«أرجوكم ألا تهرجوا أو تصفجوا حتى تنتهى سلاّمة من الغناء»، وتبدأ سلاّمة والندامى كأن على رؤوسهم الطير هذه جملة شهيرة من حوار فيلم «سلاّمة» قصة على أحمد باكثير حوار وأغانى بيرم التونسى إخراج توجو مزراحى بطولة أم كلثوم ويحيى شاهين وعرض لأول مرة يوم 9 إبريل 1945. وسلاّمة جارية ولدت بالمدينة وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبى السمح كانت تعيش فى دار الشيخ أبو الوفا مع ملازمتها شوق. وكانت صاحبة صوت جميل تمضى النهار فى رعى الغنم والليل فى الغناء حتى سئمها الشيخ أبو الوفا وقرر بيعها هى وشوق فى سوق الجوارى فاشتراهما ابن سهيل الحاجن بدينارين ليتاجر بصوت سلامة التى التقت بالشيخ عبد الرحمن القس بن أبى عماد الجسمى من قراء أهل مكة وهو تقى ورع وقع فى حبها كما وقعت هى فى حبه - قالت له مرة أنا والله أحبك فقال لها وأنا والله أحبك - قالت أنا أضع فمى على فمك وقال وأنا والله أحب ذلك قالت فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال. قال إنى سمعت الله عز وجل يقول الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأنا اكره أن تكون خلة ما بينى وبينك تؤول إلى عداء ثم قام وانصرف إلى ما كان عليه من النسك. اشترى الخليفة يزيد بن معاوية ثانى خلفاء بنى أمية الذين تعاقبوا على خلافة المسلمين منذ عام (41ه - 132ه) وكان أولهم الخليفة معاوية بن أبى سفيان (41ه - 60ه) وآخرهم الخليفة رقم 14 مروان بن محمد بن مروان (127ه - 132ه) وأعظمهم الخليفة عمر بن العزيز (99 - 101ه). ورغم ما تعرض له عبد الرحمن القس من سخرية العرب لحبه هذا إلا أنه تمسك بحبه ولما أفلس ابن سهيل الذى اشترى سلامة عرض جواريه وكل ما يملك للبيع فذهب القس ليشترى سلامة ويعتقها ثم يتزوجها لكنه فوجئ بأن الخليفة يزيد بن عبد الملك (101 - 105ه) قد اشتراها بعشرين ألف دينار وكان يفضل عليها مغنية أخرى هى حبابة ولما مات اهتم ابنه الخليفة «بن يزيد بن عبد الملك (125 -126ه) بها». أما حبابة فكانت المغنية المفضلة لدى الخليفة يزيد. وفى روايتى الطبرى والدميرى أن سعدية زوجة يزيد قالت له: يا أمير المؤمنين هل بقى من الدنيا شىء تتمناه بعد؟ فقال: نعم.. حبابة فأرسلت من اشتراها بأربعة آلاف دينار واتت بها وأجلستها وراء ستار وقالت للخليفة: أبقى شىء من الدنيا تتمناه فقال ألم تسألى عن هذا مرة وأعلمتك؟ فرفعت الستار وقالت هذه حبابة وظلت موضع إكرامه حتى موتها وبعد دفنها اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام فأمر بأن ينبشوا قبرها ويكشفوا عن وجهها وقد تغير كثيرا لكنه كان يراه جميلا وأصر على إخراجها من قبرها لولا أن أهله قد أقنعوه بأن يرجع عن رأيه السخيف الذى يعكس ضحالة فكر بعض الخلفاء فى ذلك العصر. كان الخليفة يزيد بن عبد الملك محبا للغناء وكان أول من أجرى المسابقات بين المغنيين فى عصره (وعلى فكرة كانت مجلة أكتوبر أول من اهتم فى المنطقة العربية بهواة الغناء وأقامت لهم المسابقات الضخمة). ومن المطربات الأمويات جميلة السلمية التى تعلمت الغناء من أحد جيرانها وتخصصت فى غناء أشعار زهير بن أبى سلمى وهى أستاذة لكثيرات فى عصرها وكان المغنى الشهير معبد يقول إن جميلة هى أصل الغناء ونحن فروعه ولولاها ماكنا مغنيين. أما خليدة المكية فقد رفضت الزواج سرا من محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ولما قرر أن يكون الزواج علنيا وافقت على الزواج منه. أما سعاد فقد ولدت فى الكوفة بالعراق وعرضت على الخليفة الوليد بن يزيد (125- 126ه) وغنت فطرب بصوتها لكنه علم أن حنين الذى كان يحفظها الأشعار كان يطارحها فطلب أن تباع وبأى ثمن. وبوبة كانت جارية عبد الرحمن بن عتبة بن سعيد بن العاص وكان يؤدبها ليهديها إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (105 - 125ه) وكتب فيها الشعر إسماعيل بن عمار. أما خوبى العوادة فكانت مغنية وعازفة عود ماهرة بعد أن ظهر رائد المدرسة الحديثة صائب خائر يغنى بمصاحبة العود لأول مرة فى دمشق واشتراها بكتمر الساقى بعشرة آلاف دينار مصرية ولما مات كسرت عودها وباعها الناصر لبشناك بستة آلاف دينار ودخلت عليه بأمتعة كثيرة فلم تخط عنده وتوفيت 740ه. والمغنية سلامة الزرقاء اشتراها محمد بن سليمان والى الحجاز بمائة ألف درهم فلما ولى عثمان بن حيان على المدينة طلب الأشراف والأنصار منه تحريم الغناء وذهب إليها ابن أبى عتيق ليخبرها بمطلب الوالى فقالت له كانت هذه صنعتى فتبت إلى الله وطلبت ألا يحرمها الوالى من مجاورة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فأمرها ابن أبى عتيق بالتقشف ووضع سبحة فى يدها وقدمها لعثمان بن حيان فى الحداء وسمعها الوالى فنزل وجلس بين يديها وقال والله مامثلك يخرج عن المدينة. أما أم عوف فهى أستاذة المغنية حبابة وكانت على خلاف مع يزيد بن عبد الملك قبل أن يصبح خليفة. أما الأراكة فهى قينة أى جارية مغنية ليزيد بن ربيعة وبربر جارية آل سليمان كتب فيها شاعر مخضرم بين الدولة الأموية والدولة العباسية «أشكو ما ألاقى فى القلى لأهلى ما لقيت من حب بربر». فقال له محمد بن سليمان خذها هى لك فقال لا أريدها فألح عليه فقال أعتق ما أملك وفعل ذلك أما شهدة فهى جارية الوليد بن يزيد (126 - 127ه) من قيان الحجاز اشتراها الوليد لتعلم جواريه الغناء ومن مغنيات ذلك الزمن أيضا الشماسية وقند ورحمة وهبة الله وعقيلة وفرعة وبليلة وسعيدة. وفى العصر الاموى انتشرت ظاهرة «ابن الوز عوام» فاحترفت الغناء ابنة ابن سريج وأخت وهما من كبار مغنيى زمانهما وما أشبه اليوم بالبارحة.