نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    الجنيه يواصل الارتفاع أمام الدولار في البنوك المصرية    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مدرسة صديقة للفتيات وعيادة للصحة الإنجابية للمرأة الريفية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    البورصة المصرية تخسر 6.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    شروط صب السقف داخل وخارج الحيز العمراني (تعرف عليها)    نتنياهو: المقترح الأمريكي ليس دقيقا ولم نوافق على بند إنهاء الحرب في غزة    سلطنة عُمان ترحب بالمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة    هل تعمد مدحت شلبي تجاهل إبراهيم فايق بسبب أفشة؟    التشكيل المثالي لدوري أبطال أوروبا موسم 2023/2024    الأرصاد: غداً طقس شديد الحرارة نهاراً مائل للحرارة ليلاً على أغلب الأنحاء    25 سبتمبر.. تأجيل محاكمة ميكانيكي وآخر بتهمة قتل شاب خلال مشاجرة بالقاهرة    ل الأبراج النارية والترابية.. الكثير من النقود والمكاسب خلال شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    محافظ المنيا يهنئ فريق بانوراما البرشا بالفوز بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي    محافظ المنيا: تواصل استقبال القمح وتوريد 346 ألف طن منذ بدء الموسم    الرباط الصليبي يبعد مدافع أتالانتا من قائمة إيطاليا في يورو 2024    رئيس أتليتكو مدريد يكشف حقيقة مفاوضات صلاح.. ومونديال الأندية الجديد ومستقبل فيليكس    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني نحو 1.7 ألف جندي خلال يوم    صندوق الأغذية العالمي يعلن تقديم مساعدات إنسانية ل65 ألف متضرر من الفيضانات في أفغانستان    «نسك».. بطاقة ذكية تُسهل رحلة الحجاج وتُعزّز أمنهم خلال حج 2024    تأييد حكم حبس مدير حملة أحمد الطنطاوي    تخرج دفعة جديدة من ورشة «الدراسات السينمائية» بقصر السينما    مهرجان روتردام للفيلم العربي يسدل الستار عن دورته ال 24 بإعلان الجوائز    لإنتاج 6 مسكنات ومضادات حيوية.. وزير الصحة يشهد توقيع شراكة بين «الدواء» وشركة أمريكية    نقيب المعلمين: تقديم الدعم للأعضاء للاستفادة من بروتوكول المشروعات الصغيرة    عميد الكلية التكنولوحية بالقاهرة تتفقد سير أعمال الامتحانات    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    القاهرة الإخبارية: 12 شهيدا جراء قصف إسرائيلى استهدف المحافظة الوسطى بغزة    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون في القطاع الصحي    "أسترازينيكا" تطلق حملة صحة القلب فى أفريقيا.. حاتم وردانى رئيس الشركة فى مصر: نستهدف الكشف المبكر لعلاج مليون مصرى من مرضى القلب والكلى.. ونساند جهود وزارة الصحة لتحسين نتائج العلاج والكشف المبكرة عن الحالات    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    عمرو درويش: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من محاضر التحقيقات ووثائق الإنجليز والأمريكان:قصة الإغتيال السياسى فى مصر
نشر في أكتوبر يوم 03 - 03 - 2013

شهدت مصر خلال القرن العشرين حالات من العنف السياسى تمثلت فى حالات اغتيالات لبعض الشخصيات العامة والسياسية.. واتسمت بعض هذه الحوادث التى وقع منها أو التى لم تنجح فى تحقيق هدفها بالإرهاب حين تحولت الطلقات بديلًا عن الكلمات والقتل بدلاً من الحوار، وأصبح اختلاف الرأى يدفع بصاحبه إلى الموت. كما شهد هذا القرن محاولات الجماعات الإرهابية لضرب هذا المجتمع وفرض الرأى بالقوة، أو من باب إثبات الوجود الدموى متمثلة فى محاولة اغتيال الوزراء والكتّاب وضرب السياحة فى عمليات دموية أثارت الرأى العام المصرى، تصدر لدراسة هذه القضية كل من
