أبناؤنا فى الداخل لا يعرفون شيئاً عن الغجر المصريين، فقد اختفوا من القرى والمدن مثلما اختفت فنون الشارع من القرداتى إلى نافخ النار إلى الحاوى، إنهم أصحاب عالم خاص بيوتهم من خيام مهنتهم تبييض النحاس، والحدادة، وضرب الودع وبعض السلوكيات الاستفزازية مع الناس، صوّرهم شاعر ثورة 1919 بديع خيرى فى المسرحية الغنائية «العشرة الطيبة» فى تابلوه استعراضى مطلعه «إحنا الغجر وانتوا الحكام.. أفعالنا جيم، رى، وشين، وكاف، لام (جر شكل).. وقدمتهم السينما المصرية فى فيلم «تمر حنة» عام 1957 وفيه تنصب جماعة من الغجر خيامها فى عزبة أحد الأثرياء حيث يوجد «مولد» قريب لأحد الأولياء، ويلاحق الفتى المدلل، ابن الثرى الغازية الحسناء ويلاحظها زميلها الغجرى فيثور لأنه يحبها.. إلى آخر أحداث الفيلم المعروفة والتى قام ببطولتها نعيمة عاكف ورشدى أباظة وأحمد رمزى وفايزة أحمد وأخرجها حسين فوزى. أما المسرح المصرى فقدم حدوتة الغجر فى مسرحية من تأليف محمد جلال بعنوان «آه يا غجر». عرفت الحياة الشعبية جماعة الغجر كموسيقيين يجوبون الأسواق والموالد فى القرى والنجوع يعزفون ويغنون على الربابة وعلى دقات الدفوف ولو تصادف أن كان من بينهم صاحب صوت مقبول فإنه يجد فرصته فى حفلات العرس والسامر والمقاهى من القصص التى اعتاد الربابة أداءها قصة «المناعة بنت زيد العجاجى» وكان يؤديها عز الدين نصر الدين فى محافظة سوهاج «ودكة البساتين من «ريادة الهلايل» وكان يؤديها راشد أبو سريع فى محافظة الفيوم، وقد ترك الغجر فى مصر تراثاً من الغناء القصصى عرف بقصص المداحين وهم ليسوا جميعا من الرجال، فالنساء المداحات تشاركن فى هذا الفن أيضاً فهن مغنيات متجولات تجبن الأسواق وتنشدن على نواصى الحوارى طلبا للعطايا. والغجر ظاهرة عالمية موجودة فى بلاد العالم القديم حول البحر الأبيض المتوسط، والعالم الجديد فى شرق أوروبا خاصة رومانيا. وقد افتتحت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فى برلين أول نصب تذكارى لضحايا الغجر فى عهد ألمانيا النازية بعد 20 عاما من الجدل بين الحكومة الألمانية وممثلى غجر أوروبا من «السينتى» و«الرومن» وشارك فى افتتاح النصب فى قلب العاصمة الألمانية ممثلون عن منظمات الغجر الأوروبيين، ومع ذلك فقد وجه «رومانى روزه» رئيس المجلس المركزى للغجر فى ألمانيا انتقادات لسياسة الحكومة الألمانية تجاه اللاجئين الغجر الوافدين إلى ألمانيا من دول شرق أوروبا وقال إن الغجر يتعرضون فى مقدونيا وصربيا لعنصرية شديدة ويستخدمون حق اللجوء إلى ألمانيا. ولا تخلو سلوكيات غجر أوروبا من أشكال تزعج شعوب الدول الأوروبية المجاورة، وهى سلوكيات همجية لم يعتد على مثلها أهل غرب وشمال أوروبا والرقص فى الشوارع بعد جمع النقطة من السائحين فى هذه الدول المتحضرة سلوكيات لا يرحب بها الأوروبيون كثيرا. وكما تعرض غجر أوروبا إلى مقتل نحو نصف مليون منهم فى معسكرات الإبادة النازية بسبب القتل والأمراض وإخضاعهم للتجارب يتعرض حاليا غجر سوريا إلى خطر مماثل وكانوا يعيشون على هامش الحياة قبل أن تجبرهم الأحداث العنيفة التى تدور هناك على الفرار إلى الأردن ومنها إلى مصر حيث نصبوا خيامهم فى عزبة الهجانة آملين فى السفر إلى الإسكندرية ليتسنى لهم الذهاب إلى أوروبا من خلال البحر، فهناك المأوى والحماية وتقام لهم التماثيل فى وسط العواصم. وجواز مرور الغجر هو الفولكلور الخاص بهم المتمثل فى الملامح واللغة والملابس مما سهل لهم الانتقال من سوريا إلى الأردن إلى مصر ويسألون عن غجرها فلم يجدوا لهم أثرا فقد راحوا فى الوبا ولم يبق منهم إلى ما نشاهده فيلم «تمر حنة».