلة الإنتاج لكى لا نحتاج إلى القروض الخارجية فلا بد أن يدرك الشعب المصرى والحكومة أن من يملك قوت يومه يملك قراره. أعداء الوطن ويضيف عثمان محمد عثمان أن المعارضة أمر طبيعى وصحى فى أى مجتمع سياسى سليم طالما أن المعارضة والاختلاف فى الرأى لا يتعدى حدود التعبير السلمى المتحضر. ويقول كل الإحترام والتقدير لكافة الآراء والتيارات المؤيدة والمعارضة لأن الاختلاف فى الرأى يثمر الشارع السياسى ويظهر نقاط القوة للتأكيد عليها وكذلك يظهر نقاط الضعف والسلبيات ليتم تجنبها ويجب التأكيد على أن كل ذلك يجب أن يكون فى إطار سلمى دون صدامات أو مواجهات تضر بأمن واستقرار البلاد فى هذه المرحلة الفاصلة والتى يجب على الجميع أن يعمل من أجل نهضتها. أسلوب ديمقراطى ويقول صبحى إبراهيم محاسب بإحدى الشركات الخاصة إن حملة تمرد محاولة راقية وديمقراطية للتعبير عن رفض أسلوب إدارة البلاد سواء إدارة الملف الاقتصادى او السياسى فكل الملفات التى تعمل عليها الحكومة لم نلحظ بها أى تقدم فمنذ الثورة إلى الآن لا زالت البلاد تعانى غياب الأمن وزيادة حوادث السرقة والقتل وقطع الطرق مستمرة والحديث عن وجود إنجازات حققتها الحكومة الحالية أو النظام الحاكم مجرد وهم فالمواطن البسيط لم يشعر بأى تغييروا الزيادات فىالمرتبات والحوافز لم يستفد منها سوى موظفى الحكومة وكأن ال 90 مليوناً تم تعيينهم فى القطاع الحكومى وتجاهل النظام الحاكم الموظفين فى القطاع الخاص والمهن الحرفية وجميع الأعمال الحرة التى تأثرت بشدة بعد الثورة ولم تحصل على أية مزايا وهذه الفئات المطحونة هى نفسها التى كانت تعانى قبل الثورة وهى التى طالبت بالعدالة الإجتماعية ولم تحصل على شئ إلى الآن مشيراً إلى أن عدد الموقعين على حملة تمرد والرافضين للنظام الحالى والسياسة الداخلية والخارجية تعدى ال 7 ملايين شخص فى أيام قليلة.