د. خالد عزب رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية ود. صفاء خليفة الباحثة بالمكتبة، ثم صدرت الدراسة فى كتاب عن دار الكتاب العربى ببيروت تحت عنوان «الاغتيالات السياسية» ويغطى الكتاب محاولات الاغتيال المؤثرة فى تاريخ مصر المعاصر (من 1910 إلى 1981) أو تلك التى أثارت ضجة وقت حدوثها اعتمادًا على مجموعة من الوثائق البريطانية والأمريكية ومحاضر التحقيق فى كل ملف قضية. رؤية د. خالد عزب التى صدّر بها الكتاب تتلخص فى أن محاولة قراءة تاريخ الاغتيالات السياسية من خلال الوثائق وخاصة ملفات التحقيق الخاصة بها، تعطى لاشك نتائج مختلفة عما هو شائع، لذا فإن إعادة قراءة التاريخ وتمحيصه أمر لاشك مهم بالنسبة لكل الشعوب، فهذا الكتاب ينطلق من هذه الفرضية، ليعطى القارىء مساحة كبيرة من الرأى والرأى الأخر تارة، ثم داخل هذه المساحة سيعيد تشكيل رؤيته لظروف كل حادث، خاصة أن بعض حوادث الاغتيالات السياسية أحدثت شرخًا فى الجماعة الوطنية مثل حادثة اغتيال بطرس باشا غالي، أو كانت تنبىء بمزيد من العنف الدينى كاغتيال الدكتور محمد حسين الذهبي، أو هى تعبير عن مناهضة الاستعمار كاغتيال أمين عثمان. ومن جانبها تضيف د. صفاء خليفة أن كل حادث فى تاريخ مصر المعاصر له قراءاته الخاصة به، لكن كل ما يربط هذه القضايا التى يتعرض لها الكتاب، هى أنها كانت نتيجة لما قبلها من معطيات، سواء خروج جماعة الإخوان المسلمين عما هو مرسومًا لها من مسار، أو تصاعد الجدل حول سياسات الرئيس السادات، لكن فى النهاية نحن أمام التاريخ نقرؤاه ونستشف منه رؤى مختلفة تبنى فى مخيلة كل منا طبقًا لما يراه فى الحادث.
اغتيال بطرس
أول حادثة اغتيال تتناولها الدراسة والكتاب وهى اغتيال بطرس باشا غالى، حيث اعترف إبراهيم الوردانى بأنه القاتل وحده دون شريك.. ولما سأله رئيس النيابة عن سبب القتل أجاب على الفور «لأنه خائن للوطن، وجزاء الخائن البتر»، وأحيل الوردانى فى يوم السبت 2 ابريل 1910 إلى محكمة الجنايات التى قضت بإعدامه ونفذ الحكم فى 28 يونيو 1910، وقد شابت علاقة بطرس باشا غالى بالحركة الوطنية خاصة الحزب الوطنى شوائب أثرت بالسلب على صورته منها اضطراره لتوقيع اتفاقية السودان 19 يناير 1899، بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، ترأسه لمحكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت يوم 23 نوفمبر عام 1906 أعاد العمل بقانون المطبوعات القديم فى 25 مارس عام 1909. وقانون النفى الإدارى فى 4 يوليو من نفس العام، دوره فى مشروع مد امتياز قناة السويس. ترتب على ذلك، أنه فى أثناء نظر الجمعية العمومية لمشروع مد امتياز قناة السويس فوجئ الناس بقتل بطرس غالى فى 20 فبراير 1910، إذ لم يسبق أن تقدمه اعتداء مثله أو يشبهه، ولم يكن الناس قد عرفوا فى مصر حوادث القتل السياسى منذ عهد بعيد. كان قاتله إبراهيم ناصف الورداني، شابًا فى الرابعة والعشرين من عمره، وكان من المتحمسين لمبادئ الحزب الوطني. وقد اعترف أنه قصد قتل بطرس باشا غالى منذ زمن.
أما ثانى حادث اغتيال تناولته الدراسة فكان اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان فى 17 نوفمبر 1924، وكان بمثابة بداية عصر الانتكاسات الوطنية، مما يوحى بأن عملية اغتيال السردار قد جرى استثمارها لصالح الاستعمار البريطانى، ووصف البعض اغتياله بأنه «اغتيال لسعد زغلول وحلمه»، وفى ذلك يقول سعد بعد وقوع الحادثة: «إن جريمة اغتيال السردار قد أصابت مصر وأصابتنى شخصيًا». لقد اعتقد سعد أن الحادثة تعنى نهايته السياسية، وقال: «إن الرصاصات التى قتلت السردار.. هى رصاصات فى صدرى».
