أنا السلطة الوحيدة المخول لها البت فى نزع سلاح حزب العمال الكردستانى.. هكذا ردد عبد الله أوجلان رئيس الحزب المسلح فى أكثر من مناسبة. وهو ما أدركته بالفعل الحكومة التركية، والتى أعلنت عن عودة المحادثات وفتح حوار معه بشأن نزع سلاح المتمردين الأكراد، وذلك بعد توقف دام أكثر من 13 عاما، ولأول مرة بشكل جاد منذ قرابة ثلاث عقود هى عمر الصراع الدموى بين الجانبين. وبناء على توصية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، انتقل فريق من المخابرات التركية إلى جزيرة أميرالى جنوب البلاد حيث محبس عبد الله أوجلان الذى يقضى حكما بالسجن مدى الحياة، لبدء المحادثات معه بشأن حزب العمال الكردستانى وذلك لخلق بيئة لا يكون فيها حاجة لحمل السلاح على حد تعبير أوجلان الذى طالب بالحصول على اتصال مباشر مع حزبه المتمرد وظروفا أفضل فى السجن كخطوة أولى لبدء المفاوضات، وهو ما تجاهلته الحكومة التركية مكتفية بإرسال النائبين الكرديين «أكات عطا» و«أحمد ترك»، وذلك وفقا لصحيفة «ملييت» الشهيرة. وهى المرة الأولى التى يلتقى فيها أوجلان داخل سجنه بأفراد من خارج أسرته باستثناء محاميه الخاص الذى تم منعه من زيارته منذ أكثر من سنة. ورغم إحاطة المحادثات بين الجانبين بالكتمان والسرية فإن صحيفة «حريات» كشفت بعض ما دار خلف الأبواب المغلقة فى أولى جلسات الحوار، وذلك بإعلانها عن شروط أوجلان - على لسان مصدر موثوق به على حد تعبيرها- والتى تضمنت: وضعه رهن الإقامة الجبرية بمنزل خارج السجن أو تحسين مستوى معيشته بداخله، وإصدار عفو عام وشامل لجميع قيادات وعناصر وأنصار وأتباع حزب العمال الموجودين داخل وخارج تركيا دون استثناء، والاعتراف دستوريا بالهوية والقومية الكردية مع إقامة وطن للأكراد جنوب شرق البلاد يتمتع بالحكم الذاتى. وردا على ذلك، استبعد رئيس الوزراء رجب أردوغان أية نية لديه للعفو العام عن المقاتلين الأكراد أو حتى الإفراج عن أوجلان ووضعه رهن الإقامة الجبرية، مؤكدا أن المفاوضات مع قيادات المتمردين لن تمنع تركيا من معاقبة الإرهابيين مشددا على رفضه لفكرة الحكم الذاتى وحرصه على وحدة أراضى تركيا. ومن المتوقع أن يتواصل أوجلان من داخل محبسه مع أعضاء حزبه بواسطة النائبين الكرديين أكات عطا وأحمد ترك، كما سيلتقى مع هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية المفوض من قبل الحكومة التركية للتفاوض معه، على أن يستمر انعقاد تلك المحادثات بشكل دائم خلال الفترة القادمة لتبادل المقترحات من أجل التوصل إلى اتفاق نهائى. ويذكر أن حزب العمال الكردستانى أو ما يعرف ب«PKK» قد تأسس فى نهاية فترة السبعينيات على أسس سياسية يسارية ذات نزعة كردية قومية قبل أن يحمل أعضاؤه السلاح ضد النظام الحاكم ويتحول إلى حزب مسلح فى بداية الثمانينيات تم بعدها وضعه على القائمة الدولية للمنظمات الإرهابية. ويتخذ مسلحو الحزب من جنوب شرق تركيا والجبال المتاخمة لحدود كردستان العراق ملجأ لهم، وعبد الله أوجلان «64عاما» هو مؤسس الحزب ورئيسه حتى الآن رغم وجوده داخل السجن عقب إلقاء القبض عليه فى كينيا عام 1999 خلال عملية استخباراتية تركية أمريكية غامضة، إذ ترددت أنباء آنذاك عن طلب رئيس الوزراء التركى الراحل بلوند أجاويد من نظيره الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تولى جهاز الموساد عملية القبض على أوجلان، وهو ما تم بالفعل وظل فى طى الكتمان بناء على رغبة الطرفين، وحكم على أوجلان بالإعدام قبل أن تتحول العقوبة إلى السجن مدى الحياة عقب إلغاء عقوبة الإعدام فى تركيا عام 2002. ويُحمّل كثير من فئات الشعب التركى أوجلان مسئولية مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ حمل حزبه السلاح عام 1984، وهم يلقبونه بالجزار وقاتل الأطفال، الأمر الذى عرض الحكومة التركية فور الإعلان عن بدء المحادثات معه إلى انتقادات واسعة فى الشارع التركى شملت بعض الوقفات الاحتجاجية، ووصلت إلى حد اتهام أردوغان بالخيانة العظمى على لسان رئيس حزب الحركة القومية «دولت باهجلى» وفقا لصحيفة «أكشام»، فى حين أعرب البعض عن ترحيبهم بالمفاوضات من أجل حقن دماء المواطنين الأبرياء من الهجمات الإرهابية لحزب العمال مشددين على حماية وحدة البلاد وعدم التفريط فيها تحت أى مسمى. دوليا، استقبلت المحادثات بترحيب شديد من قبل واشنطن بشرط أن تكون جادة، وأعلنت تأييدها لخطوات تركيا وسعيها لتقديم الدعم اللازم لحل الأزمة بالاشتراك مع حليفتها إقليم كردستان العراق برئاسة مسعود برزانى المعروف بانتقاداته الشديدة لموقف الحكومة التركية تجاه حزب العمال الكردستانى. ورغم اختلاف خبراء السياسة حول قدرة أوجلان على إقناع مسلحى الحزب بإلقاء السلاح فى الوقت الحالى عقب 13 عاما من العزلة داخل محبسه، فإنهم اتفقوا على أهمية التوقيت الذى أقدمت فيه الحكومة على بدء المحادثات فى ظل تدهور الأوضاع على الحدود السورية واتساع الرقعة الجغرافية لمتمردى الحزب الكردستانى، وعقب شهور صيف عام 2012 الأكثر دموية فى تاريخ الصراع التركى الكردى.