الأغانى الجميلة انتقلت من الحفلات إلى ''تيترات'' المسلسلات، وفضائيات ''الكليبات'' الراقصة لا تعرض سوى الأغانى الخفيفة الأقرب إلى فن ''المونولوج'' منها إلى أغنية الطرب. أما الأصوات المدربة جيداً فهى لا تغنى سوى فى حفلات الأوبرا وقاعة سيد درويش، وهى محدودة الشهرة، وتعيش على تراثنا الموسيقى القديم. وليس هناك الآن من يلحن لها أغنيات جديدة بأسلوب عصرى يجذب الأجيال الجديدة للاستماع إليها. وصحيح أن لدينا ملحنين موهوبين مثل وليد سعد، وهو تلميذ نجيب فى مدرسة بليغ حمدى، لكن ألحانه الجديدة معظمها متشابهة، رغم اختلاف الأصوات التى تؤديها، والحقيقة أن الفنون كلها تعانى من أزمة كبيرة بسبب الأحداث السياسية والفوضى وعدم الاستقرار والانفلات الأمنى والأخلاقى والإعلامي. فما كادت السينما تتعافى وتعود إلى الإنتاج، حتى انتكست مرة أخرى، بعد 25 يناير 2011 ورغم الإصرار على إقامة بعض المهرجانات المسرحية فى موعدها، فإن مسارحنا تطفئ أنوارها معظم شهور السنة، بعد أن توقف القطاع الخاص تقريباً عن العمل، واكتفت مسارح الدولة بإعادة تقديم العروض القديمة، أو تحويل الأفلام القديمة الناجحة إلى مسرحيات فاشلة. وتلقى إنتاج الكاسيت ضربات موجعة بسبب قرصنة الإنترنت والفضائيات الموسيقية التى تذيع الأغنيات ليل نهار مجاناً، وتضرب صناعة الأغنية فى مقتل وتسبب الخسائر الفادحة لشركات الإنتاج الغنائى، التى انسحب معظمها من السوق. والمشكلة أن الدولة انسحبت تماماً من عملية الإنتاج الفنى، وتركت عمليات الإنتاج والتوزيع بدون ضوابط حاكمة، وأصاب شركاتها مثل صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وجهاز السينما، ومدينة الإنتاج الإعلامى ما أصاب شركات القطاع العام من أمراض الروتين والبيروقراطية المزمنة، فتخلت صوت القاهرة عن دعم الأصوات الجديدة الموهوبة، وتوقف جهاز السينما تقريباً عن إنتاج أفلام جديدة، واكتفت مدينة الإنتاج الإعلامى بشراء وتسويق المسلسلات، وإنتاج أعمال قليلة لبعض الأسماء المحظوظة. ويهون بالطبع كل ذلك فى ظل عدم إحساس الناس بالأمن والأمان وغياب الرؤية وضياع الأمل فى تحقيق أهداف الثورة، وعودة مصر حتى إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وهو حلم أصبح يراود الكثيرين الآن ..ولا عزاء للفن!