اغتيال أحمد ماهر باشا
ثم يأتى حادث اغتيال أحمد ماهر باشا فى أكتوبر 1944 والحرب العالمية الثانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتحكى الباحثة صفاء خليفة عن خلفيات هذا الحادث أنه بعد تولى أحمد ماهر منصب رئيس الوزراء تعرض لهجوم عنيف بعد إعلان دخول مصر الحرب ضد المحور وانحيازه للإنجليز، وقاد الهجوم الملك فاروق وحزب الوفد، وأشيع عنه أنه موالٍ لليهود وتابع للانجليز وفى وسط هذا الجو الملبد بالغيوم والفوضى، وبالتحديد فى 25 فبراير 1945 اقتحم شاب البهو الفرعونى بمبنى البرلمان وأطلق النار على أحمد ماهر الذى مات متأثرًا بجرحه.
وفى 8 أكتوبر عام 1944 قام الملك فاروق بإقالة النحاس باشا، وعُين أحمد ماهر باشا رئيسًا للوزراء. ومن أبرز معاركه أيضًا معركة الخلاف بين الهيئة السعدية التى كان يرأسها وبين حكومة حسن صبرى باشا فى إعلان الحرب، ففى المرحلة الأولى من قيام الحرب العالمية الثانية كانت انتصارات هتلر فى أوروبا دافعًا للملك فاروق لكى يعلن تشجيعه لقوات المحور، لاسيما أنه كان محاطًا بعدد من الإيطاليين. وكانت وجهة نظر أحمد ماهر باشا أن موقف بريطانيا من مصر، وموقف مصر من بريطانيا، قد تغير بعد توقيع معاهدة 1936، كما بادر وأعلن انحيازه وانحياز مصر لصالح بريطانيا، وكان هذا فى رأيه لتقوية الجيش المصرى وتدريب رجاله واكتسابه الخبرة والمرونة، فإذا انتصرت إنجلترا كان الجيش المصرى عنصرًا خطيرًا ضدها، وللضغط عليها لكى تعطى مصر الاستقلال، وإذا انتصرت قوات المحور وقف الجيش المصرى ليجعل من الصعوبة عليها احتلال البلاد حيث يكبدها خسائر فى الصحراء الحارة التى لا يمكنها تحملها ولأنه كان من المعارضين للأيديولوجية النازية والفاشية. وقد رد أحمد ماهر على ما أثاره البعض حول ما تتحمله مصر من مسئوليات نتيجة لدخولها هذه الحرب، وقال: «كثير من الدول أعلنت الحرب، ولم تعمل شيئا من الناحية الحربية إلا مساعدات قد تكون لا شىء إذا ما قيست بما قدمته مصر لبريطانيا فى هذه الحرب»، وعلى الرغم من كل هذا فقد انتهز الوفد هذه الفرصة، فتزعم المعارضة، وأثار النفوس ضد أحمد ماهر تحت إيحاء بأنه يسعى للزج بالبلاد فى الحرب، كما عبرت صحافته بإصرار قوى عن وجوب موافقة الشعب على إعلان الحرب أى يجب أن يسبقه إجراء انتخابات عامة، وكان هذا المطلب–كما ذكر أحمد ماهر فى خطابه الذى ألقاه فى مجلس النواب – لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق إعلان الحرب.
اغتيال أمين عثمان
ثم تعرض الدراسة لثالث حادث اغتيال فى التاريخ المعاصر وهو اغتيال أمين عثمان والذى يعد حادثًا سياسيًا بالدرجة الأولي، فقد ذهب أمين عثمان ضحية معتقداته السياسية التى أفصح عنها أكثر من مرة صراحة ونالت سخط الكثيرين، حيث وطد أمين عثمان علاقته بالإنجليز وساند بقاءهم فى مصر، مما استفز ذلك شباب الحزب الوطنى، كما أنه قام بعد الحرب العالمية الثانية بالذهاب لزيارة إنجلترا ومعه ألف جنيه، قدمها للحكومة البريطانية على أنها هدية من الشعب المصرى لإصلاح ما دمرته الغارات الألمانية على القرى الإنجليزية، فى نفس الوقت الذى كان فيه المصريون متضررين من سياسات التقشف المالى التى كان يفرضها