في الوقت الذى تنفى الرئاسة النيجيرية الاتهامات الموجهة للجهات الأمنية باستخدام القوة المفرطة والقتل خارج نطاق القانون أثناء العمليات الأمنية لملاحقة أعضاء جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتشددة، أكد تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن الجيش النيجيرى فى حربه فى وسط وشمال البلاد لا يفرق بين الإسلاميين المتشددين والمدنيين الأبرياء لدرجة ترقى إلى تنفيذ عمليات قتل جماعى فى الشمال الذى تسكنه أغلبية مسلمة. ونقلت الصحيفة من مدينة مايدوجورى، عاصمة ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا والمعقل الرئيسى لجماعة بوكو حرام الساعية إلى إقامة نظام إسلامى، مشهدا غاية فى البشاعة حيث وصلت حمولة جديدة من الجثث التى يسلمها الجيش النيجيرى بشكل روتينى إلى مشرحة المستشفى الرئيسى بالمدينة- حسبما تقول نيويورك تايمز. ومن بين ال29 جثة، وبشكل غير متوقع، بدأت ثلاث جثث تتحرك. عندئذ أشار مسئول أمنى إلى أنه لم يتم إطلاق النار عليهم بشكل صحيح وقام باستدعاء قوة المهام العسكرية المشتركة ليتم إطلاق النار عليهم ولكن بشكل صحيح هذه المرة ليلحقوا بالقتلى الآخرين. ووفقا لمسئولين حكوميين وأمنيين وعاملين فى المستشفى ومسئولين بالصحة وجماعات معنية بحقوق الإنسان، فإن المستشفى تتسلم من الجيش النيجيرى يوميا أعدادا كبيرة من الجثث- تصل أحيانا إلى أكثر من 60 جثة. وتوضح «نيويورك تايمز» أن الضحايا هم شباب يتم اعتقالهم أثناء مداهمات الجيش بتهمة الانتماء لجماعة «بوكو حرام» أو تأييدها وذلك بناء على أدلة واهية أو دون وجود أية أدلة على الإطلاق، ثم يتم اقتيادهم إلى مراكز للاحتجاز حيث يتعرضون للضرب والتجويع وإطلاق النار وأحيانا الخنق حتى الموت، وبعد ذلك يقوم الجنود بإحضار جثثهم إلى المستشفى ورميها فى المشرحة. وتشير الصحيفة إلى أن هذه العملية تتكرر بشكل ثابت بحيث إن المشرحة الصغيرة الواقعة على حافة المستشفى دائما ما لا يكون بها مساحة لاستقبال الجثث الجديدة ويقوم الجيش بإلقائها على الأرض خارجها مما يضطر السكان فى كثير من الأحيان إلى الفرار من الحى هربا من رائحة الجثث المتعفنة. و يقر المسئولون بالتداعيات الخطيرة للتكتيكات القاسية التى يتبعها الجيش النيجيرى فى حربه ضد بوكو حرام. وفى هذا السياق، أعرب حاكم الولاية قاسم شتيما عن قلقه- وذلك بالرغم من حرصه على عدم الإساءة للجيش النيجيرى- مشيرا إلى أن الكثير من الأرواح تزهق يوميا نتيجة للظروف غير الإنسانية بمراكز الاحتجاز التى يتم اقتياد المعتقلين إليها. ومن جانبه، اعترف المتحدث باسم الجيش النيجيرى الكولونيل ساجر موسى باقتياد المعتقلين إلى مراكز للاحتجاز قائلا إن «الكثير من قادة بوكو حرام تم اعتقالهم والكثير من معاقلهم تم تدميرها مما ساعد فى استعادة القانون والنظام» ولكنه رفض الاتهامات بوقوع عمليات قتل أو تعذيب على نطاق واسع مشيرا إلى أنهم حتى لا يملكون المعدات التى تمكنهم من التعذيب. وردا على ذلك، قال مسئول محلى ل «نيويورك تايمز» إن الجيش النيجيرى ليس بحاجة الآن لمثل هذه المعدات لأنهم ببساطة يقتلون المعتقلين عن طريق الخنق، موضحا أن الجيش النيجيرى يضع 30-40 شخصا داخل سيارة مصفحة ويقفلها عليهم مما يؤدى إلى اختناقهم. وتحدث المسئول عن عملية دفن جماعى ل174 شابا خلال الأسابيع الأخيرة. وتقول الصحيفة إنه خلف المستشفى، وراء جدار عال يفصل المشرحة عن زقاق ضيق من المحلات التجارية، كانت رائحة الجثث المتحللة واضحة جدا ، وتنقل الصحيفة عن أحد البائعين بالزقاق ويدعى الحاجى بشير قوله إن سكان الحى لا يستطيعون البقاء فيه مضيفا: لا يمكنك الجلوس فى الخارج، إننى أغرق المتجر بالعطور. إنهم يحضرون فى بعض الأحيان 80 جثة يوميا ويلقون بها تحت الأشجار. أما سليمان محمد، 28 عاما، بائع ملابس، فيروى تجربته المأساوية فى أحد مراكز الاحتجاز قائلا إنه تم اعتقاله فى يناير الماضى إلى جانب ستة آخرين بعد هجوم على إحدى المدارس المجاورة حيث اتهموهم بالانتماء لبوكو حرام رغم نفيهم ذلك وتم اقتيادهم إلى الحجز. ويتذكر محمد أنه هناك تم تعليقه لمدة يومين، وتم تكبيله إلى عمود وضربه بهراوة وكان يتم إعطاؤه كوبا واحدا من الماء يوميا. ويقول إن ما لا يقل عن 30 شخصا كانوا يموتون بالحجز يوميا نتيجة للجوع والعطش والأزمات القلبية. ويضيف محمد أنه لم يكن يتصور أنه سوف يرى العالم الخارجى مرة أخرى ولكن تم الإفراج عنه عندما تدخل رجل شرطة بالحى وقال إنه ليس عضوا ببوكو حرام. ويتعرض الجيش النيجيرى لانتقادات منذ فترة طويلة بسبب التكتيكات شديدة الصرامة التى يتبعها فى حربه ضد بوكو حرام ولكن عادة ما تقلل الحكومة النيجيرية من عدد ضحايا المواجهات بين الجيش والجماعة المتشددة فى وسط وشمال البلاد والتى خلفت منذ 2009 ما لا يقل عن ثلاثة آلاف قتيل فى ذلك البلد الأفريقى المقسم بين شمال تسكنه أغلبية مسلمة وجنوب تسكنه أغلبية مسيحية.