انصهرت عائلة " الديوركلى" التركية فى الحياة المصرية، وتوالت مئات السنين على قدومهم إلى "الصعيد" جنوب مصر، وإقامتهم فى مدينة برديس بمحافظة سوهاج، وعن تفاصيل تلك الرحلة من "الأناضول إلى المحروسة"، كشف الحفيد محمد صفوت الأفندى وقائع تاريخية مثيرة عن حياة عائلته، وأسرار وثيقة النسب، ومصاهرة العائلات التى يرجع نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وشفرة الأسماء التركية مثل كاظم وكمال والوسيّة، والتصدى للصوص والبلطجية، وتوارث العمودية وغيرها من التفاصيل المثيرة... لفت محمد الأفندى إلى أن برديس موطنه الذى نشأ فيه، وورث عن أسلافه عشقه لهذا المكان وأهله، ولذا قرر بعد تخرجه فى الجامعة أن يمارس المحاماة من خلال مكتبه ببرديس، وعرف عن حفيد «الديوركلى» أنه يترافع فى بعض القضايا دون أجر، ومازال يقيم فى بيت العائلة على أرض "الوسيّة". وأكد الأفندى أن العديد من الأتراك أقاموا فى صعيد مصر الذى تحلى أهله بصفات الكرم والشجاعة والوفاء بالعهد، والبعد عن مناطق الصراع على الحكم، وهناك منحوا "الصعايدة" أسماءهم مثل أغا وأفندى وعصمت وكمال وأعظم، وامتلك هؤلاء الآلاف من الأفدنة الزراعية، وامسكوا بزمام الحكم على مدار مئات السنين، ورغم مرور أكثر من 200 عام على وجود الأتراك فى مصر فإن العائلات ذات الجذور التركية احتفظت بكيانها وشكلها المميز سواء فى الطباع أو فى سلوكهم مع جيرانهم. محمد صفوت حفيد عثمان حسين الديوركلى، أوضح أن العائلة تنتسب الى عثمان الديوركلى وأخيه إبراهيم الديوركلى اللذين جاءا من الأناضول بعد تولى محمد على باشا حكم مصر، ولم نعلم بالتحديد وقت مجيئهما، ولكن الثابت أنهما كانا فى برديس قبل عام 1252 ه الموافق 1837م، كما هو الثابت فى الوثيقة "يشير إلى مخطوطة أمامه" التى بين أيدينا الآن. وتابع: جدى عثمان حسين الديوركلى تولى حكم مديرية جرجا وكانت من أهم الولايات العثمانية ولا تسند ولايتها إلا لرجل قوى ، ثم تولى بعدها ولاية برديس ، أما أخوه إبراهيم فلا يعرف على وجه التحديد هل لحق بأخيه بعد أن استقر فى برديس؟ أم أنه جاء معه من الأناضول للاستقرار فى تلك المدينة؟ وسيّة الأفنديات الحفيد الأفندى استعرض بداية إقامة العائلة فى برديس قائلا : نزل عثمان أفندى وأخوه إبراهيم أفندى وهذا اللقب أطلقه أهل برديس عليهما ، حيث كان المصريون يطلقون اسم "أفندينا" على الحاكم وزال اسم "الديوركلى" فيما بعد وبقى لقب "الأفندي" حتى هذا اليوم، واستقر الشقيقان فى منزل مبنى من طراز عثمانى من طابق واحد فى "القيسارية" وهو أقدم شوارع برديس، وما زال هذا المنزل قائما حتى الآن ، وأقاما فيه فترة إلى حين الانتهاء من تجهيز منزلهما الكبير، والذى أطلق عليه فيما بعد (الوسيّة) واستغرقا وقتاً طويلاً فى بنائه، وهو كائن حاليا فى شارع الأفنديات، وتم هدمه فى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، ومازالت أرض هذا المنزل موجودة حتى اليوم. وثيقة النسب وكشف الحفيد أن جده عثمان حسين الديوركلى، أراد تكوين أسرة هو وأخوه إبراهيم وقاما بالبحث والتقصى عن عائله يمتد نسبها إلى آل بيت رسول الله "صلى الله عليه وسلم " حتى يتزوجا منها وقيل لهما إن هناك عائله تسمى "عائلة البولاقي" يرجع نسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد التأكد من نسب هذه العائلة من خلال " الجرد " أو وثيقة النسب