يبدو أن الوعد الذى قطعه الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند على نفسه أثناء حملته للانتخابات الرئاسية فى 2012 بإقامة «جمهورية مثالية» لن يتجاوز حد الوعود الانتخابية، إذ إنه بعد 11 شهرا من دخوله قصر الإليزيه ، لم يشعر الفرنسيون أن فرنسا فى طريقها لأن تكون الجمهورية المثالية التى وعدهم بها أولاند، خاصة بعد الكشف عن تورط «جيروم كاوزاك» وزير الخزانة الأسبق فى فضيحة مالية، وذكرت الصحف الفرنسية أن كاوزاك يمتلك حسابا سريا فى سويسرا وضع فيه أموالا مخبأة من سلطات الضرائب، ولم يكتف «كاوزاك» بهذا، بل ظل حوالى أربعة أشهر ينكر هذه الاتهامات أمام وسائل الإعلام الفرنسية وأمام أعضاء الجمعية الوطنية حتى اضطر للاعتراف مؤخرا. ويؤكد «ادوى بلينال» مؤسس موقع «ميديا بارت» الذى فجر فضيحة «كاوزاك» أن «أولاند» كان على علم بامتلاك وزير الخزانة السابق لأرصدة خارج فرنسا، إلا أنه لم يبادر إلى اتخاذ التدابير اللازمة قبل تفجر الفضيحة إعلاميا، كما شدد على أن فضيحة كاوزاك بداية لفضيحة أكبر ستطال الجمهورية الفرنسية فى إشارة إلى عدد من التجاوزات المالية لشخصيات مقربة من «أولاند» سيتم الكشف عنها عبر هذا الموقع الإخبارى. وجاءت هذه الفضيحة التى تورط فيها كاوزاك لتفتح شهية المعارضة لمهاجمة أولاند وحكومته، فتحدث حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» المعارض عن أن تعديلا وزاريا هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة فى الحكومة، وهو ما طالب به أيضا قطاع كبير من الفرنسيين حيث كشف استطلاع للرأى نشرته صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية أن 60 % من الفرنسيين يؤيدون إجراء تعديل حكومى، ويعكس الاستطلاع حالة الفرنسيين المعنوية بعد اكتشافهم أن وزير الخزانة الذى يطالبهم بإجراءات تقشفية ويعمل لفرض المزيد من الضرائب لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتخفيض العجز فى الموازنة العامة، يتهرب من دفع الضرائب. من جهة أخرى، أدت هذه الأزمة إلى مزيد من التراجع فى شعبية «أولاند» الذى يعانى بالفعل من تراجع كبير فى شعبيته بسبب الأزمة الاقتصادية، وقبل اندلاع القضية كشف استطلاع للرأى أجراه معهد « تى ان اس سوفريس» أن شعبية أولاند تدنت خلال شهر إلى أدنى مستويات بلغها رئيس فرنسى خلال السنة الأولى من توليه الحكم، إذ بلغت 27%، وقد حاول أولاند تفنيد تلك الاتهامات الموجهة له بخصوص علمه بالفضيحة الأخلاقية والمالية لوزير خزانته، وأكد أنه لم يكن على علم بأى نشاط مالى أو ضريبى ل «جيروم كاوزاك»، مشيرا إلى أن مطالب المعارضة بتغيير الحكومة أمر مبالغ فيه، باعتبار أن تجاوز كاوزاك مسألة شخصية منفردة وخطيرة، لكنها ليست قضية دولة ولا يمكن تحميل طاقم الحكومة مسئولية خطأ شخص، مستبعدا إجراء تعديل حكومى فى الوقت الراهن. ولم يمنع دفاع أولاند عن نفسه وعن حكومته، الصحف الفرنسية والعالمية من انتقاده، وتأكيدها أن هذه الأزمة أدت إلى «تسونامى سياسى» سيزيد من ضعف أولاند، وكتبت صحيفة «البابيس» الإسبانية أن اعتراف الوزير السابق بوجود حساب سرى له فى سويسرا وما ينتج عن ذلك من شبهات سببت زلزالا سياسيا حقيقيا فى فرنسا، وأضافت أن أولاند يقف فى واجهة الانتقادات، وأنه متهم بالتواطؤ فى أكاذيب وزيره، أما صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية فوصفت الأزمة بأنها واحدة من أسوأ الفضائح فى تاريخ فرنسا الحديثة، فى الوقت الذى اعتبرت صحيفة « فرانكفورت الجامايتى تسايتونج» الألمانية أن الفرنسيين باتوا أمام أزمة سياسية تقوض ما تبقى من ثقتهم فى قادتهم.