أمين عثمان أثناء الحرب وبعده، وترددت أنباء حول عزم بريطانيا تعيينه رئيسا للوزراء، وثار الجميع ضد هذه الأنباء، وقبيل اغتياله بساعات كان فى ضيافة اللورد كيلرن المندوب السامى البريطاني. حيث كان يحاول التوفيق بين حقوق مصر فى الاستقلال ومركز انجلترا فى الشرق الأوسط، مما أوقعه فى خلاف سياسى مع كثير من الزعماء السياسيين فى عصره، لذلك اتهمه البعض بالخيانة، وفى مساء الساعة السادسة والنصف مساء يوم السبت الموافق 6 يناير 1946 وقفت سيارة أجرة أمام العمارة رقم 14 شارع عدلى بالقاهرة، ونزل منها أمين عثمان باشا فى طريقه إلى الشقة التى استأجرها لرابطة النهضة، وفى لحظات اجتاز الباشا باب العمارة، واتجه فى خطوات ثابتة إلى المصعد، فلما وجد المصعد معطلاً بدأ فى ارتقاء درجات السلم حتى إذا وصل إلى الدرجة الثالثة سمع شخصًا يناديه: «يا أمين باشا.. يا أمين باشا»، واستدار الباشا ليرى من يناديه، وإذا بصاحب الصوت يطلق عليه ثلاثة أعيرة نارية، فسقط على السلم مستغيثًا بينما لاذ الجانى بالفرار، وبرغم أن صفحة أعمال أمين عثمان اختلطت فيها الإيجابيات والسلبيات، إلا أن التاريخ يحفظ نصوص عبارات تسببت فى مصرع قائليها، ولقد توقفت الحركة الوطنية المصرية أمام تلك الخطبة التى ألقاها فى 7 فبراير عام 1940، وخاصة العبارة التى تفوه بها وبالغ فى وصف علاقة إنجلترا بمصر بأنها «زواج كاثوليكى»، وكانت بمثابة الفتيل الذى أشعل شرارة الوطنية فى صدور بعض الشباب المتحمس والذى كان يتبنى منهج الحزب الوطنى فى العمل السياسى بأنه «لا مفاوضة إلا بعد الجلاء»، وكان لابد من إسكات هذا الصوت المتخاذل، فثاروا عليه واغتالوه فى يناير 1946. وتم القبض على القاتل «حسين توفيق»، واعترف على بعض رفاقه وصدر عليه حكم بالسجن وكان ضمن المتهمين فى هذه القضية الرئيس الراحل «أنور السادات» وهرب حسين توفيق من السجن ولم يعثر له على أثر فيما بعد.
اغتيال النقراشى
أما رابع شخصية تم اغتيالها فى التاريخ المعاصر فكان محمود فهمى النقراشى حيث كان حكم النقراشى بمثابة «المحنة الكبرى» بالنسبة للإخوان ففى وزارته الأولى أمر باعتقال حسن البنا وأحمد السكرى وعبد الحكيم عابدين، بناء على الشك فى تورط جماعة الإخوان فى مقتل أحمد ماهر، حيث كان القاتل الذى كان ينتمى إلى الحزب الوطنى مواليًا لهذه الجماعة، وبلغت المواجهة بين حكومة النقراشى والإخوان المسلمين ذروتها عندما أصدر النقراشى بصفته حاكمًا عسكرياً فى 8 ديسمبر عام 1948 أمرًا عسكريًا رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين ، ففى صباح يوم الثلاثاء 28‏ ديسمبر عام 1948‏ وصلت سيارة المرحوم النقراشى إلى بهو وزارة الداخلية لينزل منها دولة الرئيس وسط حرس الشرف، ومن خلفه الملازم ثانى على حباطى والكونستابل أحمد عبد الله شكري، وقبل وصول دولته إلى المصعد بحوالى مترين عرج الضابط والكونستابل نحو السلم، ليستقبلا دولته فى الدور العلوى عند خروجه من المصعد، قام شاب يدعى عبد المجيد حسن ينتمى إلى الإخوان المسلمين، وكان يرتدى زيا عسكريا، وأطلق عليه من الخلف ثلاث رصاصات أصابت الفقيد فى ظهره وقضت على حياته، وحكم على الجانى بالإعدام، ونفذ الحكم.
