الازمة السياسية المتجددة التى يعيشها العراق تنذر هذه المرة بالدخول فى نفق مظلم، نهايته ستكون تفتيت العراق، لأن العنوان للأزمة الحالية هو «الطائفية» بشكل واضح وصريح وفى لقائه مع أساتذة وطلبة جامعة البصرة الأسبوع الماضى، جدد رئيس الوزراء نورى المالكى موقف الحكومة الرافض لإلغاء الدستور والعملية السياسية والمطالب غير القانونية التى ينادى بها البعض فى التظاهرات وجدد المالكى إقراره بعودة الطائفية المقترنة بالإرهاب إلى العراق، واتهم أطرافًا سياسية بالعمل على إثارة الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار. وكان المالكى قد أقر وللمرة الأولى فى نهاية الشهر الماضى، فى حفل تأسيس حزب الدعوة بأن الطائفية عادت إلى البلاد ثانية، ملمحًا فى الوقت نفسه إلى أن الديكتاتورية أفضل من الفوضى التى حدثت فى عدة بلدان عربية. المظاهرات مستمرة المظاهرات فى العراق متواصلة، حيث تظاهر مئات الآلاف من العراقيين الجمعة قبل الماضية فى ضواحى غرب بغداد وكبرى مدن محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى، وكركوك نينوى تحت شعار «جمعة العراق أو المالكى» مخيرين نورى المالكى بين الرحيل أو الترحيل قصرًا، بسبب عدم استجابته لمطالبهم بالكف عن قمع السنة وملاحقتهم بقانونى «المساءلة والعدالة» و «مكافحة الإرهاب» وتهميشهم فى العملية السياسية وتعهد المتظاهرون بمواصلة الاعتصامات والتظاهرات ما لم تستجب حكومة المالكى لهم. ودعا محافظ نينوى أثيل النجيفى المرجعيات الشيعية و«التحالف الوطنى العراقى» للأحزاب الشيعية والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية إلى إيقاف الظلم والسعى إلى التغيير. وقال النجيفى: «الكرة الآن فى ملعب المحافظات الجنوبية والمرجعيات الدينية الشيعية، وعليهم أن يحذو حذو التيار الصدرى فى الدعوة إلى إيقاف الظلم والسعى إلى التغيير المنشود». تصريحات الأسدى شىء غريب أن تلعب وزارة الداخلية على وتر الطائفية وتصب البنزين على النار، عندما أعلنت وزارة الداخلية العراقية أن السيارات الملغومة التى دخلت بغداد كانت قادمة من مدينة الفلوجة. وصرح الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدى فى مؤتمر صحفى عقده فى بغداد بأن القوات العراقية اعتقلت شخصًا أدخل 15سيارة ملغومة إلى بغداد من الفلوجة كبرى مدن محافظة الأنبار، وأنه تم كشف 8 من تلك السيارات بينما استطاعت القوات الأمنية تفجير العدد المتبقى. وقال الأسدى إن هذا الخرق جاء بفعل التظاهرات التى تشهدها الأنبار احتجاجًا على سياسات رئيس الوزراء نورى المالكى. ولفت إلى أن السيارات التى انفجرت فى بغداد كانت قد دخلت من الفلوجة والضابط الذى كشف الأمر كان موجودًا. على الجانب الآخر اعتبر زعيم مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة تصريحات الأسدى خطوة لإثارة النعرات الطائفية، مؤكدًا أنها تثبت فشله فى إدارة الملف الأمنى، داعيًا الحكومة إلى إقالته. وأكد أبو ريشة أن «أهالى الأنبار لا يمكن لهم أن يفجروا أهلهم فى بغداد، وهم أول من حفظ العهد الوطنى بقتالهم للقاعدة وتمكنوا من سحقها، بينما الأسدى فشل فى ذلك. اتهام المالكى وواصل زعيم «صحوة العراق» وأحد قادة التظاهرات الشيخ أحمد أبو ريشة هجومه على نورى المالكى وأكد أن «المالكى هو الطائفى وأن الاجتماع الذى عقده فى البصرة طائفى لأنه جمع محافظى محافظات