طلما ظل جوانتانامو مفتوحا فإن أمريكا لا يمكنها فرض سلطتها الأخلاقية على العالم .. هذه العبارة تلخص فحوى الانتقاد الذى وجهته صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية لإدارة الرئيس الأمريكى بارك أوباما بسبب طريقة تعاملها مع الإضراب المستمر عن الطعام فى المعتقل منذ ثلاثة أشهر، وذكرت الصحيفة أن استخدام أساليب الاستجواب الوحشية والإذلال الجنسى والعنف المفرط فى المعتقل الذى تحيط به السمعة السيئة، هو أمر يحط من قدر أمريكا لكن الأفظع من ذلك هو سماح أوباما باستمرار هذه الممارسات الفاسدة على مرأى ومسمع منه. أما الصحف الأمريكية، فلم تكن أقل حدة من «الأوبزرفر» البريطانية فى انتقادها لإدارة أوباما حيث أجمعت على أن جوانتانامو يمثل وصمة عار فى جبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن استمرار هذا المعتقل يظهر تنكر أوباما لوعوده خلال حملته الانتخابية عام 2008 بإغلاق المعتقل فى غضون عام من توليه رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتزايدت الانتقادات لإدارة أوباما مع اتساع نطاق الإضراب عن الطعام الذى يقوم به سجناء فى قاعدة جوانتانامو العسكرية الأمريكية فى كوبا، حيث ارتفع عدد المضربين عن الطعام خلال الأسبوع الماضى إلى أكثر من مائة سجين من أصل 166 معتقلا فى جوانتانامو، من بينهم 20 على الأقل تتم تغذيتهم قسرا بواسطة أنابيب متصلة مباشرة بالمعدة عن طريق الأنف وهو ما تعتبره اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية مخالفا للحريات الشخصية وللمعايير الأخلاقية والطبية على المستوى الدولى. وصرح فنسنت لاكوبينو، خبير الشئون الطبية بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» لصحيفة «ميامى هيرالد» أنه إذا عبر شخص سليم عقليا عن رغبته فى الامتناع عن الحصول على الغذاء والماء، فمن الواجب الأخلاقى للطاقم الطبى احترام رغبته. وأضاف قائلًا:«فى هذا الإطار، فإن تغذية شخص بالقوة لا يشكل انتهاكا أخلاقيا فحسب بل يمكن أن يعتبر تعذيبا أو سوء معاملة». وللأسف فإن تحليلا نشرته وكالة «رويترز» أظهر أن القانون الأمريكى لا يمنع هذا الإجراء حيث خلص معظم القضاة الذين نظروا فى مسألة التغذية القسرية فى السجون إلى أن هذه الممارسة ربما تمثل انتهاكا لحق النزيل فى الخصوصية وفى التحكم فى جسده وهما حقان أصيلان فى الدستور الأمريكى والقانون العام. لكنهم قضوا أيضا بأن اعتبارات إدارة السجن تفوق هذين الحقين من حيث الأهمية، وتنظر المحاكم الأمريكية بصفة عامة إلى الإضراب عن الطعام على أنه محاولة انتحار وأقرت بحق السجون فى وقف أى محاولات انتحار فى إطار التفويض الممنوح لهم لحفظ النظام. وبينما بدأ الإضراب عن الطعام فى جوانتانامو فى السادس من شهر فبراير الماضى بسبب الإساءة فى التعامل مع المصاحف أثناء عمليات التفتيش، يؤكد محامو المعتقلين أن السبب الرئيسى للإضراب هو استمرار اعتقالهم منذ 11 عاما دون توجيه اتهام رسمى ولا محاكمة. ومن جانبها، دعت المفوضة العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة «نافى بيلاى» السلطات الأمريكية إلى إغلاق معتقل جوانتانامو مؤكدة إن إبقاء الكثير من السجناء قيد الاعتقال لأجل غير مسمى دون اتهامات أو خضوع للمحاكمة هو انتهاك للقوانين الأمريكية والدولية مشيرة إلى أن حوالى نصف المعتقلين ال 166 خضعوا للمحاكمة مع إمكانية إطلاق سراحهم أو إرسالهم إلى دولهم الأصلية أو إلى أى بلد آخر. وأضافت بيلاى أن الإضراب عن الطعام الذى بدأه بعض المحتجزين لا يثير الدهشة «نظرا إلى أن هذا الاعتقال يبدو بدون نهاية فليس من المفاجئ أن يلجأ السجناء إلى وسائل يائسة». وبالرغم من إعلان البيت الأبيض أن الإدارة الأمريكية لم تتخل عن خططها الرامية لإغلاق المعتقل وأن العائق الرئيسى يكمن فى عدم موافقة الكونجرس على ذلك، فإن الصحف الأمريكية أنحت باللائمة على الرئيس أوباما لتنصله من وعده بإغلاق المعتقل. وفى هذا السياق، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز»إلى أن أوباما وقع فى يناير 2011 على القانون الذى سنه الكونجرس والذى يقيد نقل المعتقلين إلى سجون داخل الولاياتالمتحدة أو إلى دول أخرى وذلك فى الوقت الذى كان هناك 86 نزيلا قد برئت ساحتهم وتمت الموافقة على نقلهم إلى دول أخرى إذا ما تم الإيفاء بالشروط الأمنية. وتابعت الصحيفة أنه بالرغم من أن المشرعين منحوا وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فيما بعد سلطة التخلى عن القيود التى يفرضها ذلك القانون من خلال التعامل مع كل حالة على حده، فإن الإدارة الأمريكية لم تستخدم هذه السلطة حتى الآن، بل ألغت مع بداية العام الحالى منصب المبعوث الخاص لإغلاق جوانتانامو والذى كان مسئولا عن إجراء المفاوضات مع الدول الأخرى لاستضافة معتقلى جوانتانامو. كما أشارت الصحيفة إلى أن ال 86 سجينا الذين برئت ساحتهم يوجد بينهم 56 يمنيا، وأن أوباما نفسه هو الذى كان قد منع- قبل عام من فرض الكونجرس قيوده القاسية- إعادة اليمنيين إلى وطنهم بسبب نشاط تنظيم القاعدة هناك. ومما يضيف إلى انطباع اللامبالاة المأخوذ عن إدارة أوباما تجاه جوانتانامو - حسبما تقول الصحيفة - هو مرور أكثر من عام الآن على الميعاد الذى حدده الرئيس الأمريكى لعقد الجولة الأولى من جلسات الاستماع إلى مجالس المراجعة الدورية للنظر فيما إذا كان يمكن نقل سجناء آخرين. ويقول مسئولون إن سبب التأخير هو النزاع بين الوكالات الأمريكية، خاصة ال «سى آى ايه»، بشأن طريقة تعامل هذه المجالس مع الأدلة على استخدام التعذيب أو المعاملة الوحشية داخل المعتقل.