اغتيال حسن البنا
أما حادث اغتيال حسن البنا، فهو يعد نتيجة لسلسلة من الأفعال وردود الأفعال بين الإخوان والنظام خاصة بعد أن اجتاحت البلاد موجة من القتل والإرهاب بدأت بمقتل أحمد ماهر فى فبراير سنة 1945، ثم أخذت تتطور وتتنوع مظاهرها حتى أوائل سنة 1949. وذلك مرورًا ب «اغتيال الخازندار» 22 مارس 1948)، قضية السيارة الجيب(15 نوفمبر عام 1948)، اغتيال اللواء سليم ذكى (4 ديسمبر عام 1948)، محاولة نسف محكمة الاستئناف (13 يناير 1949). بالإضافة إلى قرار النقراشى بحل جماعة الإخوان المسلمين، وكانت هذه التطورات كانت تعنى التصفية السياسية لحسن البنا والتى مهدت لتصفيته جسديًا بحادث اغتياله فى 12 فبراير 1949، ففى مساء السبت الثانى عشر من فبراير عام 1949، وأمام مقر جمعية الإخوان المسلمين من شارع الملكة نازلى (رمسيس حاليًا) قُتل حسن البنا، أطلق عليه مجهولان ستة أعيرة نارية قبل أن يفرا فى سيارة سوداء، وبعد حادث الاغتيال لم يكن هناك سوى رقم السيارة 9979، التى ابتعدت بالجناة عن المسرح وعرف أنها كانت مخصصة لانتقالات الأميرالاى محمد عبد المجيد مدير المباحث الجنائية كانت هى الضوء الكاشف لمسرح الجريمة، كما كانت أصابع تشير بالاتهام فى اتجاهات متباينة تحاول أن تعرف.. من قتل حسن البنا؟ بعد أسابيع قليلة حُفِظ التحقيق وقُيدت القضية ضد مجهول لكن رقم السيارة السوداء ظل يتنقل بين الناس ومعه الكثير من علامات الاستفهام بشأن واحدة من أكثر الجرائم السياسية غموضًا فى العالم العربي، جريمة اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
66 يومًا كانت تفصل بين ليلة اعتقال أعضاء الجماعة وليلة اغتيال حسن البنا، تلك كانت أيامه الأخيرة عاشها ينتظر أن يتم التخلص منه بين لحظة وأخرى، كل الشواهد كانت تؤكد له ذلك، حسن البنا كان يدرك تمامًا أنه رجل مقتول، تم اعتقال كل مَن حوله من جماعة الإخوان المسلمين وهو نفسه شخصيًا طلب أن يُعتقل وألح عليهم فى اعتقاله ورفضوا، وكان البنا يتنبأ لزملائه: «إن عدم قيام الحكومة باعتقاله دليل رسمى على نية الحكومة قتله»، قال للشيخ الباقوري: إنى سأختفي!»، سأله: ماذا تقصد فإنى لا أفهم؟ أجاب: «قد أغيب غيبة طويلة، ومن يدرى فلعلنا لا نجتمع بعد ذلك». واستدرك الشيخ البنا قائلاً: «رأيت فى ليلة واحدة رؤيا تكررت مرتين قبل الفجر، وكنت فى كل مرة أقوم من النوم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكننى رأيتها مرة ثالثة فى الليلة نفسها فلم أشك أنها رؤيا حق. رأيت أنى امسك بزمام ناقة يركبها أبو بكر الصديق –رضى الله عنه– ثم إذا بيد تمتد إلى زمام الناقة فتأخذه من يدى فعلمت أن مهمتى قد انتهت، وأنى لابد أن أغيب».
اغتيال الذهبى
ثم تأتى قصة اغتيال العالم الجليل الدكتور محمد حسين الذهبى وكان الذهبى قد عين وزيرا للأوقاف فى فترة صعبة جدًا كانت ظهرت فيها جماعات إرهابية، وكان من بينها جماعة التكفير والهجرة وغيرها، وكان عليه أن يواجه بالفكر، وكان معترض، على تدخل الأمن فى معالجة الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويرى أن هذه مهمة رجال الدعوة، وأن الفكر يجب أن يواجهه فكر وأن الإسلام قوى ولا يمكن أبدًا أن يهتز أمام أى دعوات مهما كانت منحرفة ومهما كان حتى لها منطق براق يجذب الشباب فرجال الدعوة الإسلامية قادرون على أن يواجهوا هذه الدعوات.
