براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 21 مايو 2024    محافظ جنوب سيناء يلتقى عددا من رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأفريقية    بوريل يعلق على قرار «الجنائية الدولية» بشأن إسرائيل وحماس    مستشار الأمن القومي الأمريكي يطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى جميع أنحاء غزة    ترتيب الدوري المصري 2023-2024 قبل مباريات اليوم الثلاثاء    عباس أبو الحسن يتكفل بعلاج المصابتين في حادث الدهس بسيارته| خاص    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    مصرع طفل وإصابة شقيقه بحلوان.. والسبب «حلة شوربة» ساخنة    الثلاثاء 21 مايو.. توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية    شهداء وجرحى جراء غارة إسرائيلية على منزل لعائلة "أبو طير" شرق خان يونس    اليوم.. طلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية يؤدون امتحان مادة الهندسة    خالد عبد الغفار: مركز جوستاف روسي الفرنسي سيقدم خدماته لغير القادرين    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    وزير الصحة: لا توجد دولة في العالم تستطيع مجاراة الزيادة السكانية ببناء المستشفيات    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    أمير هشام: الكاف تواصل مع البرتغالي خوان لإخراج إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    على باب الوزير    كأس أمم إفريقيا للساق الواحدة.. منتخب مصر يكتسح بوروندي «10-2»    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعًا يا أصدق الأصدقاء
نشر في أكتوبر يوم 13 - 01 - 2013

«رب أخ لك لم تلده أمك» ذلك القول الشائع فى المأثورات العربية والذى يقطر رشدًا وحكمة لم أجد غيره توصيفًا مناسبًا للعلاقة الأخوية التى كانت بيننا عبر قرابة الأربعين عاما.. وذلك حين كنت طالبًا بقسم الإخراج بالمعهد العالى للسينما فى أوائل سبعينيات القرن الماضى وكان هو عائدًا من الاتحاد السوفيتى السابق بعد بعثة علمية نال خلالها شهادة الدكتوراة فى الإخراج السينمائى وعيّن مدرسًا لمادة الفيلم التسجيلى.. إنه الأستاذ الدكتور مدكور ثابت الذى غادرنا إلى دار البقاء مساء السبت الموافق الخامس من يناير 2013 إثر أزمة قلبية حادة، حيث فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد صراع مع المرض دام أكثر من عشر سنوات.
وقد كان خلالها الراحل الكريم مثلًا حيًا للامتثال لقضاء الله والإيمان المطلق بمشيئة الحق سبحانه وتعالى.. وحين أتحدث مرثيًا صديقى العزيز الغالى مدكور ثابت فإننى أتحدث عن نموذج إنسانى قلما يوجد مثيله بين البشر فقط كان يحمل بين جنباته قلبًا يمتلئ حبًا لكل الناس وكان خاليًا من كل الأحاسيس السلبية التى أصبحت تسود العلاقات بين بنى آدم فى زمن عزَّ فيه الوفاء والإخلاص وحلت محلها الأحقاد والضغائن.
ومن أبرز ما كان يتحلى به مدكور ثابت هو الزهد فى مجد شخصى يأتى على حساب ما يعتنقه من قيم ومُثل عليا ومن هنا كانت إسهاماته فى صنع الفيلم التسجيلى، ذلك النموذج الفيلمى البناء الذى استطاع مدكور أن يقدم من خلاله جرعة ثقافية للجماهير، خاصة أن بداية احترافه للإخراج السينمائى جاء مواكبا لإنحدار وهبوط ساد الفيلم الروائى ورغم ما يحققه هذا النوع السينمائى من شهرة وذيوع وقبلهما مكاسب مادية إذا ما قيس بالفيلم التسجيلى والذى عادة ما تتولى إنتاجه جهات قومية همها الأوحد تقديم المعلومة الثقافية الراقية نظير أجر زهيد لا يتجاوز مئات الجنيهات، وذلك فى الوقت الذى يتقاضى أترابه من مخرجى السينما الآلاف التى قفزت فى الفترة الأخيرة إلى خانة الملايين.
***
وقد ولد مدكور ثابت فى الثلاثين من سبتمبر عام 1945 بقرية كوم أشتاو بمحافظة سوهاج التى ظل حتى وفاته يحمل من نشأته القروية والصعيدية قيما لم يتخل عنها وظل يعتبرها دستورا أخلاقيا - إذا صح التعبير - كانت دائما هى محور تعامله مع زملائه وتلاميذه وأصدقائه وقبلهم جميعا جمهوره الذى بادله حبا بحب واحتراما باحترام.
