هل شاهدت لقاء لميس الحديدى و«آن باترسون» سفيرة أمريكا فى القاهرة.. الذى بثته قناة (CBC) خلال الأسبوع الماضى؟! وإذا كنت شاهدته.. فكيف استقبلته؟ أقصد هل رأيته بعين الليبراليين.. أم الإسلاميين.. أم اليساريين؟! وهل هناك فرق فى الرؤية والمشاهدة وتأويل الكلام والأحداث التى تقع فى مصر الآن؟! الإجابة نعم.. والدليل موجود بأوضح ما يكون فى مشاركات وتعليقات رواد «الفيسبوك وتويتر واليوتيوب» وقراء المواقع الإخبارية، وفى هذه التعليقات مازال يمكنك أن ترى بوضوح شديد مصر الآن.. أقصد الشعب المصرى، هل صرنا منقسمين ومستقطبين؟..نعم.. هل صرنا موتورين وغير عقلانيين؟!.. نعم.. هل أتاح هذا الفضاء التخيلى أن نخرج أسوأ ما فى داخلنا ونرمى به بعضنا البعض؟ نعم.. كل هذا صحيح ولكن أتحدث هنا عن حوار لميس الحديدى والسفيرة الأمريكية فى القاهرة.(1) لم يتح لى أن أتابع الحديث أثناء بثه على شاشة الفضائية لكننى بحثت عنه وشاهدت جزءا كبيرا منه على موقع «اليوتيوب» ولم اكتف بالمشاهدة ولكنى أيضًا قرأت تعليقات القراء عليه، واضحكنى تعليق يعكس أريحية الشعب المصرى وصاحب التعليق الذى وقعه باسم ضياء توفيق «Diaa Tawfik» كتب: (واضح أوى أن السفيرة إخوانية وده مش محتاج تعليق.. لكن الواضح أكثر أن لميس إسرائيلية صهيونية) وما أضحكنى شيئان الأول وصف السفيرة بأنها إخوانية، وهذا بالطبع من رابع المستحيلات، والثانى أن ضياء توفيق - ووارد أن يكون الاسم وهميا - قام بتبديل المقاعد والرؤى من الأفكار ما بين السفيرة والمذيعة مع تحفظى على وصفه للأخيرة بهذه الأوصاف التى يرفضها أى مصرى جملة وتفصيلًا حتى ولو كانت لميس الحديدى. رأيت أيضًا فى تعليق هذا المشاهد الحكم السريع الاختزالى الانفعالى على الأمور وهذه هى العملة الفكرية المتداولة الآن ليس فقط فى الشارع المصرى، ولكن فى كثير من وسائل الإعلام وبين النخب. (2) المذيعة سألت والسفيرة أجابت، ومن الأسئلة والإجابات ظهرت النوايا تصديقا لقول الشاعر:(إن الكلام لفى الفؤاد، وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلًا).. والانطباع الذى خرجت به وتأكدت منه من خلال تعليقات القراء على «اليوتيوب» أنه لا المذيعة ولا السفيرة موضوعيتان وفى الوقت الذى لم تستطع فيه المذيعة السيطرة على مشاعرها كانت السفيرة أكثر ذكاء فى كذبها وتجميل وجه البلد الذى تمثله دبلوماسيا فى مصر. ..وبدت المذيعة أنها توجه ضيفتها وتستحثها وتحرضها ضد فصيل معين وشخص محدد وسلطة بعينها فتقول لها: لكن واشنطن كانت ذات صوت عال خلال فترة حكم مبارك عندما كان تحدث أى خروق لحقوق الإنسان أو حقوق الأقباط.. لم نعد نسمع نفس الصوت العالى لواشنطن عندما تحدث هذه الخروقات من قبل نظام الإخوان. فترد السفيرة: لم أكن هنا خلال فترة حكم مبارك، وأنا أشك أيضًا فى صحة هذا الكلام. لكن المذيعة التى لا تدرك أنها تتحاور مع شخصية دبلوماسية مسئولة تستدرك وقد شعرت بالحرج فتقول: أنا أتذكر هذا. تذكرى كما تشائين، لكن قواعد اللعبة تغيرت أيتها المذيعة التى تصورت أنها جاءت ب «آن باترسون» لتجرها إلى إعلان الحرب على الإخوان ونظامهم بمجرد أن تعبئها بكلمتين أو تثير مشاعرها من خلال استعادة ذكريات السياسات الأمريكية فى مصر قبل ثورة 25 يناير. والمذيعة لا تريد أن تفهم أو تغير من