كان الدكتور المرحوم محمد حسين الذهبي، فقد أول من تصدى لأفكار التكفير والهجرة فكريًا خاصة بعد أن انتبهت الصحافة إلى نوعية الحياة الغريبة التى تعيشها الجماعة، فشنت عدة حملات صحفية خلال عامى 1974، 1975. وكان ضمن المشاركين فى هذه الحملة. ولم يختر شكرى مصطفى الشيخ الذهبى عفويًا، بل اعتبره مسئولاً بدرجة كبيرة عن تلفيق تلك الصورة السلبية لجماعة المسلمين، فلقد أصدر الذهبى وقت أن كان وزيرًا للأوقاف كتيبًا صغيرًا فى يوليو عام 1975 ناقش فيه فكر جماعة المسلمين، التى عرفت وقتها فى الصحف المصرية باسم «أهل الكهف» أو «جماعة الهجرة»، ونسب فكر هذه الجماعة إلى الخوارج، وأثبت فيه – بالاستناد إلى القرآن والسنة – فساد الزعم الذى أطلقوه بأنهم وحدهم المسلمون، وأن المجتمع حولهم يعد مجتمعًا كافرًا. وبالفعل تم اختطافه وقتله فى الثالث من يوليو عام 1977, وفى الساعة الثانية صباح يوم الأحد الثالث من يوليو عام 1977، شارع السايس فى منطقة حدائق حلوان جنوب القاهرة وتحديدًا أمام منزل الدكتور حسين الذهبى وزير الأوقاف السابق، كانت هناك حالة صمت تحيط بالمكان المنعزل وفجأة انقلب الهدوء إلى صخب والصمت إلى توتر إذ توقفت سيارتان ونزل منهما ستة شباب مدججين بالأسلحة أحدهم يرتدى زى شرطى برتبة رائد، واندفع خمسة منهم نحو مدخل الفيلا، بينما بقى سادسهم ليغير إطار السيارة التالف، طرق الشباب المسلحون باب الشيخ، وطلبوا من ابنه أن يوقظ أباه مدعين أنهم من جهاز مباحث أمن الدولة، حاول الابن ثنيهم عن عزمهم، ولكنهم لم يتركوا له فرصة للتحاور معهم. فى تلك الأثناء استيقظ الشيخ وطلبت منه ابنته أسماء ألا يذهب معهم، خرج الشيخ لملاقاتهم وجادلهم فى البداية طالبًا منهم إبراز تحقيق الشخصية، لكنهم اقتادوه بالقوة ولم تفلح المناقشة، وطلبوا منه أن يرافقهم إلى مقر الشرطة لإجراء تحقيق فى أمور معينة.
خرج الخاطفون ومعهم الشيخ الذهبى ودار بين الشيخ وأفراد العصابة حوارًا لحظة الاختطاف وذكرت المجموعة الخاطفة نص الحوار الذى قاله الشهيد أثناء نقله بالسيارة من منزله إلى المنزل الذى قتل فيه وهو الذى كانت به الجثة.... وقد أفهمت العصابة الشيخ خلال الرحلة بأنهم من مباحث أمن الدولة وسألوه عما إذا كان منضمًا إلى أى تنظيم وهنا اكتشف الشهيد أمرهم وقال لهم (بدأت أشك فيكم لأننى فى تعاون مع النظام ووزيرًا فيه وأناهض الحركات التى تقوم ضد النظام.. فسألوه عن هذه الحركات فقال لهم مثل جماعة التكفير والهجرة.
(أعقب ذلك تهديد بقتل الرهينة لو بحث البوليس عنه أو لو ألقى القبض على الذين قاموا بتسليم هذا البيان)، والبيان عبارة عن مزيج غريب من المطالب قد يبدو بعضها مقنعًا إلا أن البعض الآخر كان غير واقعي، مثل «تشكيل لجنة من الخبراء» للتحقيق فى نشاطات المباحث العامة. والأخيرة تشير إلى القصور فى إدراك شكرى للفهم الصحيح والفعال لأجهزة الدولة. وإلى حين قامت جماعة التكفير والهجرة بإصدار بيان وأعلنوا فيه مسئوليتهم عن اختطاف الشيخ الذهبى لم يكن الأمن يعرف من خطف الشيخ الذهبى وإن كانت المعلومات المتاحة هى أن أنشط الجماعات فى هذه المرحلة كانت جماعة التكفير والهجرة، ونشأت فكرة وجوب الاتصال بهم بسرعة، ورجحوا أن يتم ذلك عن طريق المحامى شوكت التوني، وتم الاتصال بشوكت التونى بالفعل، على أنه يكلمهم وكلمهم وقالوا له إن لهم شروطا وإلا سيقتلون الشيخ الذهبى الساعة 12 الظهر، أفرجت الداخلية عن واحد فعلاً من أعضاء الجماعة على أن يكون واسطة ما بين الداخلية وما بين الجماعة، فاستطاع الوسيط أن يمد أجل الإنذار من الساعة 12 إلى الساعة الخامسة بعد الظهر (ومن الذين طالبت جماعة التكفير والهجرة بالإفراج عنهم مقابل