رغم أن الأديان كلها تشجع العمل اليدوى وتحترم صاحبه وتبشره بالجنة إن هو أحسن عمله، وصدق فى تعامله مع الناس، فإن السينما المصرية لا تعترف بتلك البديهية، ومعها بعض العذر.. فلقد تربينا على احتقار العمل اليدوى والتقليل من شأنه، منذ كنا صغارا سواء فى البيت أو المدرسة. فإذا حصل الولد على درجات ضعيفة فى مادة من المواد، قال له الأب.. انت مش نافع وبكره تطلع ميكانيكى.. وإذا تقدم سباك أو حلاق أو نجار أو صاحب أى مهنة شريفة لبنت متعلمة وأبوها موظف.. قالوا.. «الجوازة دى مش ممكن تتم.. مافيش تكافؤ اجتماعى..» وإذا شاهدت مسلسلاً أو فيلما يتناول شخصية من تلك الشخصيات، وجدتهم إما يبالغون فى إظهاره بمظهر صاحب الذوق الفاسد والطريقة غير المهذبة فى الكلام والتعامل، وهذه هى الصورة الغالبة فى معظم أعمالنا الفنية، وإما يبالغون فى إظهاره بمظهر المتحذلق، الذى يحمل الحقيبة السامسونيت، ويعمل بالساعة وكأنه خبير مثمن أو طبيب جراح، وطبعا هذه صورة كاريكاتيرية ساخرة، لا وجود لها فى الواقع، بالضبط كالصورة الأولى، فلا الحرفى أو الصنايعى ظل مظهره كمظهر اللصوص وقطاع الطرق والشحاذين كما يصورونه فى الأفلام، ولا هو يرتدى الملابس الفاخرة، ويضع السيجار فى فمه، كما يصورونه فى أعمال أخرى.. وكثير من الحرفيين الآن حاصلون على شهادات عليا ومتوسطة، وانضموا إلى سوق الأعمال اليدوية لأنهم لم يفلحوا فى الحصول على وظيفة. وليس الحرفيون فقط هم الذين تظلمهم السينما والتليفزيون والأعمال الفنية.. فأولاد البلد، أو ما يصطلحون على تسميتهم بهذا الاسم، مظلومون أيضا.. فتاجر الفاكهة أو الخضار وبائع الحلويات والبقال وغيرهم لم يعودوا يرتدون الجلاليب، وكثير منهم أيضا الآن متعلمون، وورثوا المهنة عن آبائهم والجزارون أيضا ليسوا كما نراهم فى السينما، يرتدون الجلاليب البيضاء ويضعون السكاكين والسواطير فى خواصرهم ويهددون الناس ويفرضون الإتاوات.. والمثير للسخرية أن أحد هؤلاء الجزارين هو الآن واحد من أهم منتجى السينما، ومع ذلك لم يفكر فى تصحيح تلك الصورة المغلوطة عن مهنته الأصلية. والمطلوب بعد أن احتفلنا بعيد العمال أن نتخلص من تلك النظرة الضيقة والميل إلى التنميط وتكرار نفس النماذج الإنسانية بنفس الوصف والمظهر وطريقة الحديث فى أعمال فنية مسلوقة، وخالية من الجهد والصدق والإبداع.