الشيعة فقط». مبينًا أن «المالكى لو لم يكن طائفيًا لجمع معهم محافظى الأنبار وصلاح الدين والموصل». داعيًا رئيس الوزراء إلى «مقاضاة نفسه أولًا لأنه من أكبر مروجى الفتنة الطائفية وهو المسئول عن ما وصلت إليه البلاد من احتقان». وكان أبو ريشة يرد على تصريحات للمالكى هدد فيها بمقاضاة «مروجى الطائفية» ومتهمًا دولًا لم يسمها بأنها «تحاول إذكاء الطائفية فى العراق». خطابات التهديد وكان سكان بعض أحياء بغداد قد تلقوا تهديدات بالقتل وانتشرت بيانات مذيلة بتوقيع «جيش المختار» الذى أعلن عن تشكيله رجل الدين الشيعى واثق البطاط فى يناير الماضى، قبل أن يصدر القضاء مذكرة إلقاء القبض عليه، وأكد المتحدث باسم الداخلية العراقية أن «المنشورات التى وزعت فى بعض مناطق العاصمة تحمل بصمات الجهات التى تنفذ التفجيرات بين فترة وأخرى وغيتها خلق الفوضى والهلع بين المواطنين، وأضاف أن «ما يسمى بجيش المختار هو تنظيم وهمى ولا أساس له، ومن ادعى تشكيله -البطاط- هارب ومطلوب للقضاء». ورغم تطمينات الحكومة، يبدو أن بعض سكان حى الجهاد فى بغداد، حيث تعيش أغلبيته سنية يأخذون على محمل الجد رسائل التهديد التى حملت لهم رسائل رعب «ارحلوا الآن أو انتظروا عذابًا أليمًا». وحملت المنشورات توقيع «جيش المختار» الذى أعلن تشكيله واثق البطاط، الأمين العام ل «حزب الله النهضة» العراقى الذى يقال إنه يرتبط بصلات وثيقة بالحرس الثورى الإيرانى. وجاء ضمن المنشور «إن ساعة الصفر قد حانت..ارحلوا أنتم وعوائلكم..لأنكم العدو». مثل تلك التهديدات الصريحة كانت قد اختفت بانتهاء أيام الحرب الطائفية التى شهدها العراق عام 2008، لكن عودتها إلى الظهور الآن مؤشر يبعث على القلق، فيما يمكن أن تشكله هذه التهديدات الطائفية المتصاعدة من خطر على المجتمع العراقى. وكان حى الجهاد بالعاصمة بغداد قد شهد أولى علامات انزلاق بغداد نحو الحرب الطائفية ففى يوليو 2006 شهد الحى مذبحة راح ضحيتها 41 شخصًا، كانت بداية للتصعيد فى إراقة الدماء الطائفية، فى تلك الحادثة أقام مقاتلون شيعة نقاط تفتيش أوقفوا عندها مواطنون سنة، وقاموا بإعدامهم أمام جيرانهم. ويخشى السكان الآن من أن تؤدى الأحداث إلى اندلاع جولة جديدة من أعمال القتل المتبادل. ويذكر أن عملاء الاستخبارات قد حصلوا على قائمة اغتيالات لتنظيم القاعدة تحوى أسماء ومعلومات عن الأشخاص المستهدفين، سنة وشيعة، يعيشون فى مناطق مختلطة، ويعتقد أن تنظيم القاعدة يخطط لاستهداف السكان، بالتناوب بين الطوائف، فى محاولة لنشر الذعر وإشاعة جو من أعمال القتل الانتقامية وكانت وزارة الداخلية العراقية قد توعدت فى بيان لها «بالتصدى بقوة وحزم لأصحاب الخطابات الطائفية». وأضاف البيان أن «لغة التحريض الطائفى تعتبر تهديدًا مباشرًا لأمن الوطن والمواطنين وتؤسس لثقافة الكراهية ونبذ الآخرين». العراق الآن فى أمس الحاجة للاستماع لصوت العقل، ونزع فتيل الطائفية البغيضة، التى أسالت دماء العراقيين وعمقت جراههم والانطلاق من الحرص على مستقبل الطرق ووحدته بنار الفتنة.وأولهم المالكى نفسه. ..لتجاوز هذه الأزمات وانتشال العراق من جحيمه يجب أن تتوافر النوايا الصادقة قبل أى شىء، أمام المالكى الآن الاختبار الأصعب الذى إن فشل فيه فسيحترق الجميع ثم خلق حالة من التوافق ينتج عنها حل سياسى يضع الشخص المناسب فى المكان المناسب بغض النظر عن خلفيته الدينية والقومية.