أسلوبها فى إدارة الحوار لذلك تمضى تقول للسفيرة: لم نسمعك تعلقين عندما خرج الإعلان الدستورى المكمل، لم نسمعك تتحدثين عن الدستور، وسمعنا بعض الأصوات فى واشنطن تقول: ربما تأخرنا.. ربما صمتنا أكثر مما ينبغى، هل هذا حقيقى؟! فتجاوبها السفيرة بوثوق الفاهم: لأن هذه مواضيع يجب أن يحلها الشعب المصرى فلا يمكن أن يعلق السفير توفيق - تقصد محمد توفيق سفير مصر فى واشنطن - على الدستور الأمريكى، المصريون يجب أن يحلوا هذا الأمر من خلال عملية سياسية ولا يحق للأمريكيين أن يقرروا، ولا يحق للسفارة أن تعلق! (3) لا يحق للسفارة أن تعلق، فهل يحق لنا نحن المصريين أن نذهب للسفارة الأمريكية ونطلب منها أن تتدخل فى شئوننا الداخلية، هذا درس قاس جدًا من السفيرة، وخطأ فادح جدًا من المذيعة الموتورة من الإخوان ونظام الإخوان لم أكن أنا ولا ملايين المصريين نحب أن نقع فيه ولا أعتقد أن السفيرة الأمريكية إخوانية - كما يقول المصرى صاحب التعليق الظريف - حتى تذّكر المذيعة بأمور لم يكن يصح أن تغيب عن حسها الوطنى ومهنيتها التى تصدع بها رؤوسنا. (4) والأمر ببساطة أن لميس ومن تمثلهم من المعارضة.. لا هى و لا هم فهموا بعد الثورة وحتى الآن ماذا تريد أمريكا من مصر.. كل الذى فهموه ماذا يريدون هم من الإخوان وهم ماضون فى طريقهم مثل القطار الذى لايستطيع أن يغادر قضبانه، حتى ولو انهدمت الدنيا من حوله وأعيد بناؤها. (5) المعارضة المصرية لا تريد أن تصدق أن أمريكا تلعب لصالح أمريكا وأنها - أقصد المعارضة - بالنسبة لها أدوات تستخدمها وقتما تريد وكيفما تريد، وإن أمريكا لم تغير نظرتها أو توجهاتها الأساسية نحو الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان ليس فى مصر فقط، ولكن فى كل بلدان الربيع العربى وفى أقطار المسكونة ولا الإخوان أيضًا غيروا رأيهم ونظرتهم نحو الشيطان الأكبر، فصارت تراه ملاكا، كل ما حدث أن الضرورة دعت الطرفين لأن يتفقا لأن هناك مصالح تستوجب أن يتخلى كلاهما عن معاداة الآخر مؤقتًا، هل هذه هى المصالح الأمنية فى المنطقة كما قالت السفيرة الأمريكية فى حوارها مع المذيعة؟.. ربما هى ومصالح أخرى والذى أريد أن أضيفه قبل أن تغادر هذا المقال هو أن أمريكا كفرت أيضًا بالمعارضة المصرية وفشلت فى رهانها عليها واعترفت بذلك عبر مراكز دراساتها الاستراتيجية التى لها صلة مباشرة بثورات الربيع العربى، ومنها مركز «كارينجى» الشهير الذى يمكنك أن تطالع عليه دراسة بهذا المعنى وضعها «توماس كاروزيرس» بعنوان (المعارضة المصرية.. نظرة ثانية) افتتحه بقوله: حالما تذكر المعارضة السياسية فى مصر فى أى تجمع يناقش السياسة الخارجية فى واشنطن، تواجه فى الغالب كورسًا من السخط والرثاء. وفى فقرة تالية يكتب: نظرة الإدارة الأمريكية إلى المعارضة تشبه نظرة الجميع إليها تقريبًا، فهى ضعيفة وعاجزة وكسولة وغير منظمة.. إلى آخره. الإدارة الأمريكية إذن كانت تراهن هى الأخرى على المعارضة فى إسقاط حكم الإسلاميين هذه هى الحقيقة التى ترجمتها السفيرة فى لغة دبلوماسية فقالت إنه شأن مصرى داخلى.. لكن المذيعة - للأسف - لم تفهم ذلك مثلما لن يفهم كثيرون أن هذا الكلام السابق كله ليس دفاعًا عن الإخوان أو النظام الحاكم.. ولكنه دفاعًا عن مصر التى لن تحبها أمريكا أكثر من أهلها.