فى سنة 1926 نشر الدكتور طه حسين (1306 - 1393 ه - 1889 - 1973) كتابه « فى الشعر الجاهلى» الذى أثار معركة فكرية كبرى - كانت التالية فى القرن العشرين بعد معركة كتاب «الإسلام وأصول الحكم» سنة 1925. ولقد صدم طه حسين فى كتابه هذا المشاعر الإيمانية عند المسلمين، عندما شكك فى عقائد قرآنية - من مثل علاقة الإسلام بملة إبراهيم - عليه السلام - وبالحنيفية والحنفاء.. وقصة بناء الكعبة ورفع قواعدها بواسطة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وأخبار الرحلة الحجازية لأبى الأنبياء.. ولقد صدرت عدة كتب فى الرد على هذا الكتاب - وبالأحرى على السطور الثمانية والعشرين التى أعلن فيها طه حسين هذه المجازفات الصادمة للعقيدة الإسلامية - ومن بين هذه الكتب المهمة كتاب الشيخ محمد الخضر حسين (1293 - 1377ه - 1876 - 1958) نقض كتاب فى «الشعر الجاهلى» وكتاب الأستاذ العلامة الموسوعى محمد فريد وجدى (1295 - 1373 ه - 1878 - 1945م) وغيرهما.. وكان زعيم الأمة سعد زغلول باشا (1273 - 1346ه - 1857 - 1927م) وهو تلميذ جمال الدين الأفغانى (1254 - 1314 ه - 1838 - 1897م) والإمام محمد عبده (1266 - 1323 ه - 1849- 1905م) وخريج الأزهر الشريف، الذى كانت باكورة تآليفه كتاب (فى فقه الشافعى) - الذى كتب على غلافه: ألفه الفقير إلى الله تعالى الشيخ سعد زغلول الشافعى الذهب، من طلاب الأزهر الشريف».. كان الشيخ سعد زغلول باشا - زعيم الأمة - يتابع الحياة الفكرية وخاصة ما يكتب عن الإسلام وكان سكرتيره الخاص محمد إبراهيم الجزيرى - وهو شيخ من خريجى مدرسة القضاء الشرعى - يحضر إليه الكتب فيقرأها ويعلق عليها. وضمن ردود الفعل الثائرة على كتاب طه حسين (فى الشعر الجاهلى) تحركت مظاهرة طلاب الأزهر إلى بيت الأمة» - حيث يسكن سعد زغلول فأطل من الشرفة على المظاهرة الغاضبة، معلقا على كتاب طه حسين بقوله: «وماذا علينا إذا لم يفهم البقر»؟! ولقد ظلت هذه الكلمة توجع طه حسين، وتؤثر فى موقفه من سعد زغلول إلى أن توفاه الله.. وعندما قرأ سعد زغلول رد فريد وجدى على كتاب (فى الشعر الجاهلى) وكان وجدى قد أهدى نسخة منه إلى سعد زغلول - أرسل إلى المؤلف رسالة، تعلن عن موقفه من القضية.. وعن بلاغة هذا الزعيم العظيم.. وفيها قال: «حضرة الأستاذ الفاضل محمد فريد وجدى، وصلنى كتابك الذى وضعته فى نقد كتاب (فى الشعر الجاهلى) وتفضلت بإرسالة إلىّ وقرأته فى عزلة تجمع الفكر، وسكون يحرك الذكر، فراقنى منه قول شارح للحق، ومنطق يقارع بالحجة فى أدب رائع، وتحقيق دقيق فى أسلوب شائق، وإخلاص كامل للدين، فى علم واسع، وانتصاف للحقيقة فى احترام فائق، ومجموع من هذه الخصال استمليت منه قلبا فياضاً بالإيمان، وعقلا مثقفا بالعرفان، ونفسا محلاة بالأدب، فقررت عيناً بوجود مثلك بيننا، ورجوت الله أن يكثر من أمثالك فينا، وأن يجازيكم على ماتصنعون بتوفيق الباحثين والمتناظرين لاحتذاء أمثالكم فى دقة البحث، وأدب المناظرة، وإنكار الذات، والانتصار للحق، وبتوفيق الناس لاستماع أقوالكم واتباع أحسنها، والسلام على المهتدين - سعد زغلول. والسؤال: أهذا كلام علمانى؟!.. لقد كذب الجاهلون المفترون!