التى مازالت موجودة حتى الآن ، وهكذا تزوج عثمان أفندى وأخوه إبراهيم أفندى من عائلة" البولاقي" وأنجب الأول ذريته من الإناث وأنجب الثانى ذريته من الذكور وتزوج فيما بعد أبناء العمومة. المثير أن هذا الإرث فى الزواج مازال متبعاً حتى الآن، والتدقيق فى النسب جيداً، وكانت عائلة الأفندى إلى وقت قريب لا تصاهر أحداً مطلقاً من خارجها ، وكان جل اهتمامهم هو البحث عن الأصل الطيب والأخلاق الكريمة. عمدة برديس ويمتد شريط الذكريات، حيث أوضح محمد صفوت أنه بعد وفاة عثمان وإبراهيم ظلت عائلة الأفندى تتولى الشأن العام فى برديس سواء بصفة رسمية أو غير رسمية، فقد تولى عمر أحمد إبراهيم الأفندى العمودية خلال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، ثم منشأة برديس وهى الشق الغربى للبلدة، ثم تولى محيى الدين الأفندى منصب العمودية من الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي، وخلال حكم هذا العمدة كانت أزهى عصور العائلة، حيث كان مشهودا لهذا الرجل بالقوة والصرامة وبسط نفوذه على جميع العائلات التى تقع تحت ولايته ، وما زال أهل المدينة يتسامرون فيما بينهم بهذا العهد الذى حمى سكان البلدة من اللصوص وقاطعى الطريق وعدم وجود مظلوم .. ثم تولى بعده العمدة كمال الأفندى ومازال عمدة منشأة برديس حتى الآن، ويسير على خطى أسلافه. ولا يتوانى فى مساعدة الآخرين. وأشار الأفندى إلى أن برديس كانت قبل قدوم عائلة الافندى تحت سيطرة إحدى العائلات والتى مازالت موجودة حتى الآن وتخضع لسطوة بلدان أخرى مجاورة وبقدوم " الأفندي" حدث نوع من توازن القوى فى المدينة، وبتكاتف عائلاتها والتفافها حول "عائلة الأفندي" اختفت كل مظاهر السطو والظلم. شبح الانقراض عن أهم ما يميز عائلة الأفندي، قال محمد صفوت، إن أفرادها يعرفون بعضهم جيدا ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم مدعياً قرابته حتى ولو تشابه اسم العائلة مع عائلات أخرى فى أرجاء مصر. والطريف أن عائلة الأفندي، كانت تمتلك فى الماضي، أسر عدد من العبيد الذين تم جلبهم للعمل فى الأرض ، وجاءوا من مناطق أخرى، وكانوا يعاملونهم بمحبة واحترام ومازالت هذه العائلات موجودة حتى الآن وتربطها بعائلة الافندى علاقات صداقة قوية. كما اشتهرت عائلة الأفندى بملامح وبشرة مميزة، حتى إن الشخص يعرف من وجهه بأنه ينتمى إليها، وهنا أوضح محمد صفوت، أن العائلة تواجه شبح الانقراض بسبب التقوقع على مصاهرة أفرادها فقط، والتدقيق الحازم فى نسب العائلات ، وبالفعل فأعداد العائلة فى تناقص شديد. وتعد عائلة الأفندى الوحيدة التى يطلق على أفرادها لقبها ، بدلا من المناداة على الشخص باسمه ينادى بلقب " الأفندي"، ومازالت تتسمى بأسماء تركية مثل عصمت وأعظم وكمال ومدحت ومصطفى وإبراهيم. وتربط عائلة الافندى وأغلب عائلات برديس وأرجاء الصعيد علاقات المودة والاحترام والترابط والتلاحم الى درجة أنه فى الماضى عندما يقوم أحد أفرادها بواجب عزاء أو فرح مثلا، كان المستقبلون يقفون احتراماً وحباً لهذا الشخص. وأخيراً أشار محمد صفوت إلى أن العلاقات بين العائلة فى برديس تواصلت مع الأهل فى الأناضول منذ مئات السنين، ولكنها انقطعت قبل20 عاما ، وهذا مؤشر للقطيعة مع الجذور، داعياً كل من ينتمى "للديوركلى" بالتواصل معهم من أجل تأصيل الوشائج، ودوام الحفاظ على الخصائص المميزة لتلك العائلة العريقة.