إطلاق سراح الشيخ الذهبي، طلال الأنصارى وهو المتهم رقم اثنان فى قضية تنظيم الكلية الفنية العسكرية وقائد التنظيم فى الإسكندرية والناجى من حكم الإعدام بعد قرار رئاسى بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة)، ولم تستجب وزارة الداخلية لمطالب المختطفين، وأصدرت بيانًا طالبت فيه الجماعة بالتزام الحكمة وإطلاق سراح الشيخ الذهبى على الفور وأنها إن فعلت ذلك فسوف تهيئ المناخ المناسب للبت فى مطالبها، ففكرة تقديم مائتين ألف جنيه وكون أن دولة تقبل أن تدفع فدية موضوع يحتاج إلى تفكير أما النقطة الثانية الإفراج عن متهمين فى حوزة القضاء وليسوا فى حوزة وزارة الداخلية بالفعل لا تستطيع وزارة الداخلية الإفراج عنهم وإلا تصبح هى ذاتها متهمة. وجه محامى الجماعة شوكت التونى نداء إلى أفراد الجماعة مطالبًا إياهم بالإفراج عن الشيخ الذهبى راجيًا منهم الاحتكام إلى العقل وعدم ارتكاب أى مخالفة للقانون مؤكدًا أن أمر المسجونين من أفراد الجماعة سيحل بالطريق القانونى المشروع مبديًا استعداده للتدخل. انقضت المهلة الثانية التى حددتها الجماعة وواصلت الداخلية استجواب العديد من عناصر التكفير والهجرة أملاً فى الحصول على أى معلومات تقود إلى العثور على الشيخ الذهبى داخل أوكار الجماعة، وانقضى اليوم الثانى بدون جدوى، توصل ضباط الداخلية إلى معلومات تفيد بأن هناك شكوكًا تحيط بقاطنى إحدى الشقق فى مدينة الأندلس فى منطقة الهرم، فتوجهت قوة من الشرطة نحو العقار أملاً فى العثور على الشيخ الذهبى محتجزًا هناك قام ضابطا الشرطة باقتحام الشقة وعثر على شخصين من أعضاء الجماعة.
اغتيال السادات
وفى آخر حادث اغتيال فى مصر فى التاريخ المعاصر يأتى حادث اغتيال السادات فى قمة الأحداث وسخونتها حيث دفع السادات حياته لحبه لوطنه وإخلاصه، وبعد استعادته للأرض المحتلة من يد الاحتلال الإسرائيلى. جاء حادث اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981، نتيجة تضافر مجموعة من الظروف السياسية المحلية والدولية لتحقيق هذا الاغتيال. لقد كان الاغتيال رمزًا للأزمة التى وصل إليها النظام السياسى المصري، والأزمة لها جوانب عديدة ومتداخلة تتمثل فى مجموعة من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية التى مهدت الطريق أمام حادث الاغتيال، كما اشتهر عهد السادات بظهور التنظيمات السرية لجماعات العنف والتكفير، غير أن حادث اغتيال السادات تجاوز مجرد الخلاف بين تيار سياسى معارض ونظام سياسى، وكان السادات يدرك تمامًا أن الخطوات التنفيذية لعملية السلام أقلقت الذين يضايقهم السلام وبدأ العد التنازلى لجريمة الاغتيال، وصرح السادات فى آخر حديث له أدلى به للفيجارو الفرنسية فى 26 سبتمبر 1981 أى قبل اغتياله بعدة أيام: «إننى أثير الكدر والارتباك أن السلام يضايق البعض..إذا تم اغتيالى ابحثوا عن المستفيد من الجريمة». ويعد هذا اليوم هو آخر محاولة لاغتياله بعد أن تعرض وهو فوق مقعد الرئاسة على مدى أحد عشر عامًا إلى أكثر من أربعة عشرة محاولة اغتيال فشلت جميعها إلا واحدة وقعت أثناء احتفالات مصر بانتصارات أكتوبر فى عام 1981 وقد تضافرت مجموعة من الظروف السياسية المحلية والدولية لتحقيق هذا الاغتيال. غير أن حادث اغتيال السادات تجاوز مجرد الخلاف بين تيار سياسى معارض ونظام الرئيس السادات، لقد كان الاغتيال رمزًا للأزمة التى وصل إليها النظام السياسى المصري، والأزمة لها جوانب عديدة ومتداخلة تتمثل فى مجموعة من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية التى مهدت الطريق أمام حادث الاغتيال، وفى الرابعة والنصف صباحًا يوم 6 أكتوبر كان قد بدأ الاعداد لطابور العرض .. وصل