وقد تخرج مدكور ثابت فى المعهد العالى للسينما 1965 وهو لم يبلغ بعد العشرين عاما وكان ترتيبه الأول على دفعته مع مرتبة الشرف الأولى وعيَّن معيدًا بالمعهد وكان من أوائل الخريجين الذين انضموا لهيئة التدريس بأكاديمية الفنون.. واستمرت مسيرته الأكاديمية حتى صار أستاذا للإخراج إلى أن تم اختياره رئيسا للمركز القومى للسينما عام 1993 حتى 1999 وقد كانت هذه السنوات الست سنوات فارقة فى عمر هذا المركز، حيث اهتم بإصدار سلسلة ملفات السينما والتى تجاوزت السبعين ملفا لتصبح مكتبة سينمائية رائعة المستوى، حيث تضمنت مختلف الدراسات حول الفن السينمائى سعيًا وراء الارتقاء بهذا الفن الذى تعتبر مصر إحدى الدول الرائدة للسينما فى العالم، حيث تجاوزت صناعتها فى مصر القرن الكامل.. ومن أبرز قراراته التى أحدثت جدلا نقاشيا فى هذه الفترة قراره بإلغاء المهرجانات الاحتفالية التى لا طائل من ورائها إلا إنفاق الميزانية هباء دون عائد ثقافى واستبدل هذه الميزانيات بميزانية رصد من خلالها إصدارات بناءة يستفيد من خلالها صُناع الفيلم السينمائى على اختلاف ألوانه ونوعياته مؤكدا أن الثقافة السينمائية الراقية هى السبيل الأوحد للارتقاء بالسينما المصرية وإقالتها من عثراتها الراهنة التى كانت سببا فى هبوط مستواها حتى لجأ الجمهور إلى أفلام الأبيض والأسود رافضًا الأفلام الحديثة التى تمتلئ بكل صنوف الإسفاف والابتذال الأخلاقى.
***
وفى عام 1999 ترك رئاسة المركز القومى للسينما بعد أن حقق نشاطا ثقافيا كان يشكل لديه أملا كبيرا ليتولى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية والتى شهدت فى عهده طفرة كبيرة فيما أتيح لمبدعى السينما من حريات للإبداع والبعد عن التابوهات الرقابية. ما دامت الأفلام تحمل بعدا ثقافيا يضاف إلى ذهنية ووجدان جماهير السينما وقد استمر منصبه قرابة السنوات الخمس كانت خلالها الرقابة حصنا للجماهير تقيه ما كان يحدث قبل ذلك من زلل وسقوط أخلاقى كان يرفضه الراحل الكريم شكلا ومضمونا.
ثم تولى بعد ذلك رئاسة أكاديمية الفنون لمدة عامين بقرار من وزير الثقافة الذى أراد بقراره تقويم الأجيال الجديدة من المنبع أى منذ سنوات دراستهم ليشيعوا حين تخرجهم أفلاما تحرص على تقديم الفيلم السينمائى كرافد مهم من روافد الثقافة المحترمة بعيدا عن الانزلاق القيمى الذى ساد فى هذه الفترة.
***
وإذا تحدثنا عن الجانب الإبداعى فى حياة د. مدكور ثابت فإن مؤلفاته السينمائية تأتى فى مقدمة هذه الإبداعات وهى على سبيل المثال لا الحصر كتبه «النظرية والإبداع فى سيناريو وإخراج الفيلم التسجيلى» و«كيف تكسر الإيهام فى الأفلام السينمائية» و«ألعاب الدراما السينمائية» وكما أصدر موسوعة «نجيب محفوظ والسينما» فى مجلدين كبيرين لما لنجيب محفوظ من إسهامات سينمائية فى مجال السيناريو ورواياته التى تحول معظمها إلى أفلام سينمائية هى محطات إبداعية تؤرخ للفن السينمائى المصرى.
ومن أفلام مدكور ثابت التسجيلية يبرز فيلم «سحر ما فات فى كنور المرئيات» ذلك الفيلم الذى يؤرخ لما حدث فى مصر عبر مائة عام وقد تضمن من اللقطات النادرة التى رآها المشاهد المصرى لأول مرة، حيث جمعها الراحل فى سبع سنوات كاملة بتكلفة قدرها مائة ألف دولار، وقد ساهمت جهات مختلفة فى تحمل ميزانيتها الباهظة ومنها قنوات دريم التى أخذت حق عرضها جماهيريا، وقد أثنى معظم النقاد على مادة الفيلم الثقافية والتى ساهمت فى تجميعها الهيئات العالمية كاليونسكو وغيرها، بحيث أصبح هذا الفيلم وثيقة تاريخية مصورة تخلد مبدعها وتذكر بدوره كأحد مثقفى مصر المرموقين.
***
إن قائمة الإنجازات المهمة التى أبدعها د. مدكور ثابت تزدحم بشكل يجعل من الصعوبة بمكان إدراجها فى هذه العجالة السريعة، ولكن حسبه أن مات بضمير مستريح، حيث أدى ما رآه واجبا عليه حيال وطنه الذى أخلص له العطاء وبدورنا نحن تلاميذه وأصدقاءه سوف نذكره بالخير دائما لما كان يتحلى به من تواضع جم وخلق رفيع ويجعلنا نجزل له الدعاء بالرحمة والمغفرة جزاء ما قدم لنا ولمعشوقته التى أفنى عمره من أجلها.. مصر العظيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.