يبدو أن معارك الرئيس الأمريكى باراك أوباما مع الجمهوريين لم تنته بفوزه بولاية ثانية فى البيت الأبيض على حساب المرشح الجمهورى ميت رومنى، فلم يكد الشهر الأول من الولاية الجديدة لأوباما يكتمل، إلا وأشعل الجمهوريون فى «مجلس النواب» معركة جديدة برفضهم اقتراحًا يهدف إلى تجنيب البلاد السقوط فيما بات يعرف بأزمة «الهاوية المالية». تعود الواقعة إلى بداية الشهر الجارى، عندما أعلن مجلس النواب الأمريكى بأغلبية جمهورية ساحقة رفضه لمقترحات قدمها أوباما ووزير خزانته تيموثى جايثنر لتجنب سقوط الولاياتالمتحدة فى «الهاوية المالية» بحجة أن المقترحات المقدمة ليست بجديدة وتم رفضها من قبل، وتتمثل أزمة الهاوية المالية فى تخفيضات للإنفاق وزيادات للضرائب سيبدأ سريانها بشكل تلقائى مطلع العام المقبل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية بين إدارة أوباما والكونجرس، وهو ما يشبه خطط التقشف التى تتبعها معظم دول أوروبا بسبب الأزمة المالية التى تمر بها. وتكمن مقترحات أوباما وجايثنر فى العمل على توفير نحو تريليون دولار من خلال الضرائب المقتطعة على الدخول التى تتعدى 250 ألف دولار فى الفترة من بداية ولايته الأولى فى أواخر يناير 2009 وحتى الآن، بالإضافة إلى زيادة الضرائب العقارية بنسبة 45% لتشمل عقارات تقل قيمتها عن 5 ملايين دولار وحتى 3 ملايين و500 ألف دولار. ويقترح أوباما تمديد قرار تخفيض الضرائب على الطبقة المتوسطة قبل حلول العام الجديد داعيا أفراد تلك الطبقة من الشعب الأمريكى إلى الضغط على المشرعين بهدف إقرار هذا التخفيض، منتقدا فى الوقت ذاته أعضاء النواب من الحزب الجمهورى، ووجه أوباما حديثه للشعب الأمريكى قائلا: «من غير اللائق، ومن غير المفهوم لى، وأعتقد أنه لكم أيضا، أن ترفض حفنة من الجمهوريين فى الكونجرس التخفيضات الضريبية للطبقة المتوسطة لمجرد أنهم لا يريدون أن ترتفع معدلات الضريبة للفئات الأعلى دخلا». بينما عبّر أوباما عن غضبه فى وقت سابق بقوله: «الجمهوريون فى الكونجرس يعارضون دائما ودون مبرر أى مقترح يشتم من خلاله رائحة رفع الضرائب على الأثرياء». وعلى الجانب الآخر، برر المعسكر الجمهورى رفضه لمقترحات أوباما عبر بيان أصدره جون بونر رئيس مجلس النواب، أكد فيه أن رفض مقترحات أوباما يعود لكون السبب الرئيسى فى ارتفاع معدل الدين العام ليس العجز فى الضرائب بل استمرار الإدارة فى الإنفاق ببذخ، مشيرا إلى أن زيادة الضرائب بدلا من الحد من الإنفاق هو «أمر خاطئ» وسيصعّب عملية النمو الاقتصادى، كما أبدى بونر استعداد حزبه للعمل مع الرئيس أوباما للتصدى للتحديات المالية التى تواجهها البلاد، مؤكدا على التزامه بتعهدات الحزب الجمهورى بعدم رفع الضرائب على الأثرياء والعمل على خفضها. وسبق أن تقدم أوباما بمقترح، تحت عنوان «خطة العمل» بهدف تحقيق خفض ضريبى للطبقة المتوسطة والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير ما يقارب 2 مليون وظيفة وخفض المعدل الرسمى للبطالة، كان مصيره الرفض القاطع من الأغلبية الجمهورية بالكونجرس التى تقف عائقا أمام كافة المقترحات الديمقراطية . ويسيطر الجمهوريون على الكونجرس منذ انتخابات التجديد النصفى فى يناير عام 2010، قبل أن يؤكدوا تفوقهم فى الانتخابات الأخيرة التى تزامنت مع الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر الماضى، وحصلوا على 238 مقعدا من أصل 435 مقعدا، الأمر الذى دفع معظم المراقبين والخبراء السياسيين إلى توقع امتداد حالة الجمود التى شابت الولاية الرئاسية الأولى للرئيس أوباما إلى ولايته الثانية أو على أقل تقدير عامين قادمين. ويتوعد الجمهوريون برفض أى من القوانين التى يقترحها المعسكر الديمقراطى، ومنها رفع نسبة الضرائب على الأثرياء، وكذلك ما يخص النظام الذى اقترحه الرئيس أوباما للرعاية الصحية، وتقول جنيفر دافى من موقع «كوك بوليتيكال ريبورت» المتخصص فى الانتخابات: إن انتخابات التجديد النصفى القادمة للكونجرس ستكون بمثابة حياة أو موت بالنسبة للديمقراطيين. و يرى الباحث السياسى أنطون كلين ضرورة الوصول إلى أرضية مشتركة وتفاهم متبادل بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونجرس لتجنب تكرار ما شهدته الولاية الأولى للرئيس أوباما من جمود، كما توجه كليف يونج الخبير بمعهد ابسوس بالنصح إلى الأغلبية الجمهورية فى الكونجرس بعدم المغالاة فى عدائهم تجاه الديمقراطيين بما لايضر بمصلحة ومستقبل البلاد.