الثلاثة إلى مكان عرض المدفعية.. كانوا يحملون تصاريح مزورة من الملازم الخائن خالد.. قدمهم إلى قائده على أنهم من احتياطى المنطقة المركزية وقد حضروا للمشاركة رمزيًا فى طابور العرض وللزيادة فى كسب ثقة رؤسائه قام بإجراء تفتيش دقيق لهم. فى السادسة من صباح يوم الثلاثاء (6 أكتوبر): بدأ ركوب العربات والاستعداد للوقوف فى طابور العرض. فى السادسة والنصف صباحًا قام الملازم خالد الاسلامبولى بتوزيع الذخيرة – سرًا – على زملائه.. بعد أن أخرجها من مكان كان يخفيها به فى العربة وأعطاهم القنابل اليدوية.. واحتفظ لنفسه بقنبلتين القنبلة الهجومية الأولى وقنبلة الدخان وخزنة للمدفع الرشاش القصير الذى كان يحمله وذخائر البنادق الآليه المسلحة بالسونكى التى كانت قد سلمت لزملائه الخونة فارغة بدون ذخيرة. فى الساعة الثامنة صباحًا بدا القلق ينتاب زملاؤه الثلاثة بعد أن اصطف طابور العرض استعدادًا لبدء السير.. وكان الملازم خالد يخرج من مقعده بجوار السائق ليهدىء من روعهم... ويعطيهم جرعة معنوية مهدئة، وكان السادات قد استيقظ من نومه مبكرا فى الثامنة ونصف، استعدادًا للعرض العسكرى الذى تعود أن يحضره كل عام ووضعت السيدة جيهان الحفيدة ياسمين فى السرير ودوت ضحكاتها وهى تحاول جذب شاربه، وقال السادات للسيدة جيهان: «جيهان، تأكدى من حضور شريف معك وهو يرتدى الزى العسكرى»، ففى مثل هذا اليوم قبل ثمانى سنوات، نجح الجيش المصرى فى عبور قناة السويس، واقتحام وتحطيم خط بارليف، والقضاء على أسطورة التفوق الإسرائيلى الخرافية، ومنذ ذلك التاريخ والقوات المسلحة تقيم العرض العسكرى ابتهاجًا بذكرى النصر يحضره الرئيس السادات. فى الحادية عشرة صباحًا وصل ركب الرئيس السادات إلى مكان الاحتفال وانطلقت المدفعية تحية من القوات المسلحة لقائدها الأعلى .. وعلت هتافات الجماهير مدوية لتغطى على هدير المدفعية: بالروح بالدم نفديك يا سادات وكان الرئيس يحس أن هذه الساحة ستشهد لحظاته الأخيرة فحرص على أن يمر بسيارته على المشاهدين ليحييهم.. ثم اتجه إلى المنصة وصافح كبار القادة.. واتجه إلى مكانه متصدرًا المنصة الرئيسية وقرأ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الآية الكريمة «إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا وألقى وزير الدفاع كلمته واتجه القائد الأعلى ونائبه الرئيس حسنى مبارك وكبار القادة إلى ساحة النصب التذكارى للشهداء الذين جادوا بروحهم من أجل مصر فقدم لهم معاشات استثنائية واستثناءات فى كل شىء فى التعليم.. الإسكان.. العلاج.. أداء فريضة الحج والعمرة.. ووضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى و قرأ الجميع الفاتحة على أرواحهم على أرواحهم الطاهرة وعزفت الموسيقى سلام الشهيد ثم عاد إلى موقعه فى صدر المنصة.
كان السادات يجلس كالعادة فى الصف الأول ومعه كبار المدعوون والضيوف على يمينه جلس نائبه حسنى مبارك، ثم الوزير العمانى شبيب بن تيمور وهو وزير دولة سلطنة عمان، وكان مبعوث السلطان قابوس الذى كان الحاكم الوحيد بين الحكام العرب الذى لم يقطع علاقته بمصر ولا بالسادات بعد زيارته للقدس ومعاهدة كامب ديفيد. بعد الوزير العماني، جلس ممدوح سالم، مستشار رئيس الجمهورية الذى كان من قبل رئيسًا للوزراء، والذى كان أول وزير للداخلية بعد سقوط مراكز القوى وحركة 15 مايو 1971، وكانت حالة الرئيس السادات النفسية والمعنوية فى القمة، وكثيرًا ما كان يقف تحية للمارين أمامه، وأحيانًا كان يرفع الكاب لهم، وأحيانًا كان يصفق لهم، وأحيانًا كان يدخن الغليون. ولم يتوقف عن تبادل التعليقات مع نائبه ووزير الدفاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.