الأغانى الجميلة انتقلت من الحفلات إلى «تيترات» المسلسلات، وفضائيات «الكليبات» الراقصة لا تعرض سوى الأغانى الخفيفة الأقرب إلى فن «المونولوج» منها إلى أغنية الطرب. أما الأصوات المدربة جيداً فهى لا تغنى سوى فى حفلات الأوبرا وقاعة سيد درويش، وهى محدودة الشهرة، وتعيش على تراثنا الموسيقى القديم. وليس هناك الآن من يلحن لها أغنيات جديدة بأسلوب عصرى يجذب الأجيال الجديدة للاستماع إليها، وصحيح أن لدينا ملحنين موهوبين مثل وليد سعد، وهو تلميذ نجيب فى مدرسة بليغ حمدى، لكن ألحانه الجديدة معظمها متشابهة، رغم اختلاف الأصوات التى تؤديها. والحقيقة أن الفنون كلها تعانى من أزمات متوالية، وليست الأغنية فقط، فما كادت السينما تتعافى وتعود إلى الإنتاج، حتى انتكست مرة أخرى، ورغم أن لدينا أكثر من عشرة مهرجانات مسرحية، إلا أن مسارحنا تطفئ أنوارها معظم شهور السنة، بعد أن توقف القطاع الخاص تقريباً عن العمل، واكتفت مسارح الدولة بإعادة تقديم العروض القديمة، أو تحويل الأفلام القديمة الناجحة إلى مسرحيات فاشلة. وتلقى إنتاج الكاسيت ضربات موجعة بسبب قرصنة الإنترنت والفضائيات الموسيقية التى تذيع الأغنيات ليل نهار مجاناً، وتضرب صناعة الأغنية فى مقتل وتسبب الخسائر الفادحة لشركات الإنتاج الغنائى، التى انسحب معظمها من السوق. والمشكلة أن الدولة انسحبت تماماً من عملية الإنتاج الفنى، وتركت عمليات الإنتاج والتوزيع بدون ضوابط حاكمة. وأصاب شركاتها مثل صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وجهاز السينما، ومدينة الإنتاج الإعلامى ما أصاب شركات القطاع العام من أمراض الروتين والبيروقراطية المزمنة، فتخلت صوت القاهرة عن دعم الأصوات الجديدة الموهوبة، وتوقف جهاز السينما تقريباً عن إنتاج أفلام جديدة. واكتفت مدينة الإنتاج الإعلامى بشراء وتسويق المسلسلات، وإنتاج أعمال قليلة لبعض الأسماء المحظوظة. وفقد مهرجان الموسيقى العربية بريقه، ولم يعد يجذب نجوم ونجمات الغناء لحضور حفلاته والمشاركة بالغناء فيه، رغم أهميته الكبيرة، باعتباره إحدى الوسائل المهمة لمقاومة تيار الغناء السائد أو إعادة المستمع العربى إلى حضن الغناء الجميل. ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك، وحفلات المهرجان لا تُذع سوى على قناة النيل الثقافية محدودة المشاهدة والتأثير، والإعلام الرسمى يتجاهله، والنجوم يفضلون عليه مهرجانات عربية أخرى تدفع أكثر وتتمتع بشهرة أكبر، ويسلط عليها الإعلام أضواءه باستمرار مثل «هلا فبراير». والنتيجة أنه لا يتمكن من تحقيق الرسالة التى يقام من أجلها، ويتوه فى زحمة المهرجانات المتعاقبة فى الربع الأخير من العام، والتى تتشابك وتتقاطع بطريقة تجعل كل مهرجان منها يشوش على الآخر، وتمنع المتابعين لها من التقاط الأنفاس. فما يكاد مهرجان المسرح التجريبى ينتهى حتى يبدأ مهرجان الموسيقى، وبعده مهرجان القاهرة السينمائى، وكان المفترض أن يقام فى نفس الفترة مهرجان الإعلام العربى، وأحسن المسئولون عنه بقرار تأجيله، والمفروض تغيير مواعيد تلك المهرجانات، وإعادة النظر فى فلسفة إقامتها وتقييم وتقويم العائد الفنى والثقافى من ?ورائها.